كلّ أساليب الدبلوماسية الخلّاقة لا تستطيع أن تخفي حقيقة أنّ الجهود الدبلوماسية الأميركية لاحتواء النزاع في الشرق الأوسط منذ عملية “طوفان الأقصى” فشلت حتى الآن على الرغم من مضيّ سنة على دبلوماسية تقودها واشنطن في أن تتوصّل إلى وقف لإطلاق النار وعدم توسّع بقعة الصراع إلى جبهات أخرى.
الموقف الأميركي من حماس والحزب معروف. كلاهما بنظر واشنطن منظمة إرهابية، لكنّ الانتقادات الخجولة التي تطلقها إدارة الرئيس بايدن لحكومة اليمين المتطرّفة ورئيسها بنيامين نتنياهو لعدم فعلها ما يكفي للتوصّل إلى صفقة وقف النار وإطلاق الرهائن، تركت انطباعاً في المنطقة بأنّ الولايات المتحدة لم تعد تتمتّع بالهيبة والسطوة لإيقاف الحرب وفرض وقف النار على حليفتها الأولى أو أنّها لا ترغب بذلك. كما أنّ هذا الواقع ولّد قناعة بأنّ واشنطن لن تقوم بضغط جدّي على إسرائيل لتغيير أيّ من سياساتها بمنأى عن الشخص الذي يشغل منصب رئيس الوزراء.
الرئيس بايدن بعد أيام قليلة من طوفان الأقصى اكتفى بإسداء نصيحة لإسرائيل داعياً إيّاها إلى أن لا ترتكب الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن بعد اعتداءات 11 أيلول، في إشارة إلى التورّط العسكري الأميركي الكبير والانكشاف في المنطقة من دون أن يكون هناك أفق للحلّ، حيث سيطرت الرغبة بالانتقام على السياسة الأميركية لتكتشف فيما بعد حجم وتكلفة تورّطها في أفغانستان والعراق.
كلّ أساليب الدبلوماسية الخلّاقة لا تستطيع أن تعطي حقيقة أنّ الجهود الدبلوماسية الأميركية لاحتواء النزاع في الشرق الأوسط منذ عملية “طوفان الأقصى” فشلت حتى الآن
رغبة بايدن غير الفعّالة
إنّ رغبة إدارة بايدن بأن يقود جهوداً مع شركاء وحلفاء في المنطقة كما تفعل في مناطق أخرى من العالم وتحديداً في مواجهة روسيا والصين وكوريا الشمالية، غير فعّالة في الشرق الأوسط. شارفت الحرب في غزة على بلوغ ما يقارب عاماً، وهو تقريباً عمر جهود الوساطة الأميركية مع قطر ومصر لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، وتبيّن خلالها أنّ العلاقة بين إسرائيل وأميركا ليست كعلاقة إيران مع أذرعها، وأنّ إسرائيل تريد من واشنطن الدعم العسكري والحماية في المؤسّسات الدولية، وتحديداً مجلس الأمن، وليس بالضرورة أن تلبّي رغبات البيت الأبيض، وتكتفي بالاستماع إلى نصائح واشنطن وليس بالضرورة التقيّد بها.
بعد مرور ما يقارب عاماً أصبح جليّاً أنّ نتنياهو كان يستهلك الوقت ويستعمل واشنطن لتقطيع المرحلة من خلال طروحات وأفكار، فيما هو لم يرغب في يوم من الأيام عقد صفقة تسوية
نتنياهو يستهلك الوقت
بعد مرور ما يقارب عاماً أصبح جليّاً أنّ نتنياهو كان يستهلك الوقت ويستعمل واشنطن لتقطيع المرحلة من خلال طروحات وأفكار، فيما هو لم يرغب في يوم من الأيام عقد صفقة تسوية، وهدفه تحقيق نصر كامل على حماس. حتى إنّ أفكار اليوم التالي لمن يريد أن يدير ويحكم غزة ومستقبل عملية السلام كانت تدريباً افتراضياً للاستهلاك الدبلوماسي. والآن وقد اشتعلت الجبهة مع الحزب في لبنان فإنّ على الإدارة الأميركية أن تستفيد من تجاربها مع حكومة نتنياهو في الأشهر المنصرمة، وأن تسعى إلى معرفة حقيقة أجندته حتى يكون لجهودها الدبلوماسية معنى وتحافظ على ما بقي من مصداقية في المنطقة.
الموضوع اللبناني إلى حدّ ما يختلف عن غزة على الرغم من إصرار الحزب على ربطه بالحرب مع حماس. من المؤكد أن المعركة مع الحزب ستدمّر لبنان وكلفتها عالية على إسرائيل. لكنّ هذا الصراع مرتبط بالعلاقات مع إيران وما يمكن أن يكون له من تداعيات على أمن المنطقة ومصالح أميركا في الشرق الأوسط.
إقرأ أيضاً: حدثان مرتقبان: زيارة لودريان ولقاء الخماسية في نيويورك
ليست السياسة الخارجية من أولويات الناخب الأميركي في استحقاق 5 تشرين الثاني الرئاسي، لكنّ إدارة بايدن تريد أن يصل يوم الانتخاب والحرب قد توقّفت أو على الأقلّ تمّ احتواؤها، وتحديداً في جنوب لبنان. مشاهد الدمار والتشريد في جنوب لبنان سيكون لها مردود عكسي سلبي على احتمالات فوز المرشّحة الديمقراطية هاريس في ولاية ميشيغان المصيرية، حيث للجالية اللبنانية الجنوبية الكبيرة دور حاسم في تقرير من يفوز في هذه الولاية نظراً لتقارب أرقام الاستطلاعات. قد يعمد هؤلاء إلى مقاطعة الانتخابات كما حصل في الانتخابات التمهيدية، وهذا ما لا ترغب به الإدارة الديمقراطية ولا حُماة كامالا هاريس. وهكذا يكون نتنياهو هو من يتحكّم في أوراق الحرب وربّما نتائج الانتخابات الأميركية.