ثلاث طائرات إلى ثلاثة اتّجاهات

مدة القراءة 5 د

ثلاث طائرات في سماء الشرق الأوسط ستساهم في بناء صورة “اليوم التالي” في المنطقة. واحدة سيستقلّها بنيامين نتنياهو، والثانية سيستقلّها وفدان، واحد من حركة “حماس” والثاني من حركة “فتح”، وجهتها الصين. والثالثة انفجرت في تل أبيب قبل ساعات، ودفعت زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد إلى القول: “لم يعد في إسرائيل مكانٌ آمنٌ”.

 

سوف تقلع طائرة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، حيث خطابه المنتظر في الكونغرس، ولقاؤه في البيت الأبيض الذي كان ممنوعاً.

تزامُن زيارة نتنياهو مع الحملة الانتخابية المسعورة في أميركا وفّر له فرصةً ثمينةً يتسابق فيها الديمقراطيون المتحفّظون عليه مع الجمهوريين الداعمين له على الحفاوة به وتقديم الهبات والعطايا، التي مهما تعاظمت تبدو رخيصةً أمام دعمه ودعم جماعته في الانتخابات المصيرية للحزبين الديمقراطي الجريح والجمهوري المتحفّز.

ينتقل نتنياهو من الكنيست الصغير، الذي ما يزال يتمتّع بالأغلبية المقرّرة فيه، إلى الكنيست الكبير “الكونغرس” حيث الأغلبية الأكثر راحة له، بل والأكثر فاعلية لدعم أجنداته ومغامراته.

ثلاث طائرات في سماء الشرق الأوسط ستساهم في بناء صورة “اليوم التالي” في المنطقة. واحدة سيستقلّها بنيامين نتنياهو، والثانية سيستقلّها وفدان

قبل إقلاع طائرته إلى واشنطن، زوّد رحلته بقرار استصدره من أغلبيّته في الكنيست يرفض الدولة الفلسطينية بصورة مطلقة. ولقد طوّر الرفض من حالته الملتبسة القديمة “رفض الإملاء” إلى حالة أكثر تحديداً، أي رفض المبدأ. ومثلما جرّ “السيّئ الذكر” هنري كيسنجر “الكنيست الأميركي” إلى رفض الاعتراف بمنظمة التحرير إلا وفق شروط وضعها هو، وجرى التقيّد بها، فها هو نتنياهو يعيد الكرّة بعد عقود.

رحلته الحالية لها هدفان متداخلان:

– الهدف الأوّل هو منع ولادة الدولة الفلسطينية أو الاعتراف بها مسبقاً.

– والثاني تجديد ولايته المتراجعة بولاية جديدة تكون واشنطن المتأهّبة لاستقبال ترامب بمنزلة الضمانة لها. ومثلما لم يجد نتنياهو صعوبة في استصدار أيّ قرار من الكنيست الصغير في إسرائيل، فلن يجد صعوبة في استصدار ما يريد من الكنيست الكبير في واشنطن.

الطائرة التي ستقلع إلى الصين تحمل في داخلها من يحبّون تلبية الدعوات، وإصدار البيانات لإرضاء الداعين

الطّائرة الثّانية فلسطينيّة

في وقتٍ متقارب ستقلع طائرةٌ تحمل قادة الفصائل الفلسطينية إلى الصين، ليس من أجل إنشاء تحالف استراتيجي مع الدولة العظمى التي تنافس على زعامة الكون، وليس من أجل تسريع ولادة الدولة الفلسطينية التي يعمل نتنياهو وحلفاؤه الأميركيون على منع إقامتها، ولكن من أجل أن يتحاور بعضهم مع بعض ليدخلوا موسوعة غينيس للأرقام القياسية من حيث أطول حوار عديم الجدوى في التاريخ بين شقيقين واقعين تحت أشرس احتلال عرفته البشرية، ويتقاسمان الوطن والشعب وفق مقولة… من يحظى بجلد الدبّ قبل اصطياده؟

الطائرة التي ستقلع إلى الصين تحمل في داخلها من يحبّون تلبية الدعوات، وإصدار البيانات لإرضاء الداعين. وما إن يعودون إلى أرض الأزمة حتى ينصرف كلّ منهم إلى أجندته الخاصة، غير مكتفين بمواصلة الانقسام بل ويذهبون حثيثاً إلى جعله انفصالاً.

قبل ركوب الطائرة المتّجهة إلى الصين، وضع ركّابها ألغاماً لنسف أيّ إمكانية لإنجاز وحدة حقيقية، إذ تصاعدت لغة التخوين المتبادل، وهذا من شأنه أن يجعل من القبلات المتبادلة مجرّد نفاق ليس إلّا.

أُقدِّرُ أنّ الصين، التي تستثمر في كلّ صغيرة وكبيرة في سياق منافستها على زعامة الكون، قد درست الملفّ جيّداً قبل توجيهها الدعوة إلى الفصائل:

– درست الجهود المصرية الحثيثة والمواظبة، التي لم تفضِ إلى أيّ شيء يؤدّي إلى إنهاء الانقسام، أو حتى خفض وتيرة العداء بين أطرافه.

– درست أيضاً تجربة روسيا التي استضافت الفصائل أفراداً ومجتمعين، وعادوا منها بخفّي “مرزوق وعزّام”.

– درست كذلك تجربة الجزائر التي ازدهرت سويعات وانطفأت بعد ساعات.

قبل ركوب الطائرة المتّجهة إلى الصين، وضع ركّابها ألغاماً لنسف أيّ إمكانية لإنجاز وحدة حقيقية

الصين ليست بالدولة الساذجة التي تبني آمالاً على استثمارات جُرّبت وفشلت، لكنّها كدولة عظمى لن تخسر جرّاء دعوة الفصائل إلى جولة محادثات على أرضها، إذ تُعتبر المحاولة نفسها استثماراً وحضوراً في قضية لها بريقها الدولي ومكانتها في الإعلام.

طائرة نتنياهو إلى واشنطن ستحطّ على أرض الدعم المطلق لإسرائيل، سواء كان نتنياهو على رأسها أو غيره، وسواء كان بايدن أو ترامب أو أيّ شخص آخر يجلس في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. أمّا طائرة الفصائل فستحطّ على أرض بكين لاستئناف الكلام الذي بدأ قبل ستّ عشرة سنة، ولم ينتهِ ولم يتغيّر ولم يفضِ إلى شيء.

الطّائرة الثّالثة: فوق تل أبيب

الحرب على غزة وامتداداتها تحمل كلّ يوم وكل ساعة مفاجأة مدوّية. وآخر مفاجآت هذا الأسبوع انفجار الطائرة المسيّرة، الآتية من بعيد، في تل أبيب. ولقد أحدثت هذه المفاجأة جدلاً واسعاً في إسرائيل حول أسئلة متكرّرة، لكنّها دائماً بلا أجوبة: كيف وصلت المسيّرة؟ ولماذا أخفقت الدفاعات المتطوّرة في إسقاطها قبل دخولها المجال الجوّي الإسرائيلي؟ ولماذا لم تنطلق صافرات الإنذار؟؟ ولماذا ولماذا ولماذا؟

إقرأ أيضاً: وجهاء “كاليه”: التضحية… بلا موتٍ ولا نصرٍ

هذه المفاجأة غذّت الإحباط الجماعي الذي يعيشه سكان إسرائيل. وهو ما حمل يائير لابيد زعيم المعارضة على القول: “لقد انفجرت المسيّرة على مقربة من منزل والدتي، إذاً لم يعد في إسرائيل مكانٌ آمن”.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…