إيران حضّرت سنوات لـ”الطّوفان”… لكنّها فوجئت به!

مدة القراءة 8 د

سنة على عملية طوفان الأقصى. هي العملية التي أشعلت حروباً ويمكنها أن تغيّر وجه المنطقة. مفارقات كثيرة تُسجّل في الذكرى الأولى للعملية التي نفّذتها حركة حماس في غلاف غزّة فاقتحمت الدفاعات الإسرائيلية وأسقطت “أسطورة” الردع لدى تل أبيب وخطفت ضبّاطاً وجنوداً ومدنيين. كان الهدف من العملية إحياء القضية الفلسطينية، وقطع الطريق على مشاريع التطبيع. أمّا إسرائيل فاستغلّتها لاستعادة وحدتها الداخلية، ولإطلاق مشروعها الجديد القائم على القضم والتوسّع وضرب مفهوم الدولة الفلسطينية والقضاء على القضيّة، مع اتّساع الطموح لتطويق إيران أو تقويض نفوذها. بعد سنة على العملية يمكن القول إنّها أنتجت أكثر من حرب، وإحدى مفارقاتها المصير المجهول لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، علماً أنّ بداية العملية وما نتج عنها من خلل في الحسابات بين إيران وحماس، يتحمّل مسؤوليّتهما إسماعيل قاآني بالنسبة إلى كثيرين... فما هي “حكاية” هذا “الطوفان” الذي غيّر وجه المنطقة؟ ما هي الأدلّة على أنّ إيران كانت تحضّر لهذه المعركة؟

 لم يكن يوم 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023) هو الموعد المحدّد لعملية “طوفان الأقصى” من قبل إيران. كانت طهران مع محور حلفائها تحضّر لعملية كبرى أو لما تسمّيه “المعركة الكبرى ضدّ إسرائيل”. لكنّها لم تكن قد حدّدت موعدها الثابت. حصل خلل ما دفع بحركة حماس وقيادتها في غزّة برئاسة يحيى السنوار إلى أن يتّخذوا القرار بشنّ العملية صباح 7 أكتوبر.

أسئلة كثيرة لا تزال تحتاج إلى إجابات ليست متوافرة لدى الإيرانيين حتى الآن. لكنّهم في الأيام الأولى للمعركة، وحين استقبل مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي إسماعيل هنية للمرّة الأولى، كانت تسريبات إيران واضحة بأنّها لم تتّخذ القرار بشأن العملية وحاولت التنصّل منها.

سنة على عملية طوفان الأقصى. هي العملية التي أشعلت حروباً ويمكنها أن تغيّر وجه المنطقة

كانت ستحصل في عهد ترامب؟

لا ينفي ذلك أنّ إيران كانت تحضّر للمعركة الكبرى، التي تريد لها أن تفجّر الوضع في المنطقة بوجه أيّ اتفاق استراتيجي يحاول استبعاد طهران أو عزلها أو تحييدها وتقويض دورها.

وفق التقديرات الاستراتيجية الإيرانية، فإنّ الاتفاق السعودي الإسرائيلي لم يكن من الوارد أن يحصل في ظلّ إدارة جو بايدن، بل في حال تمّ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، على أن يستكمل المسار الذي كان ترامب قد افتتحه في ولايته الأولى. عندها، كانت إيران تريد تفجير عملية طوفان الأقصى ولم يكن يُفترض أن تكون محصورة في قطاع غزة، بل تشمل الجبهات المختلفة ولا سيما جبهة لبنان.

