الرّباط تكرّس ثقلها الإقليميّ: ماكرون مع مغربيّة الصّحراء

مدة القراءة 8 د

تلقّى المغربهديّةفرنسية ثمينة لها تداعيات إقليمية ودولية، في الذكرى الـ25 لجلوس الملك محمد الخامس على العرش. الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن أنّحاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية، في رسالة عشيّة الذكرى. يتوقّع أن يعزّز ذلك، كنقطة تحوّل، موقع المغرب الإفريقي بمقدار محاولة فرنسا استعادة بعض ما فقدته إفريقيّاً، من بوّابة الرباط. أعاد ذلك التوتّر إلى علاقة فرنسا بالجزائر، بسبب صراع الأخيرة مع المغرب على الصحراء، فسحبت سفيرها من باريس فوراً. تراكُم الخلاف الجزائري الفرنسي وصل بذلك إلى ذروة جديدة.

 

 

في خطاب عيد العرش اكتفى الملك بالتلميح إلى أزمة الصحراء من دون ذكرها بالاسم. وفي حديثه عن الإنجازات، أشار فقط إلى “تكريس الوحدة الترابيّة.. وترسيخ الهويّة المغربية”. وعلم “أساس” أنّ الرئاسة الفرنسية كانت أطلعت الرباط على نصّ رسالة ماكرون حول الصحراء قبل أسبوع، فأُذيعت بعد كلمة محمد السادس. ترك الأخير للموقف الفرنسي أن يأخذ مداه قبل ليلة من استقباله المهنّئين بمرور 25 سنة على تولّيه العرش، قرب مدينة تطوان في 30 تموز.

ماكرون أعلن أنّ “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، في رسالة عشيّة الذكرى

الإصلاحات والنّموّ الاقتصاديّ

اكتفى الملك بتناول الإصلاحات السياسية ومنجزات المشاريع الاقتصادية والبرامج الاجتماعية التي ساعدت المغرب على تحقيق قفزة تنموية. يلمس زائر المغرب تحديثاً واسعاً في جملة قطاعات منها:

– شبكة الطرقات لتسهيل التجارة الداخلية ونقل المنتجات الغذائية لبلد تعداده يفوق 37 مليون نسمة على مساحة 446,550 كلم مربع. كما تسهّل السياحة (زهاء 15 مليون زائر) نتيجة المواقع الأثرية والثقافية الموروثة. ومردودها يشكل أكثر من سبعة في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، على الرغم من أضرار زلزال منطقة مراكش العام الماضي.

– نموّ الموانئ وأبرزها ميناء “طنجة ميد” الأهمّ على البحر المتوسط من زاوية حجم الصادرات. فهو البلد الإفريقي الوحيد الواقع على البحرين المتوسّط والأطلسي في الوقت نفسه. وهذا ما جعله ممرّاً للتجارة الخارجية، لا سيّما مع الدول الإفريقية المجاورة.

– ازدهار قطاع الصناعة، لا سيما سيّارات الشركتين الفرنسيّتين، “رينو-داسيا” في طنجة، و”بيجو” في القنيطرة القريبة منها. وهي تصدّر من طنجة إلى الدول الإفريقية. وصار المغرب يحتلّ المرتبة الأولى في الصناعة في شمال إفريقيا، والثانية في القارّة الإفريقية.

– اطّراد حركة البناء لاستبدال أبنية عشوائية تكاثرت جرّاء اندفاع الريف إلى محيط المدن جرّاء تواتر موجات الجفاف لعقود.

