في شهر أيلول من عام 2006 نشر الحاخام “يوسف فلاي” (وهو حاخام يهودي كان يعيش في مستوطنة “يستهار” في الضفة الغربية) مقالاً في مجلّة “لهبه” الإسرائيلية تحت عنوان “طرق الحرب” يدعو إلى قتل كل العرب الذين “لا يهربون” من المناطق التي يحتلّها اليهود…
في مقاله قال الحاخام يوسف فلاي: “إذا كان أساس الأمر هو ألّا نبقى سكّاناً في المناطق التي نحتلّها، فإنّ الهارب منهم، أي من السكّان العرب الفلسطينيين، فليهرب. ولكنّ الذين يظلّون ولا يهربون يجب قتلهم.. يجب قتل كلّ ذكر فوق الثالثة عشرة، وعمليّاً هكذا نقضي على وجودهم القومي”. وأضاف: “علينا ضمان عدم بقاء سكّان الاحتلال بعد خنوعهم، فإذا هربوا فهذا جيّد وإذا لم يهربوا يجب قتلهم كليّاً أو على الأقلّ العمل لطردهم إلى دول أخرى”.
ما جرى ويجري في غزّة اليوم هو تنفيذ حرفيّ لهذه التعليمات الدينية المتطرّفة. فالأطفال هم الهدف الأوّل للقتل لأنّ الطفل الفلسطيني اليوم هو المقاتل الفلسطيني غداً. فالأطفال الفلسطينيون مستهدفون لذواتهم. ولقد شهد مسؤولون في منظّمة اليونيسيف على وقوع عمليات “قنص” لأطفال في غزة والضفة الغربية. والعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة تضع الفلسطينيين أمام أمرين: إمّا الهجرة (إلى سيناء بمصر) أو الموت تحت الأنقاض والتصفية الجسدية للجيل الجديد.
في عام 2006 عندما نشر الحاخام فلاي فتواه الدينية بقتل الأطفال الفلسطينيين، كانت إسرائيل تخضع لحكومة علمانية
2006-2024: إسرائيل قبلت الوصيّة
في عام 2006 عندما نشر الحاخام فلاي فتواه الدينية بقتل الأطفال الفلسطينيين، كانت إسرائيل تخضع لحكومة علمانية. وكانت تستبعد منها الجماعات الدينية المتطرّفة وترفض منطقها.. بل كانت تذهب بعيداً إلى حدّ اعتقال المحرّضين من قادتها بتهمة تشويه الدين اليهودي والإساءة إلى الدولة “الإسرائيلية”.
يتبوّأ الآن هؤلاء المتطرّفون أنفسهم المقاعد القيادية في الحكومة الإسرائيلية، حتى إنّ نتنياهو رئيس الحكومة (وهو في الأساس ليس واحداً منهم) يخضع لابتزازهم الديني – السياسي من أجل المحافظة على بقاء حكومته وحمايتها من السقوط. وهكذا أصبح المرذولون من المتطرّفين الإرهابيين أصحاب القرار اليوم في الحكومة الإسرائيلية بعدما تبوّأ قادتهم حقائب وزارية أساسية.. وبعدما أصبحوا واقعيّاً وعمليّاً الناطقين باسمها.
عندما أصدرت المحكمة الدولية في لاهاي حكمها الإجماعي بإدانة انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان وللقانون الدولي في غزة وفي الضفة الغربية المحتلّين، ردّ هؤلاء المتطرّفون بأنّ “التوراة فوق الجميع”. وكأنّ التوراة، التوراة الحقيقية براء من هذه التعاليم المتوحّشة، تدعوهم إلى قتل الأطفال وإلى تدمير المدن والقرى فوق رؤوس أهلها.
في عام 1948 قامت إسرائيل على أنقاض القتل الجماعي والعشوائي للفلسطينيين الآمنين في بلداتهم وفي قراهم.
كان الفلسطيني مخيّراً بين الموت والهجرة. مات كثير منهم وهاجر كثيرون آخرون. ولكنّ الهجرة لم تطوِ صفحات القضية الفلسطينية ولا الموت قضى عليها
بداية المشروع الصهيوني… دولة يهودية في روسيا!
كان الفلسطيني مخيّراً بين الموت والهجرة. مات كثير منهم وهاجر كثيرون آخرون. ولكنّ الهجرة لم تطوِ صفحات القضية الفلسطينية ولا الموت قضى عليها.
عندما ارتكب هتلر جريمته التاريخية ضدّ اليهود في ألمانيا، كان يعتقد أنّ القضاء على اليهود سوف يكون الحلّ الأخير (كما سمّاه هو نفسه) لمشاكل المجتمع الألماني معهم. ومنطق الحلّ الأخير الذي يعتمده نتنياهو ومؤيّدوه اليوم في غزة وفي كلّ أرجاء فلسطين ليس مختلفاً عن المنطق الهتلريّ ولن يكون مصيره مختلفاً.
الإسرائيليون اليوم يرفضون تذكّر أو حتى الحديث عن أوّل مشروع دولة تحقّق لهم، وكان ذلك في عام 1928 في شرق روسيا بالتفاهم معها. ولا تزال الدولة اليهودية تلك مستمرّة حتى الآن باسم “بيروبيجان” (مساحتها حوالي 42 ألف كيلومتر مربّع). وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإعلان استقلالات الدول التي كان الاتّحاد يتشكّل منها، امتنعت بيروبيجان وحدها عن ذلك. فالإعلان كان من شأنه أن يقول للعالم إنّ لليهود دولة خاصّة بهم، وليس صحيحاً أنّهم شعب مشرّد ومضطهد وممنوع من إقامة دولة خاصة به.
إقرأ أيضاً: تعيين نتنياهو حاكماً لغزّة يجهض دور السّلطة باليوم التّالي
هكذا وُلد المشروع الصهيوني المرتبط بالدين والقدس والهيكل المقدّس، وبالنقاء العنصري الديني الإلغائي للآخر.. بدءاً من الأطفال لِما يشكّلونه من خطر على المستقبل!!