وُصف اليوم، الخامس عشر من آب، بأنّه يوم الفرصة الأخيرة، وهذا المصطلح يمكن أن يكون واقعياً في أيّ قضية أو منطقة غير القضية التي نحن بصددها وغير منطقة الشرق الأوسط. وهو اليوم الذي سيشهد تفاوض ممثّلين عن حركة “حماس” وإسرائيل حول وقف إطلاق النار في غزّة.
انتشر هذا المصطلح واحتلّ موقعاً مركزياً في التداول، بفعل ما يجري حوله، كالاحتشاد الكثيف للأساطيل والجيوش، ومعه احتشاد للسياسيين والدبلوماسيين وفي مقدَّمهم الأميركيون، الذين لا يخفون رهاناتهم على هذا اليوم، ليس من أجل وقف الحرب وإنّما من أجل تحسين الموقع الانتخابي الملتبس الذي تواجه فيه الإدارة الديمقراطية متربّصاً شرساً ما تزال لديه فرص معقولة لهزيمتهم.
التوصيف الذي يستحقّه يوم الخامس عشر من آب هو أنّه محاولة أقوى من كلّ المحاولات التي فشلت، وذلك لتزامنها مع التطوّرات الميدانية العاصفة التي أخذت الحالة إلى حافة حرب إقليمية دولية، لا يريدها سوى بنيامين نتنياهو شريطة أن تتورّط أميركا فيها.
يوم الخامس عشر من آب تسبقه تساؤلات عديدة لا إجابات محدّدة عليها، أهمّها:
– أوّلاً: هل توصّل نتنياهو إلى قناعة بأن يوافق على صفقة لا تريحه ولا تؤثّر سلباً على أجندته العسكرية؟
– ثانياً: هل نرى ردّاً إيرانياً يفرض نفسه على ذلك اليوم، حيث تبدأ سلسلة الفعل وردّ الفعل والردّ على الردّ؟ حتى الآن لا إجابة على هذا السؤال، وحتى الإيرانيون لم يتوصّلوا إلى فكّ شيفرتها؟
التوصيف الذي يستحقّه يوم الخامس عشر من آب هو أنّه محاولة أقوى من كلّ المحاولات التي فشلت
– ثالثاً: هل تواصل حماس إصرارها على أنّ الخامس عشر من آب هو ليس يوم التفاوض بل يوم الشروع في تنفيذ بنود المبادرة الأميركية من أوّلها إلى آخرها؟ حتى الآن وضعت حماس جواباً بصيغة قاطعة تبدأ بالامتناع عن الحضور، وربّما يتطوّر الأمر إلى الامتناع عن الاتّفاق.
– رابعاً: مع أنّ الحاجة الأميركية إلى إنجاز ولو استعراضياً، تبدو جدّية بل ملحّة، لكن هل لدى الإدارة القدرة على إرغام نتنياهو على الموافقة، وهي تدرك أنّه معنيّ بأثر موقفه على الانتخابات الأميركية الوشيكة، واضعة في الاعتبار أنّه يميل إلى خصم الإدارة وليس معها، وهو يدرك في الوقت نفسه أنّ الشهور القليلة التي تصل فيها الحملة الانتخابية إلى ذروتها، هي الشهور التي ينتظر منها جوائز وليس ضغوط؟
– خامساً: لو فشلت جولة الخامس عشر من آب وذهبت الأمور إلى تصعيد في جبهات القتال، غزة أساساً وما حولها، فما الذي سيفعله الوسطاء إذا كان الأمر فرصة أخيرة؟ هل يعلنون وقف وساطتهم وقد هدّدوا بذلك أكثر من مرّة؟ أم يعلّقون العمل إلى أن يتوارى الفشل وراء الحاجة إلى ملء الفراغ؟
لا أحد يعرف بالضبط، حتى الوسطاء أنفسهم.
الفرص في منطقتنا حكاية درامية بحدّ ذاتها. ما يوصف منها بـ”الأخيرة” يكون بفعل الرغبة والحسابات المتعجّلة
منطقة الفرص الضائعة
عندما أجتهد بأن لا فرصة أخيرة في أيّ أمر ذي صلة بالشرق الأوسط، وأزماته ومحاولات معالجتها أو حلّها، فهذه هي القاعدة التي لا استثناء لها. ولقد سُمّي الشرق الأوسط عن حقّ بـ”منطقة الفرص الضائعة”. ما إن يتحقّق النجاح في واحدة لبعض الوقت يأتي الانقضاض عليها بما هو أقوى وأشرس.. واسألوا الفلسطينيين واللبنانيين إن كنتم بحاجة إلى براهين.
الفرص في منطقتنا حكاية درامية بحدّ ذاتها. ما يوصف منها بـ”الأخيرة” يكون بفعل الرغبة والحسابات المتعجّلة. أفادت بهذه الحقيقة دروس وتجارب الأزمات التي لم تحلّ. ولأنّنا ذاهبون إلى الخامس عشر من آب، وهو الشهر الذي يوصف مناخياً بـ”اللهّاب”، ويوصف سياسياً وعسكرياً بالأشدّ لهيباً، فقد نكون بالفعل أمام فرصة لا هي الأولى ولا هي الأخيرة. وإذا ما نضجت فيها صفقة مؤقّتة بفعل الحاجة الملحّة للمؤثرين فيها، فلن تكون الحالة في حينها مختلفة عن كلّ ما سبقها، أي فرصة لترتيب أوراق المتصارعين وإعداد العدّة للانقضاض من جديد.
إقرأ أيضاً: روح قتاليّة عارمة… في صفوف شباب العرب؟
فرص حلّ أزمات الشرق الأوسط خاضعة لمعادلة هي الأعجب والأغرب، إذ لو توافرت تسعون في المائة من شروط الحلّ فسيكون بوسع العشرة الباقية أن تقلب الموازين في ضربة واحدة. وما يجري الآن، تمّت الصفقة أو لم تتمّ، يؤكّد أنّ المعادلة ذاتها ما تزال تعمل.