ركّز محمد السادس على ما سمّاه إشكالية المياه “المصيرية”، مشيراً إلى 6 سنوات من الجفاف أثّرت على الاحتياطات المائية للشرب والريّ

هاجس الحلول الاستراتيجيّة للجفاف

ركّز محمد السادس على ما سمّاه إشكالية المياه “المصيرية”، مشيراً إلى 6 سنوات من الجفاف أثّرت على الاحتياطات المائية للشرب والريّ. فبعد موجة شحّ الأمطار في الثمانينيات والتسعينيات، ثمّ الموجة الأخيرة، أنجز المغرب 12 سدّاً للتخزين. ووعد الملك بتوزيع متوازن منها، وأعلن نيّة المغرب بناء محطّات لتحلية مياه البحر لإنتاج 1.7 مليار متر مكعّب لتغطية نصف حاجاته للشرب في 2030. وسيتمّ تزويدها بالطاقة النظيفة. إذ تنتشر على سفوح بعض الجبال والتلال مراوح توليد الكهرباء لهذا الغرض، إضافة إلى تكاثر الألواح الشمسية. ورأى أنّ برنامج التزويد بمياه الشرب والريّ “هدفٌ استراتيجي”، ووفّر حتى الآن 80 في المئة من متطلّبات الريّ.

حلّ الدّولتين و”قطع الطّريق على المتطرّفين”

مع الأهميّة القصوى التي أفرد لها مساحة واسعة من خطابه، أي التنمية والحلول لأزمة المياه، حدّد العاهل المغربي 3 ثوابت بشأن حرب غزة:

1- إذا كان التوصّل لوقف الحرب في غزة أولوية عاجلة، يجب أن يتمّ بموازاة فتح أفق سياسي كفيل بإقرار سلام عادل ودائم.

2- اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، يتطلّب قطع الطريق على المتطرّفين، من أيّ جهة كانوا.

3- إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة لن يكتمل إلا في إطار حلّ الدولتين الذي تكون فيه غزة جزءاً لا يتجزّأ من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلّة التي عاصمتها القدس الشرقية.

كثرت التسريبات عن إمكان مشاركة المغرب في قوة دولية عربية تشرف على إدارة فلسطينية لغزة في اليوم التالي للحرب. تتجنّب الأوساط الرسمية في الرباط الحديث عن ذلك. وفي الوقت نفسه وجد مراقبون واقعيّاً ما نشرته “فايننشيل تايمز” قبل شهرين عن اشتراط الرباط اعترافاً أميركياً بالدولة الفلسطينية. فهو أمر ينسجم مع ثوابت محمد السادس. وفهم المحلّلون الحديث عن المتطرّفين “أينما كانوا” بأنّه يشمل حماس والحزب واليمين الإسرائيلي الذي يستند إليه جموح بنيامين نتنياهو.

أكّد الرئيس الفرنسي أنّ “دعمنا لمخطّط الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب في 2007 واضح وثابت”. وهو أمر أثار غضب الجزائر

موقف ماكرون… ورافعة الدّور الإقليميّ

سواء صحّ هذا الاستنتاج أم لا، ترفد التطوّرات المغربية الداخلية اقتصادياً وإنمائيّاً إمكان تقدّم الدور الإقليمي للرباط، وتشكّل رافعة للدور الجيوسياسي، لا سيما بعد الموقف الفرنسي المتناغم معها حيال الصحراء، حسب المراقبين. فماكرون تحدّث عن دور المغرب الذي اعتبره “لاعباً لا مفرّ منه في إفريقيا والعالم”. وجاهر بعدّة نقاط لها أبعادها، وهي التالية:

– أكّد الرئيس الفرنسي أنّ “دعمنا لمخطّط الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب في 2007 واضح وثابت”. وهو أمر أثار غضب الجزائر الراعية لجبهة بوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء. ودعا ماكرون إلى أن “يشكّل (مخطّط المغرب) من الآن فصاعداً الأساس الوحيد للتوصّل إلى حلّ سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” (القرارات الدولية تدعو إلى حلّ تفاوضي بدل الحلول العسكرية لجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر).

