الانتخابات الأميركيّة: دعم إسرائيل والكلفة السياسية الباهظة

مدة القراءة 5 د

شهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية عبر التاريخ مفاجآت من اغتيالات ومحاولات اغتيال مرشّحين إلى فضائح جنسية وتنحيات ومحاكمات، لكنّها لم تسجّل يوماً أنّ مرشّحاً عمد إلى انتقاد إسرائيل في موسم الانتخابات من أجل إرضاء جزء من قاعدته الشعبية.

 

جرت العادة أن يتسابق المرشّحون على استرضاء إسرائيل من كلا الحزبين طمعاً بدعم المانحين وإقناع اللوبي المؤيّد لإسرائيل “إيباك” بأنّهم بحال فوزهم سيكونون أصدقاء لإسرائيل. كان المرشّحون يعدون بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس ويتعهّدون بالدعم المطلق لإسرائيل. ولكنّ هذه الورقة انتهت مع قيام ترامب بنقل السفارة. اليوم الموقف من الدولة الفلسطينية أصبح معياراً لمدى دعم المرشّحين لإسرائيل، وهو موقف غير شعبي لدى الرأي العامّ الأميركي. موقف هاريس واضح، وهو تأييد حلّ الدولتين حين تصبح الظروف مناسبة. أمّا ترامب فلم يلتزم بحلّ الدولتين وتهرّب من السؤال واعداً بحلّ أزمة الشرق الأوسط دون إعطاء تفاصيل.

هاريس تسعى للتميّز فلسطينيّاً

حرب غزة شكّلت إحراجاً للرئيس بايدن الذي أدّى دعمه لإسرائيل إلى إغضاب الجناح التقدّمي وشريحة الشباب في الحزب ورفع المخاوف من أن يخسر الديمقراطيون السباق الرئاسي في مقابل حماسة وتوحّد الجمهوريين خلف مرشّحهم الرئيس السابق دونالد ترامب.

تنحّي بايدن وانتقال قيادة السباق إلى نائبته كامالا هاريس أعطيا فرصة للديمقراطيين لإعادة تصويب الأمور على أمل جذب الشريحة الغاضبة من تأييد بايدن لإسرائيل وسوء إدارة الحرب في غزة.

زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لواشنطن شكّلت فرصة لهاريس لتميّز نفسها عن بايدن دون الوعد بتغييرات جذرية في سياسة الولايات المتحدة، فجاء قرار تغيّبها عن جلسة خطاب نتنياهو أمام مجلسَي النواب والشيوخ وتصريحاتها المتكرّرة عن معاناة الفلسطينيين في غزة.

جرت العادة أن يتسابق المرشّحون على استرضاء إسرائيل من كلا الحزبين طمعاً بدعم المانحين وإقناع اللوبي المؤيّد لإسرائيل

في موسم الانتخابات الرئاسية تصبح كلّ خطوات ومواقف المرشّحين في خدمة الحملة الانتخابية لجذب الناخبين. فلا إطلالات عفوية ولا مواقف ارتجالية، إنّما خطوات مدروسة ومخطّط لها من قبل خبراء التواصل السياسي. مسارعة هاريس للتصريح أمام الكاميرا بعد لقائها نتنياهو ودعوتها إلى إيقاف الحرب وضرورة وقف معاناة الفلسطينيين وإعلانها أنّها “لن تكون صامتة” بعد الآن جاءت ردّاً على خطاب نتنياهو في الكونغرس الذي توعّد باستمرار الحرب حتى النصر نافياً الاتّهامات باستهداف المدنيين من قبل الجيش الإسرائيلي.

غزّة والكلفة الباهظة

انتقاد إسرائيل ومقاطعة خطاب رئيس وزرائها كانت لتكون لهما كلفة سياسية في الأيام العاديّة، لكنّ الأصوات المعارضة لإسرائيل والتحرّكات المندّدة بها ودعوات مقاطعتها في الجامعات الأميركية بسبب حرب غزة شكّلت تحوّلاً في المشهد الانتخابي وأصبحت لدعم إسرائيل كلفة سياسية. ومن هنا كانت مقاطعة عشرات أعضاء مجلس النواب وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ لخطاب نتنياهو استجابة لهذه التحوّلات. ما كان هؤلاء المشرّعون ولا هاريس ليتّخذوا قراراً كهذا لولا وجود أرقام واضحة تشير إلى امتعاض القواعد الشعبية الديمقراطية من دعم الإدارة الأميركية لإسرائيل في حرب غزة.

الانتخابات

العمل على استيعاب الأصوات الغاضبة من إدارة بايدن لا يعني أنّ موضوع غزة هو العنوان الأساس في الانتخابات هذا العام، لكنّ تقارب أرقام الاستطلاعات والانقسام الحادّ في المجتمع، وخصوصاً في الولايات المتأرجحة التي كانت تعتبر معاقل ديمقراطية، يعطيان أهمّية لكلّ ناخب. ومن هنا تبرز أهمّية الأصوات العربية والمسلمة في ولاية ميتشيغان وفرجينيا التي على هاريس أن تفوز بها إذا أرادت أن تعود إلى البيت الأبيض رئيسةً، كما أنّ تحفيز الشباب على المشاركة في الانتخابات أمر ضروري إذا ما أراد الديمقراطيون الفوز في نوفمبر/ تشرين الثاني.

 في موسم الانتخابات الرئاسية تصبح كلّ خطوات ومواقف المرشّحين في خدمة الحملة الانتخابية لجذب الناخبين. فلا إطلالات عفوية ولا مواقف ارتجالية

ترامب يراجع حساباته

الرئيس السابق ترامب الذي لبّى كلّ رغبات إسرائيل في ولايته الأولى بدأ يراعي الأصوات المنتقدة لإسرائيل قائلاً إنّ الوقت قد حان لانتهاء الحرب، لكنّه يقف عند هذا الحدّ مكتفياً بانتقاد إسرائيل لفشلها في إدارة “العلاقات العامّة” وتراجع سمعتها. وكعادته يلوم ترامب إدارة بايدن على اندلاع الحرب، قائلاً إنّ حماس ما كانت لتقوم بالهجوم على إسرائيل لو كان هو في البيت الأبيض.

إقرأ أيضاً: عند الفوز: ترامب لمصلحة الأنظمة وهاريس لمصلحة الشّعوب!

حرب غزة كشفت تحوّلاً كبيراً في الخارطة السياسية الأميركية، هذا التحوّل الذي بدأ مع الولاية الأولى لترامب واستمرار اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو في الحكم. الحزب الديمقراطي تقليدياً هو الأكثر تأييداً لإسرائيل، خصوصاً أنّ أكثر من ثلثي اليهود في الولايات المتحدة ينتخبون ديمقراطياً في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية. الإجماع الجمهوري في مجلسَي النواب والشيوخ ودعمهم لشخص نتنياهو سيعزّزان القناعة لدى الديمقراطيين بأنّ نتنياهو يتدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة ترامب والجمهوريين. بعض الشخصيات اليهودية النافذة في الولايات المتحدة ورموز المعارضة في إسرائيل يخشون أن يؤدّي تدخّل نتنياهو في الانتخابات الأميركية إلى حرمان إسرائيل من الدعم التاريخيّ الذي حصلت عليه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. تتحوّل إسرائيل إلى مسألة خلافية بين الحزبين في الانتخابات المستقبلية.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mouafac

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…