لذلك لم يكن الحزب على علم بالموعد التفصيلي للعملية وفق ما أعلن مختلف قادة الحزب، على الرغم من وجود غرفة عمليات مشتركة بين قوى المحور كانت تحضّر وتجري التدريبات لتحديد ساعة الصفر التي كان موعدها المفترض عند انتخاب دونالد ترامب، وذلك لقلب كلّ المعايير والتوازنات، ولعدم ترك المجال أمام واشنطن، الرياض وتل أبيب، كي تتّجه نحو مسار استراتيجي على مستوى المنطقة يُضعف إيران ونفوذها، لا سيما أنّ المشروع لم يكن مقتصراً على الاتفاق السعودي الإسرائيلي، بل كان سيؤدّي إلى إعادة ترتيب الوضع في المنطقة، بما في ذلك الانفتاح العربي على دمشق، والدخول في اتفاقات مع العراق لعدم تركهما ساحة مفتوحة أمام طهران.

وفق التقديرات الاستراتيجية الإيرانية، فإنّ الاتفاق السعودي الإسرائيلي لم يكن من الوارد أن يحصل في ظلّ إدارة جو بايدن

التحضيرات خلال سنوات: 7 أدلّة

على مدى سنوات استمرّ التحضير الإيراني للمعركة الكبرى، التي كانت تمرّ بجغرافيات متعدّدة، من إيران إلى العراق فسوريا فلبنان، حيث مناطق نفوذ الحزب بقاعاً وضاحية وجنوباً، والمخيّمات الفلسطينية. ومن لبنان إلى الداخل الفلسطيني، ولا سيما الضفة الغربية وغزة. وهنا لا بدّ من استذكار محطّات متعدّدة:

  • أولاها، عملية رصد إسرائيلية دقيقة لأنشطة أمنيّة وعسكرية للحزب ولقوى فلسطينية تابعة لحماس وبالتحديد في بعض المخيمات ولا سيما مخيّمي برج الشمالي وعين الحلوة.
  • ثانيتها، محاولات التسلّل أو محاولات التقاط نقاط ضعف السياج الشائك في الجنوب عبر محاولات تسلّل لأشخاص من الجنسية السودانية.
  • ثالثتها، “عملية مجدو” التي كشف عنها الإسرائيليون، وهي عبارة عن تسلّل شخص فلسطيني من لبنان إلى الأراضي المحتلّة والعمل على تفجير عبوة ناسفة.
  • رابعتها، المناورة العسكرية التي أجراها الحزب في عرمتى بجنوب لبنان، تحت عنوان “سنعبر”. وكان المقصود “اقتحام الجليل” في محاكاة لما قامت به حركة حماس في غزة.
  • خامستها، رصد الأجهزة الأمنيّة اللبنانية وجهات خارجية لعمليات تدريب لعناصر فلسطينية في البقاع على الطائرات الشراعية وغيرها من العمليات التي نفّذها الفلسطينيون انطلاقاً من غزة.
  • سادستها، الاشتباكات الموسّعة التي شهدها مخيّم عين الحلوة وكان الهدف منها إضعاف حركة فتح والتحضير لسيطرة حماس وحلفائها على كلّ المخيّمات الفلسطينية في لبنان تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى سيطرة الحزب على الداخل اللبناني.
  • سابعتها، اكتشاف شاحنة الكحّالة وما كانت تحتويه من تقنيات لزوم الطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى بعض الذخائر، ولا يمكن فصل النقطة السابعة عن السادسة.

عملية طوفان الأقصى جاءت بعد فترة على إعلان إنشاء مشروع طريق الهند الإستراتيجي. هذا الطريق الذي يربط آسيا بالخليج العربي ويعبر إلى إسرائيل

اعتراضات الحزب… ولَوم حماس

كان يهدف كلّ ذلك إلى التحضير للحظة إعلان العملية الكبرى. وهو ما لم يحصل. بل قامت به حماس بشكل منفرد وفق تصريحات الحزب والإيرانيين. علماً أنّه بعد اغتيال الأمين العام للحزب وقيادات عسكرية كبيرة في الحزب، تعالت أصوات داخل الحزب تنتقد حماس وما قامت به وتقول إنّ الحزب لم يكن جاهزاً للدخول في هذه المعركة وإنّ حماس ورّطتهم ودفّعتهم ثمناً كبيراً.

