في عهد السيّئ الذكر دونالد ترامب، كتب بنيامين نتنياهو مبادرته التي سُمّيت بـ”صفقة القرن”. ولم يكن لرئيس الدولة العظمى من دور فيها سوى قراءتها وتسميتها باسمه، والمصادقة على مقدّم تكاليفها… وفي عهد السيّئ الحظّ “في أفضل الأوصاف” جو بايدن، كتب نتنياهو المبادرة الأميركية بشأن غزة وقام الرئيس الأميركي بإعلانها، واثقاً من نجاحها، ولمَ لا، ما دام صاحب قرار الحرب في إسرائيل من كتبها؟.. فهل هي مبادرات هدفها شراء الوقت، ريثما ينهي نتنياهو مجزرة الإبادة في غزّة، وفي لبنان؟ وآخرها عملية اغتيال الأمين العام للحزب؟ أم أنّ الأميركي ليس متواطئاً؟
وافق الوسطاء على مبادرة بايدن في غزّة. ووافقت حماس. وبعد هذه الموافقات أدخل نتنياهو الرئيس بايدن وفريقه في دوّامة التعديلات المتوالدة التي جوّفت المبادرة وأغلقت كلّ الأبواب أمام تنفيذها. ولم يتوقّف الأمر عند هذا. بل فرض على الإدارة أن تعلن بأنّ حماس من ترفض، وأنّها وحدها تتحمّل مسؤولية التعطيل.
أوردت هذه المعلومة المعروفة لكلّ من تابع الجهد الأميركي في أمر الهدنة والتبادل مع حماس، كمؤشّر إلى ما يجري الآن بشأن الحرب الإسرائيلية على الحزب، وما يرافقها من جهدٍ دولي، تتصدّره الإدارة الأميركية، يبدأ باتّفاق على وقف إطلاق النار لمدّة ثلاثة أسابيع، لعلّها تكون كافية لإنضاج حلٍّ سياسي، أساسه تنفيذ القرار 1701، مع تعديلات يوافق عليها الطرفان، على أن تؤدّي إلى إنهاء الحرب وعودة المهجّرين الإسرائيليين إلى بيوتهم، وكذلك الأمر بالنسبة للمهجّرين اللبنانيين. وقد تتواصل بعد ذلك جهودٌ نحو ما هو أبعد من معالجة آثار هذه الجولة من الحرب.
الأميركيون الذين تصدّروا الوساطة بشأن غزة، على مدى عام بالتمام والكمال، ولم يحرزوا شيئاً يستحقّ الذكر
تكرار المناورات في لبنان
الأميركيون الذين تصدّروا الوساطة بشأن غزة، على مدى عام بالتمام والكمال، ولم يحرزوا شيئاً يستحقّ الذكر، يتصدّرون الجهد المشترك مع آخرين لمعالجة الحرب على الجبهة الشمالية. وها هم يكتبون مبادرة لوقف إطلاق النار على ورقة مشتركة مع نتنياهو، ويبشّرون أنفسهم والعالم بنجاح يحتاجون إليه في موسم الانتخابات لكسر التوازن الدقيق بين الجمهوريين والديمقراطيين. وقبل أن يجفّ حبر الورقة المشتركة يفاجئهم نتنياهو برفضها، ليس بفعل اكتشاف خطرٍ كامنٍ في سطورها وبين السطور، ولكن بفعل إنذار من وزيرَي المتطرّفين، إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين هدّدا بإسقاط حكومته لو وافق على وقفٍ لإطلاق النار، وانتظاراً لعملية تصفية السيّد حسن نصر الله المخطّط لها سلفاً.
الوساطة الأميركية، هذه المرّة، عزّزت نفسها بمشاركة العالم كلّه فيها، بما يفترض أن تكون أكثر فاعلية ونجاعة من تلك التي فعلتها في غزة. فماذا فعل الأميركيون لقاء ما فعل المدلّل نتنياهو بهم وبمبادرتهم؟
تواطؤٌ أميركيّ؟
لننحِّ جانباً حكاية الدعم التسليحيّ المتواصل لحروب إسرائيل أينما اتّجهت وأيّاً من وقعت معه، فذلك شأن استراتيجي يتّصل بالسياسة الأميركية تجاه الدولة العبرية العميقة، سواء أخطأت حكومتها أو أصابت. لننظر إلى الكيفية التي تتعامل بها الإدارة مع نتنياهو. وهي وفق التجربة الغزّية الطويلة تقوم على أساس التكيّف مع مناورته، دون الاقتراب من محظور الضغط عليه، حتى لو كان مغالياً في الاستفزاز وفي استخدام الدولة العظمى كما لو أنّها مجرّد أداة من أدواته. وهذه الطريقة في التعامل معه تثير سؤالاً لدى المراقبين وحتى شركاء الوساطة: هل ما يجري شكلٌ من أشكال التواطؤ الأمريكي معه؟ أم الحاجات الانتخابية تحتّم على الإدارة التغاضي عن استغفال نتنياهو لها في أمر الوساطة؟
في عهد السيّئ الذكر دونالد ترامب، كتب بنيامين نتنياهو مبادرته التي سُمّيت بـ”صفقة القرن”. ولم يكن لرئيس الدولة العظمى من دور فيها
ليس مهمّاً معرفة الوصف الحقيقي لما يجري بين الأميركيين والإسرائيليين، سواءٌ في غزة أو لبنان، بقدر أهمّية النتائج. والنتائج تقول إنّ الإدارة ما تزال في منطقة التكيّف مع سياسات نتنياهو، حتى لو لم تكن ترضى عنها، وسواءٌ وصف ذلك بالتواطؤ أو الاستغفال فلا فرق.
إقرأ أيضاً: المخرج المشترك للحالتين اللّبنانيّة والفلسطينيّة
الخلاصة: مسموح لنتنياهو توريط ترامب في صفقة القرن، ومسموح له كذلك التلاعب ببايدن بشأن الحربين على حماس والحزب.