– ذهب ماكرون إلى حدّ التشديد على “ثبات الموقف الفرنسي حيال هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”. وإشارته إلى موقف أسلافه من الرؤساء الفرنسيين تذكّر برسالة الرئيس الراحل شارل ديغول إلى الملك محمد الخامس، جدّ الملك الحالي عام 1958. فديغول دعا فيها إلى التفاوض على الحدود بين “الجزائر الفرنسية” في حينها، وبين المغرب لتصحيحها. كان ذلك اعترافاً فرنسياً ضمنيّاً بأنّ مناطق مغربية جرى ضمّها إلى الجزائر. والتزامه “التحرّك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي” يعني خياراً نهائياً للدولة الفرنسية.

رؤساء الشركات الفرنسية الكبرى العاملة في المغرب، ومنها “كهرباء فرنسا” و”توتال” و”سافران” وغيرها، ساهموا في تشجيع الإليزيه على إحداث هذا التحوّل

– أكّد أنّ “توافقاً دولياً يتبلور ويتّسع نطاقه أكثر فأكثر”، وأنّ “فرنسا تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية”. فموقف باريس بات منسجماً مع الموقف الأميركي منذ أن أكّد الكونغرس “وحدة التراب المغربي” في كانون الثاني 1999، ثمّ حسمت واشنطن رسمياً الهويّة المغربية للصحراء في 2020. وينضمّ ماكرون استطراداً إلى الاعتراف العلني بمغربية الصحراء من قبل دولتين أوروبيّتين أساسيّتين، ألمانيا وإسبانيا. وينتظر أن تتبع باريس دولٌ أوروبية أخرى ما دامت هي وبرلين، اللتان تشكّلان العمود الفقري للاتّحاد الأوروبي، حسمتا موقفيهما.

– نوّه ماكرون بجهود المغرب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المغربية. والملك المغربي أشار إلى خطط تحلية المياه في المناطق الجنوبية التي تشمل المنطقة المتنازع عليها.

إقرأ أيضاً: بكين على خطّ التّوتّر العالي: لماذا الآن؟

زيارة ماكرون المرتقبة

التحضير للتحوّل الفرنسي الحاسم بتأييد الخطّة المغربية للحكم الذاتي للصحراء، بدأ قبل نحو سنة. وستعقبه زيارة قريبة لماكرون للرباط. وفي تقرير لصحيفة “لوموند” عن خلفيّات رسالة ماكرون إلى الملك محمد السادس أشارت إلى:

– أنّ زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه للرباط في شهر شباط الماضي تناولت ضرورة انتقال الموقف الفرنسي إلى المجاهرة بدعم سيادة المغرب على الصحراء.

– أنّ وكالة التنمية الفرنسية بدأت منذ نيسان الماضي العمل الدؤوب على مشاريع تنمية في الصحراء بالتنسيق مع الحكومة المغربية.

– أنّ رؤساء الشركات الفرنسية الكبرى العاملة في المغرب، ومنها “كهرباء فرنسا” و”توتال” و”سافران” وغيرها، ساهموا في تشجيع الإليزيه على إحداث هذا التحوّل لمصلحة الرباط.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

بعد الحرب.. هل من دروس تعلّمناها؟

“لو كنت تدرين ما ألقاه من شجنِ… لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحَ غداة لوّحت بالآمال باسمة… لان الذي ثار وانقاد الذي جمحَ فالروض مهما…

هل يستمع الأسد إلى النّصائح العربيّة؟

هجوم 27 تشرين الثاني 2024 من إدلب على حلب، الذي أثبت ضعف نظام الأسد وتهالُكه، يعني أن لا حلّ في الأمد المنظور للحرب السورية الداخلية…

إسرائيل وتركيا وروسيا تستعدّ لـ”عاصفة ترامب”؟

تتسارع الأحداث مع اقتراب 20 كانون الثاني، يوم تنصيب دونالد ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة. وبدأت بعض الدول تتموضع في محاولة لتثبيت وقائع على الأرض،…

إيران والترويكا: حوار الوقت الضّائع

كان لافتاً القرار الإيراني بالذهاب إلى عقد جلسة حوار مع الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) في العاصمة السويسرية جنيف، على الرغم من الموقف التصعيدي الذي…