حدثان مهمّان يترقبهما لبنان الأسبوع المقبل، بعد هجوم غير تقليدي وغير مسبوق استهدف جهاز اتصالات الحزب، وقع ضحيته ما يقارب الـ 4000 شخص ما بين جريح وقتيل. الحدث الأول، زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بيروت، مع ضغوط أميركية على الكيان الإسرائيلي لعدم شنّ حرب شاملة، وحتى منعه من القيام بعملية برّية. أما الحدث الثاني، ستشهده نيويورك، حيث من المتوّقع عقد لقاء للجنة الخماسية على مستوى قيادات الصف الأول، أو من ينوب عنهم وزارياً على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بهدف إيجاد خرق رئاسي لمساعدة لبنان.
ترى الخماسية أن لا ذريعة تبقي لبنان دولة من دون رأس، لا سيما أنّ تجارب واقعية قد حصلت في الدول المجاورة، والمحاذية أيضاً لفلسطين المحتلّة. كانت آخرها الانتخابات البرلمانية الأردنية. وسبقتها مصر بانتخاباتها الرئاسية. تؤثّر حرب غزة والقضية الفلسطينية على كلّ الاستحقاقات، في الشرق وفي الغرب. وما يجب على لبنان القيام به هو أن ينجز استحقاقاً لا أن يصبح رهينة له.
تعرّض لبنان لعملية سيبرانية وأمنيّة تعدّ من أكبر العمليات الأمنيّة والعسكرية في تاريخ الصراع. هي جريمة موصوفة ضدّ الإنسانية في لبنان، وتوصف بكونها أكبر من خرق حماس في 7 تشرين الأول 2023.
يتزامن موعد القدوم الفرنسي المرتقب إلى بيروت مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. حُدّد جدولها الزمني المخصّص للمناقشات العامّة، من نهار الثلاثاء في 24 أيلول إلى يوم السبت الموافق 28 منه. فيما ستنشط كواليسها، ولقاءاتها الثنائية والثلاثية بين الرؤساء والقادة والوفود الدبلوماسية التي تصل تباعاً، قبل انعقادها بيومين.
سيكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاضراً، إلى جانب رؤساء الدول المشكّلة منها اللجنة الخماسية. حُدّدت اجتماعاته والوفد الفرنسي مع عدّة رؤساء، خاصة مع قادة الدول المولجة إدارة الأزمات، والتي تعمل على خطوط الوساطات المختلفة من أوكرانيا إلى غزة وإيران. سيكون موضوع لبنان بالطبع على رأس الطاولات المنعقدة. فقد بات ملحقاً بحرب غزّة، وأسير وحدة الساحات.
يعتمد لودريان في ذلك على المؤشّرات الإيجابية، المحلّية والإقليمية والدولية، التي تجمع على ضرورة الحلحلة اللبنانية
لا توجد مبادرة جديدة
لن تحمل زيارة لودريان إلى الآن أيّة مبادرة محدّدة وجديدة. ولا يمكن اعتبارها جوجلة عاديّة. ستكون مزخّمة من إيجابيات اللقاء السعودي – الفرنسي الأخير في المملكة العربية السعودية. إضافة إلى لغة التهدئة المعسولة بين النظام الإيراني والإدارة الأميركية على الرغم من كلّ الأحداث والاستهدافات.
يعتمد لودريان في مروحة لقاءاته على قراءة مجريات الأحداث الأخيرة من منظار مختلف، يكون ضمن أساسيات البيان الثلاثي ومسلّمات النقاط التي تمّ الاعتماد عليها ضمن لقاء الدوحة الخماسي، ويتناسب مع آخر ما وصلت إليه نقاشات الكواليس والأحداث الأخيرة، عبر نسق يساهم أكثر في تقريب وجهات النظر المسهّلة للوصول إلى الخرق المطلوب، على أن يمرّ الحلّ فقط عبر ثلاث مسوّدات:
– أولاها: احترام الدستور وتطبيق القانون.
– ثانيتها: انتهاج سياسة متوازنة من خلال التوافق وعدم غلبة أيّ فريق على الآخر.
– ثالثتها: احترام تماثلات الملاءمة المجتمعية اللبنانية، وتوازنات التمثيل التشريعي في البرلمان، وما يتلازم مع مزاج الناخب اللبناني، ضمن قواعد وحدة توازن القياس الدستوري بين الشرعية والمشروعية.
مؤشّرات تفاؤليّة ضامنة
يعتمد لودريان في ذلك على المؤشّرات الإيجابية، المحلّية والإقليمية والدولية، التي تجمع على ضرورة الحلحلة اللبنانية من جهة، وكيفية مواجهة جموح وتعنّت العدوّ الإسرائيلي واستمراره في جرائمه ومسلسل إبادته من جهة مقابلة. يجب أن يقابل لبنان هذه اللغة بمبادرة مسؤولة داخلياً، مدعوماً من الخماسية ولودريان بمظلّة دعم إقليمية ودولية من شأنها أن تنزل لبنان عن شجرة الممانعة ولغة الإسناد والإشغال. ولا يتمّ ذلك إلا عبر جهوزيّته المؤسّساتية فقط من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتغيير ما يعيشه لبنان من حالة استنزاف ولايقينيّة على مستوى الدولة والإدارات والمجتمع، وانتشاله من المأزق الكبير، لا سيما بعد الهجوم السيبراني الأخير.
تتطلّب المرحلة مسؤولية لبنانية خالصة وأن يسارع الجميع إلى مبادرة توافقية مختلفة وحقيقية يدعمها لودريان وتؤازرها اللجنة الخماسية
أهمّيّة التّوافق المحلّيّ والأمميّ
يساهم ترافق زيارة لودريان لبيروت مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية الأسبوع المقبل رافداً قويّاً لها. إذ ستكون في نيويورك لقاءات دولية عالمية أبرزها لقاءات رؤساء الخماسية على مستوى القادة أو من يمثلهم من وزراء. وهو ما يعكس الاهتمام الدولي بلبنان وديمومة أولويّته ويبرهن على أنّ لبنان حاجة استقراريّة فردانيّة ووجودية مهمّة ضمن المنظومة الدولية المؤسّس لها.
هل يستطيع لودريان مع الخماسية أن ينزل لبنان عن شجرة فريق الممانعة التي علقت البلاد بأكملها فوقها وجعلتها مكشوفة، عبر مبادرة وطنية مدعومة بمظلّة خماسية ودولية.
إقرأ أيضاً: هوكستين واحتمالات الخرق
تتطلّب المرحلة مسؤولية لبنانية خالصة وأن يسارع الجميع إلى مبادرة توافقية مختلفة وحقيقية يدعمها لودريان وتؤازرها اللجنة الخماسية، التي تقدّم نفسها لجنة ناصحة وغير مقرّرة عن لبنان، وتحترم السيادة والاستقلال اللبناني، وتدعم أيّ توافق.
هل يكون طرف أيلول لبنان مبلولاً بخرق لودريانيّ توافقيّ أم بنار الحرب الشاملة؟
لمتابعة الكاتب على X: