دخلَت روسيا بشكلٍ علنيّ على خطّ ضبطِ إيقاع “الرّد الإيرانيّ”. هذا أحد عناوين الزّيارة (المحدّدة مُسبقاً) التي قامَ بها أمين عام مجلس الأمن القوميّ الرّوسيّ ووزير الدّفاع السّابق سيرغي شويغو إلى طهران. تحملُ زيارة شويغو أبعاداً مُهمّة في الشّكل والمضمون والتّوقيت. فماذا في التفاصيل؟
تنظُرُ روسيا بقلق إلى ما يحصل في المنطقة، من لبنان وصولاً إلى إيران. التصعيد الذي ترتفع وتيرته يوماً بعد يومٍ، لا تُريد موسكو أن يخرجَ عن إطاره الحالي، وذلك لاعتبارات عديدة.
كانَ الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين أوّل من حذّرَ قبل أسبوعيْن في أثناء استقباله الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد من أنّ المنطقة مُقبلة على تصعيدٍ خطير وأنّ سوريا لن تكونَ بمعزلٍ عن التطوّرات المُحتملة.
بعد تحذير بوتين بأيّام قليلة، حصلَت مجزرة مجدل شمس. وقُتِلَ إسماعيل هنيّة في طهران، وفؤاد شُكر في بيروت. ووصلَت المنطقة برمّتها إلى ما هو أبعد من حافة الهاوية التي اعتادَ الإيرانيّون والإسرائيليّون اللعب عند حدودها. حطّ سيرغي شويغو في طهران والتقى نظيره الإيرانيّ علي أكبر أحمديان، ورئيس الأركان محمّد باقري والرّئيس الإيرانيّ المُنتخب مسعود بزشكيان.
ماذا بحثَ شويغو في طهران؟
يقول مصدرٌ روسيّ مُقرّب من دوائر الكرملين لـ”أساس” إنّ زيارة شويغو إلى طهران ذات أهميّة كبيرة. إذ لا تُريدُ موسكو أن يتوسّع الصّراع في المنطقة، نظراً لخطورته على مصالحها ومصالح إيران على عدّة صُعد. يُلخّصُ المصدر ما بحثه شويغو مع المسؤولين الإيرانيين بالآتي:
1- حذّرَ شويغو الإيرانيين من أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو المُستفيد الوحيد من توسّع الحرب. ذلكَ أنّ هدفه الأساسيّ هو ضرب إيران وجرّ الولايات المُتحدة والغرب إلى مواجهة مباشرة معها. فالصدام المُباشر بين طهران وتل أبيب يعني دخول فصائل إيران في المنطقة على خطّ المواجهة، ما سيُتيح لنتنياهو الترويج لـ”هولوكوست جديد” يتعرّض له يهود إسرائيل.
باتت روسيا على خطّ خفض التّوتّر. فهي التي تولي الجبهة الأوكرانيّة الأولويّة. ولا تُريد أن “تلتهي” بجبهاتٍ أخرى
وقال شويغو للمسؤولين الإيرانيين إنّ نتنياهو يطمح من خلال ذلك أيضاً لحرفِ الأنظار عن القضيّة الفلسطينيّة وتحويل الصّراع إلى إيراني – إسرائيلي.
2- أكّدَ أمين عام مجلس الأمن القوميّ الرّوسيّ على ضرورة تحييد الأراضي السّوريّة عن أيّ ردّ إيرانيّ على إسرائيل. ذلكَ أنّ سوريا مُنهكة، وأنّ دخولها المعركة، في حال توسّعها، يعني أنّ موسكو ستكونُ في موقفٍ لا تُحسدُ عليه. فإمّا أن تتغاضى عن دخول سوريا في الحرب، وهذا يُهدّد مصالحها. وإمّا أن تدخلَ الحربَ بشكلٍ مباشر، وهذا يرفع من احتمال أن يقع صدامٌ مُباشرٌ مع الولايات المتحدة. وهذا ما لا تريده موسكو ولا واشنطن حتّى.
يؤكّد المصدر لـ”أساس” أنّ الورقة السّوريّة طالما شكّلت عنوان خلافٍ بين موسكو وطهران. إذ سعت وتسعى طهران أن تكونَ سوريا إحدى ساحاتها المُتقدّمة لاستهداف إسرائيل. أمّا موسكو فتريد أن تبقى سوريا مُستقرّة، وأن لا تكونَ مُنطلقاً لاستهداف أي دولة في الشّرق الأوسط.
3- كانَت زيارة شويغو من حيث التوقيت زيارة تضامنٍ مع إيران بعد اغتيال رئيس المكتب السّياسيّ لحركة حماس إسماعيل هنيّة في طهران. فقتل هنيّة أزعجَ الكرملين. إذ إنّ حماس تُنسّق مع روسيا سيّاسيّاً وتضعها في أجواء مُحادثات التبادل. وهذا ما يُزعجُ تل أبيب، بالإضافة إلى موقف موسكو من الحرب في غزّة وحلّ الدّولتيْن، وعملها على خطّ المصالحة الفلسطينيّة – الفلسطينيّة.
4- البحث بإتمام صفقات عسكريّة بين روسيا وإيران، ومن ضمنها تسليم طائرات Su 35 من الجيل الرّابع لطهران وأنظمة دفاع جويّ مُتطوّرة. وكانَ “أساس” أوّل من كشفَ تفاصيل هذه الصّفقة مطلع العام 2023. وبحث إتمام اتفاقيّة التعاون الاستراتيجي الشّامل بين البلديْن.
يقول مصدرٌ روسيّ مُقرّب من دوائر الكرملين لـ”أساس” إنّ زيارة شويغو إلى طهران ذات أهميّة كبيرة. إذ لا تُريدُ موسكو أن يتوسّع الصّراع في المنطقة
تُريدُ إيران استلام الطائرات المُقاتلة وأنظمة الدّفاع الجويّ كنوعٍ من التحضير للحربِ الموسّعة، إن وقعت، وبناء “الرّدع الجوّيّ” على المدى الطّويل في حال لم تقع الحرب. لكنّ ما لمسه المسؤول الرّوسيّ في طهران أن لا نيّة لدى الإيرانيين لتوسيع الحرب، فهم يدرسون إطار الرّد على إسرائيل بهدوء بحيث لا يؤدّي ذلك إلى حرب واسعة. كما أنّهم ينشطون في القنوات الخلفية في التفاوض مع الولايات المُتحدة حول وقف إطلاق النّار في غزّة.
5- العنوان الخامس لزيارة شويغو كانَ التواصل مع الرّئيس المُنتخب بزشكيان، الذي يُحضّر لزيارة روسيا في تشرين الأوّل المُقبل للقاء الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين على هامش قمّة الـBRICKS.
إقرأ أيضاً: السّنوار.. المطلوب الأوّل بات المفاوض الأوّل
هكذا باتت روسيا على خطّ خفض التّوتّر. فهي التي تولي الجبهة الأوكرانيّة الأولويّة. ولا تُريد أن “تلتهي” بجبهاتٍ أخرى. بدورها تبحثُ طهران عن ثأرٍ لا يجرّ ثأراً مضادّاً. الكلّ تائهٌ في الشّرق الأوسط، سوى رجلٌ واحد يتقدم نحو ما يُريد، وهو بنيامين نتنياهو.
لمتابعة الكاتب على X: