مناظرة تكتيكيّة: هاريس نحو التّعادل وترامب يصوّب على الهدف

مدة القراءة 5 د

منذ إطلاق أوّل مناظرة رئاسية متلفزة عام 1960، لم تكتسب المناظرات التلفزيونية أهمّية في تحديد هويّة من سيصل إلى البيت الأبيض كانتخابات هذه السنة نتيجة تقارب أرقام المرشّحين في استطلاعات الرأي العامّ والظروف والسوابق التي شهدتها الانتخابات هذه السنة.

 

لم يحدث أن فاز مرشّح بالضربة القاضية أو تغيّر مسار الانتخابات في شكل حاسم نتيجة أيّ مناظرة تلفزيونية إلا في آخر مناظرة، ولم يأتِ ذلك نتيجة أداء ترامب وإنّما نتيجة الأداء الكارثي للرئيس بايدن حين بدا مشتّتاً وهزيلاً بسبب تقدّمه في السنّ، فكان الانقلاب الأبيض الديمقراطي الذي أدّى إلى تنحّيه، وليس فوز دونالد ترامب في الأداء أو الحجّة السياسية. استطلاعات الرأي العامّ، سواء على المستوى الوطني أو على صعيد الولايات المتأرجحة التي من المتوقّع أن تشهد معارك انتخابية شرسة ستحدّد الفائز في تشرين الثاني، تظهر تقارباً بحيث لا يوجد مرشّح يتمتّع بتقدّم خارج هامش الخطأ الإحصائيّ، وهو ما يعني أنّ هناك شبه تعادل حالياً ومن الصعب التكهّن بمن سيفوز.

منذ إطلاق أوّل مناظرة رئاسية متلفزة عام 1960، لم تكتسب المناظرات التلفزيونية أهمّية في تحديد هويّة من سيصل إلى البيت الأبيض كانتخابات هذه السنة

المناظرة الأولى لهاريس

من هنا تبرز أهمّية المناظرة المقبلة بين كامالا هاريس التي تخوض أوّل مناظرة تلفزيونية رئاسية وترامب المتمرّس في المناظرات التلفزيونية من خلال الانتخابات التمهيدية مع منافسيه الجمهوريين والمرشّحَين الديمقراطيَّين الرئاسيَّين في السابق هيلاري كلينتون وبايدن. إذا استطاع أيّ من المرشّحين استمالة جزء بسيط من نقطة واحدة نتيجة المناظرة، فإنّ ذلك سيُعدّ إنجازاً في انتخابات “كلّ شيء فيها ممكن”. فهذه الانتخابات يقال فيها كلّ شيء إلّا أنّها عاديّة وتقليدية. فهي شهدت تنحّي مرشّح وإدانة آخر ومحاولة اغتيال ولا يزال هناك متّسع من الوقت لحصول مفاجآت. وبسبب الطبيعة التنافسية الشديدة لهذه الانتخابات فإنّ المرشّحَين لجآ إلى خبراء واستراتيجيّي التواصل واختصاصيّي الانتخابات لمحاكاة المناظرة والتحضير لها.

يسعى المرشّح المتأخّر في الاستطلاعات إلى قلب المعادلة وينتهج هجوماً مدروساً، وهذا هو وضع ترامب. أمّا المرشّح المرتاح على وضعه فمستشاروه ينصحونه بعدم المغامرة والاكتفاء بمناظرة دون أخطاء وهفوات، وفي هذه الحالة هاريس ستحاول تعزيز وتثبيت وضعها.

من المتوقّع أن يستخدم ترامب أسلوبه الهجومي المعتاد في المناظرة، إذ غالباً ما يعتمد على التكتيكات السريعة والهجمات اللفظية. وسيقوم بانتقاد إدارة بايدن-هاريس مع التركيز على تصوير سياساتها بأنّها فاشلة.

يسعى المرشّح المتأخّر في الاستطلاعات إلى قلب المعادلة وينتهج هجوماً مدروساً، وهذا هو وضع ترامب

ترامب والتّنمّر على النّساء

يريد ترامب أن يدحض فكرة أنّه متنمّر على النساء والأقلّيات، وإذا استطاع أن يوقف قوّة الدفع والحيوية التي ميّزت حملة هاريس بعد نيلها الترشّح عن الديمقراطيين، واستعاد المبادرة وأحيا الحماسة في حملته، فإنّ ذلك سيكون إنجازاً كبيراً له.

أمّا هاريس باعتبارها المرشّحة الديمقراطية بعد انسحاب بايدن من السباق، فسيكون عليها استغلال هذه الفرصة لتعريف نفسها بشكل أعمق للناخبين المتردّدين.

يدرك المرشّحان أنّ أغلبية المشاهدين لن يركّزوا على السياسات والقضايا الرئيسية، ومن المرجّح أن تركّز المناظرة على المواضيع العامة بدلاً من مناقشات السياسات التفصيليّة. ويتوقّع أن تسيطر مواضيع مثل الاقتصاد، الرعاية الصحّية، السياسة الخارجية، والقضايا الاجتماعية مثل حقوق الإجهاض على النقاش.

إقرأ أيضاً: تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

يشكّل توقيت المناظرة أيضاً فرصة كبيرة لهاريس من أجل تحفيز الناخبين الذين تحقّ لهم المشاركة للمرّة الأولى، وهم من طلّاب الجامعات التي فتحت أبوابها هذا الأسبوع بعدما شهدت أحرام الجامعات مواجهات واحتجاجات تضامناً مع غزة. ساهمت شريحة الشباب إلى حدّ كبير في هزيمة بايدن لترامب في الانتخابات الكبيرة، واستطلاعات الرأي تشير إلى تفضيل هذه الشريحة لهاريس، ويبقى عليها أن تقنع هؤلاء بالمشاركة الكثيفة. السياسة الخارجية التي تهمّ العالم باستثناء السواد الأعظم من الناخبين ستكون حاضرة على الأقلّ من جانب ترامب لأنّه يعتقد أنّ إدارة بايدن أخفقت في سياستها الخارجية، وتحديداً في الشرق الأوسط، وأنّ هاريس هي امتداد لهذا الفشل. الإنجازات التي تتباهى بها إدارة بايدن -هاريس معظمها نخبويّ ولا يمكن معرفة نتائجها لسنوات، كعودة أميركا إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظّمة الصحّة العالمية وإنشاء تحالفات لمواجهة الصين مع أستراليا والهند واليابان.

ستشهد المناظرة المقبلة نسبة مشاهدة عالية، والأنظار على ترامب لمعرفة ما نوع الهجوم الذي سيشنّه على هاريس لتهشيمها، وهل يعتمد على أسلوبه التقليدي بالتهكّم والتنمّر واستعمال الألقاب.

لمتابعة الكاتب على X:

@mouafac

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…