الرّئاسة بين “ديل” برّي و”تهريبة” باسيل

مدة القراءة 4 د

يُقال إنّه في خضمّ المعارك لا يتمّ تبديل الضبّاط المشرفين على العمليات. فهل يمكن انتخاب رئيس، بين جولة قتالية وأخرى، على وقع الصواريخ والقذائف؟

على ما يبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يعمل جاهداً على مواجهة النيران، عبر إنتاج “صيغة إطفائية” عابرة للمتاريس قادرة على تمرير الاستحقاق الرئاسي، من دون انتظار لحظة وقف إطلاق النار.

 

إنّها مهمّة صعبة جداً، إن لم نقل مستحيلة، ستكون مسألة تنفيذها معبّدة بالألغام ومزنّرة بالمسيّرات، انطلاقاً من جملة عوامل معقّدة، أبرزها:

1- من غير المنطقي أن يعمد أيّ فريق إلى تقديم تنازل، وهو ممرّ إلزامي لبلوغ طاحونة الرئاسة التوافقية، التي يروّج لها، بينما لا تزال لغة الحرب والدمار هي السائدة. وبالتالي لا تزال الخارطة النهائية للحرب، وشكلها النهائي بتوازناتها الجديدة، مع وقف إطلاق النار، غير واضحة المعالم، ومعرّضة للتبديل والتغيير، لا سيما في ضوء الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في غزوها البرّي. وهذا ما يقود إلى تساؤلات حول الهامش الممكن والمتاح لخوض غمار تسوية رئاسية، مطوّقة بالكثير من الضبابية في ظروفها، سواء من جهة المعارضة التي يعتقد بعض مكوّناتها أنّ التطوّرات العسكرية قد تفضي إلى مزيد من التنازل من جانب الحزب، أو من جهة الأخير الذي يعتقد أنّ البرّ سيقلب معادلة الجوّ عسكرياً، وهو ما يعفيه من ضريبة التنازل داخلياً.

لا غالب ولا مغلوب

2- يعتقد بعض عارفي الرئيس برّي أنّ مسعاه الرئاسي التوافقي القائم على معادلة البحث عن اسم يكرّس قاعدة لا غالب ولا مغلوب، لن يكون ضمن إطار لبناني- لبناني بحت، وإنّما في سياق تسوية إقليمية – دولية تأتي بالولايات المتحدة والسعودية وإيران بطبيعة الحال إلى طاولة قصر بعبدا. وثمّة من يرى أنّ حركة بري أشبه بإعداد شروط “اليوم التالي” المتضمّن الشقّ الرئاسي.

على ما يبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري يعمل جاهداً على مواجهة النيران، عبر إنتاج “صيغة إطفائية” عابرة للمتاريس قادرة على تمرير الاستحقاق الرئاسي

في المقابل يتسلّح رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بمنطق البحث عن “تهريبة محلّية” تأتي برئيس “من هذا الفريق” بعد فصل الاستحقاق عن المسار العسكري. ومن هنا كان تواصله مع تيار المردة، سواء من خلال اتّصال أجراه بالوزير السابق سليمان فرنجية أو من خلال إيفاد أحد نوابه للقاء النائب طوني فرنجية، وعرض الاتفاق على اسم مشترك يمكن التقاطع عليه. وكلّ ذلك في سبيل “التخلّص” من ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، لا سيما أنّ اسم الأخير كان من بين الأسماء التي استفاض الفرنسيون في السؤال عن حيثيّاتها السياسية.

بري

ارتفع منسوب القلق عند باسيل بعدما استعاد بري أمام نواب “اللقاء التشاوري” خلال الحديث عن “النصاب التوافقي”، تجربة انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية من دون الركون إلى تعديل دستوري، لكن من دون أن يتبنّى هذا الخيار أو يرذله. غير أنّ سيناريو ترئيس جوزف عون هذا قد يواجه عقبة أساسية إذا لم يكن باسيل في متنه، لأنّه قد يلجأ إلى الطعن بدستورية الانتخاب إذا لم يخضع لتعديل دستوري.

لكن بالنتيجة سعي برّي لحياكة تسوية رئاسية يكون الخارج شريكاً فيها قد لا تتناغم مع محاولة باسيل “تهريب” الاستحقاق بـ”الموجود”. وهذا ما يفضي إلى تضارب في المقاربات، أقلّه داخل الفريق الواحد، وكيفية استثمار الظروف لإنضاجه.

 يحيط التباس كبير بوضع “الحزب” السياسي راهناً، فضلاً عن مستقبله ومقاربته للمرحلة المقبلة في ضوء كلّ الضربات التي تعرّض لها

ما حقيقة موقف الحزب؟

3- حتى الآن، لا تزال حقيقة موقف “الحزب” موضع غموض، ولو أنّ الرئيس بري يتصرّف وكأنّ التفويض الذي منحه السيّد حسن نصرالله لا يزال ساري المفعول، مع العلم أنّ بري لم يُبلّغ الكتل النيابية التي التقاها خلال الأيام الأخيرة أنّ ثمّة تفويضاً رسمياً في جيبه. وهذا ما يدفع إلى السؤال: هل “الحزب” على استعداد للتراجع خطوة للوراء من خلال التخلّي عن ترشيح حليفه سليمان فرنجية في خضمّ معركته الوجودية، التي لا يزال من المبكر الحكم على صورتها النهائية؟ كما أنّ القبول بأيّ ترشيح بديل يعني حتماً انحناء “الحزب” لمنطق الخسارة، وهو أمر قد يكون مستبعداً إذا لم تحمل التسوية الدولية التي يُعمل عليها أيّ مغريات تقابل التنازلات، وهي مسألة لم تظهر بوادرها بعد، أقلّه حتى الآن.

إقرأ أيضاً: 1701+… ولجنة رباعيّة لمراقبة التّطبيق

4- على هامش هذه العوامل، يحيط التباس كبير بوضع “الحزب” السياسي راهناً، فضلاً عن مستقبله ومقاربته للمرحلة المقبلة في ضوء كلّ الضربات التي تعرّض لها، لا سيما تلك الناجمة عن الاختراقات الأمنيّة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@clairechakar

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…