للمفارقة أيضاً أنّ عملية طوفان الأقصى جاءت بعد فترة على إعلان إنشاء مشروع طريق الهند الإستراتيجي. هذا الطريق الذي يربط آسيا بالخليج العربي ويعبر إلى إسرائيل، ومنها نحو أوروبا. ثلاث دول تتضرّر من هذا المشروع، وهي إيران، تركيا، وروسيا.

هاجم الأتراك والإيرانيون هذا المشروع واعتبروه موجّهاً ضدّهم، بينما جاءت عملية “طوفان الأقصى” من أجل قطع هذا الطريق وتهديده أمنيّاً واستراتيجياً. وفيما لم تتبنَّ إيران التوقيت، تتداخل الأسئلة الكثيرة حول الجهات التي يمكن لحماس أن تكون قد استندت إليها للقيام بالعملية.

بعيد تنفيذ العملية فعّلت إيران وحلفاؤها معادلة “وحدة الساحات”. وهي المعادلة التي لم تصبح قيد التداول إلا بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في بغداد قبل 4 سنوات.

بحسب المعطيات الإيرانية فإنّ خليفة سليماني، أي إسماعيل قاآني، لم تكن لديه تلك الصلات الواسعة التي كان يديرها سليماني شخصياً

تأثير اغتيال سليماني

بحسب المعطيات الإيرانية فإنّ خليفة سليماني، أي إسماعيل قاآني، لم تكن لديه تلك الصلات الواسعة التي كان يديرها سليماني شخصياً، علماً أنّ الأخير كان يعتمد على سياسة “السلاسل غير المتّصلة” في إدارته للواقع العسكري والجغرافي والمجموعات التي يتعاطى معها. وبحسب المعطيات أيضاً كان نصرالله لديه بعض الاطّلاع على آلية عمل سليماني، ولذلك أُنشِئت غرفة العمليات المشتركة ليكون نصرالله عنصراً مؤثّراً ومقرّراً، بالإضافة إلى القدرة على التواصل أو إصدار التعاميم التي تصل إلى كلّ المجموعات التي لم يتمكّن قاآني من التعرّف عليها أو التواصل معها لأنّ تواصلها كان محصوراً بسليماني فقط.

يبقى سرّ اتّخاذ قرار تنفيذ العملية أحد الأسرار الكبرى التي يمكنها كشف كيفية انقلاب الوقائع في الشرق الأوسط. أحد الأسرار يرتبط بمرحلة ما بعد سليماني، ومجيء قاآني الذي بقيت الأسرار ترافقه وصولاً إلى التساؤلات عن مكان وجوده في الأيام الأخيرة وسط تضاربات كثيرة بين من يعتبر أنّه كان برفقة هاشم صفي الدين وقتل معه، أو كان ينوي التوجّه إلى الاجتماع لكن حصل الاستهداف قبل وصوله وتمّ نقله بشكل آمن إلى سوريا ومنها إلى إيران، وبين من يخوض في تسريبات تتعلّق بوضعه في الإقامة الجبرية للاشتباه به.

إقرأ أيضاً: فريدمان: حرب إسرائيل.. أم حرب بقاء نتانياهو؟

أرادت حماس تنفيذ عمليّتها لإعلاء شأن القضية الفلسطينية، فاستغلّها نتنياهو ليقلب المنطقة رأساً على عقب، مستفيداً من ظروف دولية وإقليمية يراها مؤاتية، وبينها الانتخابات الأميركية التي استغلّها للضغط على واشنطن في تفعيل حربه على إيران أو تقويض نفوذها، وعمل على التخلّص من كلّ المطلوبين أميركياً في قيادة الحزب، ووجّه ضرباتٍ قاسية لكلّ “خصوم” دول الخليج، وسعى إلى فرض واقع عسكري وسياسي جديد، يقول فيه إنّه الدولة الأقوى، وإنّه الوحيد الذي نفّذ ضربات ضدّ أهدافٍ كانت صروحاً من خيال… وهوت.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…