السّلام المستحيل: غزّة بعد قانا

مدة القراءة 4 د

“ما لم يصبح اليهود مستعدّين للتعبير عن الحاجة إلى وضع حدّ للخلط بين اليهوديّة وإسرائيل، سينمو العداء للساميّة. ما لم يصبح اليهود مستعدّين للقول إنّ المحرقة وإرثها ليسا من اختصاص دولة قومية ولا يبرّران الصهيونية، سنستمرّ في التهرّب من مسؤوليّتنا عن القتل. يجب أن نطالب أنفسنا بأفضل من هذا”.

 

صاحب هذا الموقف أكاديمي يهودي أسترالي يُدعى أندرو بنجامين. وكان قد بدأه بالقول: “أكتب بصفتي يهوديّاً وعضواً في كنيس. أكتب بصفتي شخصاً ما زال عمله الأكاديمي يعالج مسائل الهويّة اليهودية وإرث المحرقة. لكنّني أكتب مع حسّ متنامٍ بالعار. ومصدر الشعور بسيط: تدّعي إسرائيل أنّها تتصرّف باسمي”.

يرى هذا الأكاديمي اليهودي في مقالة نشرتها صحيفة “سيدني مورننغ هيرالد” في عام 2006 أنّ “هناك انتقاداً يهوديّاً لإسرائيل من شأنه عند التعبير عنه أن يسمح لبعض اليهود أن يضعوا حدّاً للمشروع الذي لا يزال يقيم تماهياً بين سياسات دولة من جهة، وثقافة وديانة من جهة أخرى”.

جرائم ضدّ الأطفال

كانت مناسبة كتابة هذا المقال الجريمة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في قانا بجنوب لبنان في عام 2006.

استهدفت جريمة قانا بالأمس أطفالاً من جنوب لبنان. وتتمحور جريمة غزة اليوم على أطفال القطاع المنكوب بجريمة الإبادة الجماعية.

استهداف الأطفال في العمل العسكري الإسرائيلي ليس صدفة. إنّه هدف مقصود لذاته. والهدف هو شنّ حرب استباقية على المستقبل، سواء في لبنان أو في فلسطين. ذلك أنّ طفل اليوم هو رجل المستقبل. ورجل المستقبل في حسابات الفكر العدواني الصهيوني هو مقاتل الغد.

إسرائيل تخوض الحرب في غزة بسلاحين: سلاح محلّي، وهو الحقد، وسلاح مستورد من الولايات المتحدة

في مقالة للمطران جورج خضر (أطال الله عمره) نشرتها جريدة النهار (5/8/2006) عن جريمة إسرائيل في قانا التي أودت بحياة العشرات من الأطفال اللبنانيين، قال: “أطفال قانا منعتهم إسرائيل أن ينموا وأن يتقوّوا بالروح لأنّهم من الأمم (غويين بالعبرية)، وسيّان أن يحيوا وأن يموتوا لأنّهم ليسوا من أبناء الموعد. كفى أن ينمو أبناء اليهود وأن يتقوّوا بدناً وعقلاً ويتعلّموا في الجامعة العبرية في أورشليم-القدس أو غيرها ويتروّضوا على السلاح يذبحون به من يعرقل فتوحاتهم”.

إسرائيل

تساءل المطران خضر في مقاله: “ماذا إذا غرست هذه الدولة العسكرية قناعة أنّ الطفل العربي سوف ينمو وأنّه يحمل طاقة جندي فتخشاه وتتعامل وإيّاه على أساس هذه الخشية على طريقة الحرب الاستباقية التي تبنّاها جورج بوش الابن؟ في هذا المنطق القائم عند بعض من المحافظين الجدد في أميركا القتل الاستباقي للأطفال معقول كثيراً. وإذا كانت الحرب الاستباقية تحتاج إلى الكذب كما حصل في العراق ففي إبادة الأولاد الغرباء هي تحتاج إلى حقد”.

أسلحة إسرائيل: الحقد وأميركا

إنّ إسرائيل تخوض الحرب في غزة بسلاحين: سلاح محلّي، وهو الحقد، وسلاح مستورد من الولايات المتحدة. والسلاح المحلّي أمضى وأفتك من السلاح المستورد.

استهداف الأطفال في العمل العسكري الإسرائيلي ليس صدفة. إنّه هدف مقصود لذاته. والهدف هو شنّ حرب استباقية على المستقبل

في التراث العبريّ ليس الأولاد الغرباء وحدهم مقصيّين عن المعاملة الحسنة، لكنّ البالغين أيضاً ليست عليهم رحمة. فقد جاء في سفر تثنية الاشتراع: “وإذا تقدّمت إلى مدينة لتقاتلها، فادعُها أوّلاً إلى السلم، فإذا أجابتك بالسلم وفتحت لك أبوابها، فكلّ الذي فيها يكون لك تحت السخرة ويخدمك. وإن لم تسالمك بل حاربتك فحاصرتها وأسلمها الربّ إلى يدك، فاضرب كلّ ذكر بحدّ السيف. وأمّا النساء والأطفال والبهائم وجميع ما في المدينة من غنيمة فاغتنمها لنفسك.. هكذا تصنع بجميع المدن البعيدة منك جدّاً والتي ليست من مدن تلك الأمم هنا. وأمّا مدن تلك الشعوب التي يعطيك الربّ إلهك إيّاها ميراثاً، فلا تستبقِ منها نسمة بل حرّمهم تحريماً” (17-10:20).

إقرأ أيضاً: نتنياهو: جنوب لبنان “بديل” لخسارة غزّة؟؟

كذلك في سفر يشوع بن نون: “استولوا على المدينة. وحرّموا كلّ ما في المدينة من الرجل حتى المرأة، ومن الشاب حتى الشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، فقتلوهم بحدّ السيف”. (20:6 و 21).

من هنا التساؤل: أيّ مصداقية لأيّ اتفاق تسوية سلمية مع إسرائيل؟!

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…