أميركا: أقلّيّات وبلدات صغيرة.. ستقرّر هويّة الرّئيس

مدة القراءة 5 د

بعد المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب انتقل السباق الرئاسي من حملات انتخابية شاملة على المستوى الوطني لشرح البرامج الانتخابية إلى حملات مركّزة في عدد من الولايات المتأرجحة التي ستحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية… الجديد أنّ هاريس باتت “على الشاشة”، وبات يمكن للأميركيين “تصوّرها” رئيسة، بسبب هذه المناظرة.

 

على الرغم من إجماع المراقبين من الطرفين الجمهوري والديمقراطي على أنّ أداء هاريس فاق التوقّعات وأنّ ترامب لم يكن موفّقاً وأضاع فرصة لحسم السباق مع هاريس، إلا أنّها لم تترجم هذا الأداء إلى نقاط في الاستطلاعات تجعلها الأوفر حظّاً حتى الآن. ولا تزال الإحصاءات توحي بسباق رئاسي متقارب يجعل من الأسابيع القليلة الباقية قبل يوم الانتخابات ساحة صراع طاحنة، حيث جميع الأسلحة مباحة، وتحديداً في الولايات السبع المتأرجحة، وهي: ميشيغان، ويسكونسن، بنسلفانيا، نورث كارولاينا، نيفادا، وأريزونا، وجورجيا.

بدا المشهد كأنّ الانتخابات تنحصر في سبع ولايات لها اهتمامات وقضايا مختلفة. وهو ما سيضع المرشّحين أمام مشكلة في محاولة التوازن وصياغة طروحات مشتركة ترضي الناخبين في هذه الولايات.

حملات التّضليل على شبكات التّواصل

ستمتلىء الأسابيع المقبلة بنشاطات انتخابية مكثّفة وبرسائل متعدّدة من أجل استمالة أقلّيات، ومقاطعات وحتى أحياء وبلدات صغيرة. وتساعد على ذلك شبكات التواصل الاجتماعي والإعلانات الانتخابية في المحطّات المحلّية لأنّ استعمال شبكات التواصل سيكون سلاحاً فاعلاً في الأسابيع الباقية، وستُستعمل لرمي قنابل من أجل بثّ الشائعات والتحريض وبثّ المخاوف، خصوصاً أنّ هذه الفيديوهات التي تعمد إلى تهشيم الخصم وزرع أخبار تضليلية من الصعب معرفة مصدرها لكن من السهل معرفة أهدافها.

على سبيل المثال أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أنّ إعلاناً مصوّراً استهدف الجالية العربية والمسلمة في ولاية ميشيغان يذكّر الناخبين في هذه الولاية، المصيرية لهاريس إذا أرادت الفوز، بأنّ زوجها يهودي ومن المؤيّدين الشرسين لإسرائيل.

التعادل الحاصل في الاستطلاعات من المتوقّع أن يستمرّ حتى الأيام الأخيرة قبل الانتخابات

تساهم الخوارزميات وتقنيات محرّكات البحث بالوصول المباشر إلى الناخبين المستهدفين من خلال المعلومات المتراكمة عن خلفيّاتهم العرقية، والسياسية والدينية. ويساعد على ذلك الرمز البريدي للناخبين، فيتمّ شنّ حملات دعائية مركّزة تصل إلى العنوان المطلوب.

الحملات السلبية ومحاولات بثّ شائعات لتهشيم الخصوم هي تقليد انتخابي في الولايات المتحدة، بحيث إنّه عند معرفة الحقيقة تكون الانتخابات قد حصلت وفات الأوان لمحاسبة مطلقي الشائعات التضليلية.

هاريس

تعتمد الحملات المركّزة أيضاً على المهرجانات الانتخابية التي تتمّ في أماكن تجمّع الأقلّيات في الولايات الناشئة. وقد استهدفت حملة هاريس الجالية البورتوريكيّة في ولاية بنسلفانيا في محاولة منها لاستمالة الأصوات اللاتينية من بين هؤلاء الذين لا يستسيغون مواقف ترامب في ما يخصّ المهاجرين غير الشرعيين، وإصراره على إلصاق الجرائم التي تعاني منها المدن الأميركية بهم، وتحميلهم مسؤوليّتها.

عودة الأمل إلى ترشيح هاريس

الديمقراطيون يعيشون مرحلة من الأمل بإمكانية فوز هاريس بعد الزخم والحماسة اللذين ضخّهما تنحّي جو بايدن وفوز هاريس بالترشيح عن الحزب دون منافسة. ومع ذلك يحذّر قادة الديمقراطيين والمسؤولون عن حملة هاريس من أن تصاب الحملة بالارتخاء والثقة المتزايدة بالنفس. يقولون هذا لتجنّب تكرار ما حصل بين ترامب وهيلاري كلينتون، التي كانت تتقدّم في الاستطلاعات بشكل مريح قبل أن يفاجئ ترامب الجميع ويفوز.

لقد انتهى المرشّحان من حشد القواعد الشعبية التقليدية. وينصبّ الجهد الآن على السعي إلى تحقيق كثافة الإقبال. مشاركة كثيفة من قبل النساء والسود والشباب ستكون حاسمة بالنسبة إلى هاريس. أمّا ترامب فيريد أن يعيد سيناريو عام 2016 لضمان الصوت الأبيض الغاضب من الأوضاع الاقتصادية. وتدفّق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود. إضافة إلى الناخب المسيحي المحافظ الذي يعتبر مسألة الإجهاض قضية أساسية.

الجديد أنّ هاريس باتت “على الشاشة”، وبات يمكن للأميركيين “تصوّرها” رئيسة، بسبب هذه المناظرة

التعادل الحاصل في الاستطلاعات من المتوقّع أن يستمرّ حتى الأيام الأخيرة قبل الانتخابات. وهناك الكثير من الأوراق الغامضة، وهي أصوات الناخبين الجدد الذين بلغوا السنّ القانونية، والجمهوريين الغاضبين من ترامب الذين انتخبوا بايدن.

قد يكون ترامب ارتكب خطأ تكتيكياً حين قبل بإجراء مناظرة مع هاريس. أشارت استطلاعات الرأي قبل المناظرة إلى أنّ 28 في المئة من الناخبين المحتملين لا يعرفون هاريس. وجاءت المناظرة التي شاهدها أكثر من ثمانين مليوناً لتعطي هاريس منصّة لمخاطبة أكبر عدد من الأميركيين. كان من المستحيل أن تصل إليهم من خلال المهرجانات الانتخابية.

إقرأ أيضاً: مناظرة تكتيكيّة: هاريس نحو التّعادل وترامب يصوّب على الهدف

إذا خسر ترامب فسيدرك أنّ الخطأ الأكبر كان حين وافق على مناظرة بايدن في وقت مبكر، وحين هزمه. وهو ما أعطى الديمقراطيين متّسعاً من الوقت لاستبداله بمرشّحة أعادت الحماسة إلى صفوف الديمقراطيين وقواعدهم.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mouafac

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…