أخذت الحملة العسكرية الإسرائيلية على الضفة الغربية بعداً متعدّد الأهداف بالتزامن مع المراوحة المقصودة في مفاوضات وقف النار في غزة.
وحّدت القيادة الإسرائيلية تعاطيها مع غزة والضفة في وقت بقي الانقسام الفلسطيني على حاله على الرغم من إعلان أبي مازن نيّته دخول القطاع. القادة الفلسطينيون لا يعتبرون ما جرى في اليومين الماضيين في الضفّة بداية انتقال مشروع التهجير والاقتلاع إليها. فتطبيق المشروع على مخيّماتها ومناطقها بدأ بالتدرّج منذ 7 أكتوبر، بل قبل “طوفان الأقصى”.
بين ترويج تل أبيب لذريعة تدمير بنية تحتيّة تقيمها إيران في الضفة الغربية، وبين ما يهدف إليه اليمين الإسرائيلي من استيطان للسيطرة على “يهودا والسامرة”، رافقت التصعيد عوامل عدّة أبرزها:
أخذت الحملة العسكرية الإسرائيلية على الضفة الغربية بعداً متعدّد الأهداف بالتزامن مع المراوحة المقصودة في مفاوضات وقف النار في غزة.
تشتيت الأولويّات لاغتنام الفرص
– اطمئنان إسرائيلي إلى حدود الضغوط الأميركية على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للقبول بصفقة التبادل ووقف النار في قطاع غزّة.
– إفادة إسرائيل من التناوب الحاصل على تشتيت واقعي للأولويّات ومشاريع الحلول المفترضة. هكذا يستهلك السجال حول السيطرة على معبر “فيلادلفي” على الحدود مع مصر الجهود حول وقف الحرب والانسحاب، وصفقة التبادل، في حين طغى الخلاف المصري الإسرائيلي على شروط بنيامين نتنياهو الجديدة في شأن وقف النار. وجاء اقتحام مخيّمات طولكرم ونور شمس وطوباس في الضفة الغربية ليسرق الأضواء من المفاوضات على غزة.
قبله، ولزهاء 4 أسابيع، تركّز الانشغال على ردّ الحزب من جنوب لبنان على اغتيال قائده العسكري الأوّل فؤاد شكر، وحرف الأنظار عن القضية الجوهرية، أي وقف حرب غزة.
في الساعات الماضية باتت القضية المركزية هي كيفية تحقيق هدنة من 4 أو 5 أيام لتلقيح أطفال القطاع ضدّ الشلل الذي ظهر على بعضهم. وسيأخذ هذا الأمر حيّزاً من الاهتمام في الأيام المقبلة ليزيد تشتيت الأولويّات في إدارة الحرب المتواصلة حتى الانتخابات الأميركية.
وحّدت القيادة الإسرائيلية تعاطيها مع غزة والضفة في وقت بقي الانقسام الفلسطيني على حاله على الرغم من إعلان أبي مازن نيّته دخول القطاع
اطمئنان… وتهيّؤ للجبهة الشّماليّة؟
– هناك ارتياح إلى أنّ المواجهة الكبرى مع الحزب في شمال إسرائيل وجنوب لبنان تأجّلت بعد ترجيح “التعادل” المفترض بينهما. فالردّ على اغتيال شكر والردّ على الردّ بقيا في دائرة “رضا” الجانبين عن حصيلة العمليات العسكرية، وأرضى الجميع واشنطن بعدم توسيع الحرب. تبقى بضعة أسابيع بانتظار الردّ الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية وفق الضوابط التي أرستها الاتّصالات الأميركية الإيرانية. بهذا المعنى لم تخدم حصيلة الرد حماس لا في الضفة ولا في غزة التي تستمر فيها المجازر.
– تقول تقارير دبلوماسية إنّه ستعقب تفاعلات الردّ الإيراني المحتمل عودة القيادة الإسرائيلية إلى طرح مسألة العودة الآمنة لمستوطني الشمال، ووقف الحزب إسناده لغزّة.
