بعد اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية لا تسمح الوقائع لنا بإنكار الواقع. فالرجل المطلوب رأسه تمّت تصفيته في أرض معادية. لم تقوَ إيران على حمايته وهو ضيفها. هل كان على هنية أن يكون أكثر حذراً؟ سؤال متأخّر يلقي بالكثير من علامات الاستفهام عن الجبهة الداخلية الإيرانية التي هي بالتأكيد جبهة مخترقة من قبل إسرائيل.
تمكّنت إسرائيل من قتل علماء وضبّاط إيرانيين كبار داخل إيران. لم يكن صعباً على إسرائيل في أوقات سابقة اختراق البرنامج النووي الإيراني. كان هنية المطلوب رقم واحد. وكان عليه أن لا يثق بدولة أثبتت أنّها غير قادرة على حماية العلماء من مواطنيها. لكنّ المسألة تتجاوز حماية هذا الشخص أو ذاك إلى المشروع التوسّعي الإيراني الذي وجد فرصته الذهبية للانتشار من خلال “الإسلام السياسي”.
عزل غزّة عن فلسطين
من المستبعد أن يعيد التابعون الذين وقعوا في الفخّ الإيراني النظر في إيمانهم بقوّة إيران “الإسلامية”. كما أنّ من الصعب بالنسبة إليهم أن يتمكّنوا من اكتشاف الحقيقة الملتبسة للموقف الإيراني من القضية الفلسطينية، وهو موقف يقوم أصلاً على فكّ ارتباط فلسطين بالعرب وعزل غزّة عن فلسطين اعتماداً على حركة حماس باعتبارها واحدة من واجهات جماعة الإخوان المسلمين التي لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا تقيم اعتباراً للمبادئ القومية.
على الرغم من أنّ إيران كفّت منذ سنوات عن رفع شعار “الموت لأميركا. الموت لإسرائيل”، فإنّ هناك مَن يعتزّ بفيلق القدس الذي كان قاسم سليماني يتزعّمه. وهو نفسه الذي أشرف على عمل الميليشيات المسؤولة عن إدارة الحروب الداخلية في العالم العربي لا يزال من وجهة نظر البعض بطلاً تاريخياً، وهو ما عبّر عنه هنيه نفسه حين نعاه.
كان إسماعيل هنية، على دراية كاملة بالغايات السياسية الإيرانية، وهي غايات لا علاقة لها بالنضال الوطني الفلسطيني
الإسلام السّياسيّ وموقفه من القضيّة
لا أدري هل يمكن اعتبار إيران قوّة إقليمية كبرى أم لا في ظلّ ما تتعرّض له من اختراق مستمرّ؟ ولكنّ السؤال الذي وهبته حرب غزة ثقلاً مفضوحاً هو: “هل تعمل تلك القوّة إذا ما كانت حقيقية لمصلحة القضية الفلسطينية حقّاً؟”. ما هو مؤكّد أنّ إيران تكره العرب، شعوباً ودولاً، وهو ما يعني أنّها تكره قضاياهم، فهل تتعامل بإنصاف مع القضية الفلسطينية باعتبارها شأناً إسلامياً وهي في حقيقتها ليست كذلك؟ ولكنّ إيران تستعمل الإسلام لغاياتها السياسية. صحيح أنّ إيران جمهورية إسلامية، لكنّ إسلامها إسلام إيراني لا أعتقد أنّ اسماعيل هنية أو سواه ممَّن اقتربوا من إيران يجهلون مبادئه، وهي مبادئ سياسية لا تتّصل بأصول الدعوة المحمّدية إلّا بالعبادات. وحتى في العبادات هناك اختلاف في التفاصيل. يكذب زعماء الإسلام السياسي حين يخفون حقيقة معرفتهم بالموقف الإيراني من فلسطين، من قضيّتها ومن شعبها، وهو موقف فيه الكثير من الانتهازية السياسية.
إيران تكره العرب، شعوباً ودولاً، وهو ما يعني أنّها تكره قضاياهم، فهل تتعامل بإنصاف مع القضية الفلسطينية باعتبارها شأناً إسلامياً
ليست إيران موقع ثقة
تستعمل إيران أتباعها من أجل فرض هيمنتها على المنطقة والتحوّل إلى قوّة إقليمية، وهي في ذلك تخطّط لإلغاء الحدود السياسية للدول العربية وصولاً إلى إسرائيل. ذلك ما لا تفكّر فيه تركيا التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهي عضو في حلف الناتو الذي تتزعّمه الولايات المتحدة. هل علينا أن نصدّق أنّ إيران قد نجحت في خداع العرب، والفلسطينيين تحديداً، بأنّها تدافع عن قضيّتهم؟ تلك حكاية سمجة، وهي نوع من التضليل المكشوف. ما هو حقيقي يتجلّى في أنّ إسرائيل لا ترغب في أن تكون إيران جارة لها بدليل أنّها تستهدف بين حين وآخر قواعد ومعسكرات ومخازن أسلحة إيرانية في سوريا. لذلك ليس أكيداً القول إنّ حماس حركة تحرير وطني فلسطيني وهي التي استظلّت بمظلّة إيرانية.
إقرأ أيضاً: لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟
كان إسماعيل هنية، على دراية كاملة بالغايات السياسية الإيرانية، وهي غايات لا علاقة لها بالنضال الوطني الفلسطيني. لم يكن ضحيّة تضليل أو خداع. لقد كان الرجل كسواه من زعماء الإسلام السياسي مؤمناً بفلسطين أخرى. وهي التي لا يفكّر فيها الفلسطينيون الذين يحلمون بإقامة دولتهم المستقلّة على أرضها. اغتيال هنية هو جزء من حرب غزة. ذلك صحيح. غير أنّ الصحيح أيضاً أنّ تلك الواقعة قد كشفت عن واقع لا يعدّ التغاضي عنه إلا نوعاً من الغباء. ليست إيران دولة قويّة، وهي لا تستحقّ أن يثق المرء بها.
*كاتب عراقي