تقول تقارير دبلوماسية إنّه ستعقب تفاعلات الردّ الإيراني المحتمل عودة القيادة الإسرائيلية إلى طرح مسألة العودة الآمنة لمستوطني الشمال، ووقف الحزب إسناده لغزّة
حاكم مدنيّ يقفل باب الاتّفاق في غزّة
مع توحيده جبهتَي غزة والضفة، نجح نتنياهو بفعل تداخل الأولويات في فصل احتمالات توسيع الحرب مع محور الممانعة عن خطوات خفض التصعيد في الملفّ الفلسطيني. وهذا ما سهّل عليه تصعيد العمليات في الضفة وغزة. بدأ خطوات تتعلّق بـ”اليوم التالي” في القطاع فعيّن أوّل من أمس “حاكماً مدنيّاً” (عسكري) لتنسيق الشؤون الإنسانية هو الجنرال إلعاد غورن. وصدر القرار بذلك عن وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي على الرغم من خلافات نتنياهو معهما. وبذلك أغلق الباب أمام إمكانية التوصّل لاتفاق تهدئة مع حماس، التي وافقت على هدنة لأجل حملة التلقيح ضدّ الشلل.
نفي فلسطينيّ لرواية البنية التّحتيّة الإيرانيّة
في ظلّ اغتنام تل أبيب فرصة تشتيت الأولويات تقرّ مصادر قيادية فلسطينية في حديثها مع “أساس” بأنّ نتنياهو استفاد من الفرص لمواصلة مشروعه. وتنفي هذه المصادر، الموالية للسلطة، رواية إسرائيل عن تفكيك البنية التحتية الإيرانية في الضفة. وتعزو تصاعد القتال فيها إلى مواصلة إسرائيل مشروعها التهجيريّ بالاستناد إلى تسلسل خطواتها:
1- تبنّى الكنيست قرار رفض قيام الدولة الفلسطينية.
2- حصر إصدار التشريعات لبناء المستوطنات بوزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، وإطلاق صلاحيّات وزير المال بتسلئيل سموتريتش، وفق مشروع رفع عدد المستوطنين في الضفة إلى مليونين. ولاقاهما قبل يومين عضو “الليكود” وزير خارجية إسرائيل كاتس داعياً إلى “إخلاء الفلسطينيين من الضفة الغربية على غرار غزة”.
3- تشريع سرقة الأراضي من قبل ميليشيات المستوطنين، بالقوّة، ومصادرتها من قبل الجيش. وجرى الاستيلاء على نسبة 24 في المئة من مساحات الأراضي المُفترض أن تكون تحت سلطة السلطة الفلسطينية. فمشروع التهجير في صلب حملة الجيش الإسرائيلي الأخيرة. إذ نفّذ إجراءات تجعل المخيّمات غير قابلة للعيش فيها، منها تجريف إسفلت الطرقات وتدمير مجاري الصرف الصحّي وتمديدات الكهرباء والهاتف…
في ظلّ اغتنام تل أبيب فرصة تشتيت الأولويات تقرّ مصادر قيادية فلسطينية في حديثها مع “أساس” بأنّ نتنياهو استفاد من الفرص لمواصلة مشروعه
الضّفّة محتلّة منذ 2002
4- الضفة الغربية محتلّة عمليّاً منذ اجتاحها أرييل شارون في 29 آذار 2002 وبلغت قوّاته مركز قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات. قام بذلك ردّاً على الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي قامت احتجاجاً على اقتحامه المسجد الأقصى، وضدّ مبادرة السلام العربية في قمّة بيروت قبل يوم واحد. وما فعله بن غفير قبل أسبوعين تكرار لخطوة شارون قبل 22 عاماً. كذلك دعوته إلى بناء كنيس في الأقصى. وفي عملياته الأخيرة أعاد الاحتلال اجتياح مناطق هي تحت إدارة السلطة إداريّاً وماليّاً واقتصادياً.
الوحدة ميدانيّاً كيف تصبح سياسيّة؟
ترى المصادر القيادية أنّه لم يعد أمام الفصائل الفلسطينية من أسلحة إلّا إنهاء الانقسام الفلسطيني أمام العجز والتغاضي الدوليَّين عن تقويض القرارات الدولية المتعلّقة بحلّ الدولتين. وهي تعتبره الحدّ الأدنى المطلوب لمواجهة توحيد نتنياهو جبهتَي غزة والضفة الغربية في مسار القضاء على المشروع الفلسطيني. وتعود بالتاريخ إلى ما قبل الانقسام في 2007، وتعتبر أنّ إسرائيل هي التي تشجّع استمرار الشرذمة الفلسطينية، وليس أيّ جهة أخرى، لأنّها تسهّل القضاء على مشروع الدولة.
تعتبر المصادر القيادية الفلسطينية أنّ تعيين حاكم مدني لغزّة جاء ردّاً على إعلان الرئيس محمود عباس قبل أسبوعين في أنقرة نيّته الانتقال مع القيادة إلى القطاع
تكشف المصادر أنّ التعاون في الميدان في الضفة بين فتح وحماس قائم، وأنّ تشكيلات فتح العسكرية، أي “كتائب شهداء الأقصى” (البديلة لقوات العاصفة)، تشارك في القتال في المخيّمات ضدّ الجيش الإسرائيلي. وتميّز المصادر بين فدائيّي “فتح” وبين تشكيلات الشرطة التابعة للسلطة الوطنية التي تصطدم بين الحين والآخر مع مسلّحي حماس.
تعتبر المصادر القيادية الفلسطينية أنّ تعيين حاكم مدني لغزّة جاء ردّاً على إعلان الرئيس محمود عباس (أبي مازن) قبل أسبوعين في أنقرة نيّته الانتقال مع القيادة إلى القطاع. منذئذٍ بقي بلا جواب التساؤلُ عن جدوى الخطوة وإمكان تنفيذها ومدى فعّاليتها في إنهاء الانقسام. فمنذ صدور بيان بكين في 22 تموز باسم الفصائل كافّة بتوحيد القيادة وتشكيل حكومة وفاق لم تظهر أيّ إجراءات تنفيذية.
انتقال عبّاس إلى غزّة: وسيلة انفتاح على حماس؟
أوحت أوساط فلسطينية متعدّدة أنّ إعلان عباس نيّته الانتقال إلى غزة جاء بتشجيع من موسكو التي زارها قبل تركيا، لتسريع خطوات الوحدة. وقيل إنّ الأخيرة حضّت أبا مازن على المبادرة إلى إثبات وجود السلطة وسط ما يجري من مفاوضات بقيت هي بعيدة عنها، وإنّ القيادة الصينية قدّمت نصيحة مماثلة. لكنّ مصدراً فلسطينياً أبلغ “أساس” أنّ مجموعة من الشخصيات الفلسطينية الساعية إلى التوسّط بين “فتح” و”حماس”، اجتمعت إلى أبي مازن قبل 3 أسابيع. أقرّ الرجل بأنّه “جرى اختبار خطوات كثيرة لإنهاء الانقسام، لكن لم تفلح. وإذا كانت لديكم نصائح أنا مستعدّ للأخذ بها بعد عرضها على القيادة”.
تشير مصادر في السلطة الفلسطينية إلى أنّ زياراته الأخيرة للخارج تناولت حشد الدعم للخطوة. ومنها المملكة العربية السعودية قبل أن يقطع زيارته لها بسبب التطوّرات العسكرية في الضفة
لا يستبعد المصدر الفلسطيني أن تكون فكرة الانتقال إلى غزة ولدت من جلسة التشاور تلك، وأنّ أبا مازن لاقتناعه بها تشبّث بها.
الأسئلة كثيرة بشأن كيفية دخول عباس غزة والحماية المفترضة لحضوره، وهل يتمّ ذلك قبل الاتفاق على وقف النار أم بعده؟
لكن تشير مصادر في السلطة الفلسطينية إلى أنّ زياراته الأخيرة للخارج تناولت حشد الدعم للخطوة. ومنها المملكة العربية السعودية قبل أن يقطع زيارته لها بسبب التطوّرات العسكرية في الضفة.
إقرأ أيضاً: توقيت طهران لانفراد الحزب: لبنان لن يتأثّر بالرّدّ الإيرانيّ
كلّف عباس أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ المعنيّ بالتواصل مع السلطات الإسرائيلية إبلاغها بقراره الانتقال إلى القطاع. وكان طبيعياً أن ترفض تل أبيب. وهو ما اعتبره بعض الناشطين لزوم ما لا يلزم.
باتت مبادرة الرئيس الفلسطيني وسيلة للتواصل بين الفصائل، مثلما هي طريقة لتحقيق حضور السلطة في ما يجري تحضيره لـ”اليوم التالي”. فتأليف ما سمّي “لجنة تحضيرية” اجتمعت الأحد الماضي لحشد الدعم العربي والإسلامي والدولي لتنفيذها شمل الاتّصال بالمكتب السياسي لحماس للتفاهم على “الخطوات المشتركة” لتحقيقها. فهل ينتج التشاور تدابير تساعد على إنهاء الانقسام، حتى لو تعذّر انتقال عباس إلى القطاع؟
لمتابعة الكاتب على X: