ما يقول السّيّد وما يستطيع أن يفعل

2024-07-13

ما يقول السّيّد وما يستطيع أن يفعل

في خطابه الأخير أعلن السيّد حسن نصر الله دعمه لحركة حماس في قتالها ومفاوضاتها، وكان الرجل دقيقاً في اختيار كلماته بحيث امتزج التحدّي القويّ مع الحذر الأقوى، وكأنّه يلتزم ببيت الشعر العربي الأشهر في تجسيد التضامن أو المشاركة أو التحالف:

وما أنا إلا من غزيّة إن غوت….. غويت وإن ترشد غزيّة أرشد.

 

“غزية القرن هي القبيلة الكبرى التي ولدت تحت مسمّى الممانعة”، غير أنّ الرابط الذي اختارته قواها من إيران حتى جنوب لبنان، وحتى الشجاعية ورفح، وما بينها، سمح لكلّ فصيل من فصائلها أن يجد لنفسه مساحة من استقلال القرار تتزاوج مع مساحة للتضامن والمشاركة، كلٌّ حسب إمكاناته الخاصة وحساباته المتّصلة ببيئته وأجندته.

للمجازفة حدودها عند السيّد هي أنه غالباً يقول ما يجب أن يُقال، ويعمل ما يستطيع أن يعمل، ومهما بدا مؤثّراً وحتى مستقلّاً في سياساته كطرف لبناني قويّ، إلا أنّه يعرف حدود المجازفة لبنانياً وإقليمياً ودولياً. فمنذ الحرب الحالية على غزة التي تقف كلّ يوم على حافة الامتداد إلى أن تُشعل الجبهة الشمالية، تنصّل بدهاء من المشاركة في زلزال السابع من أكتوبر، تخطيطاً وتسليحاً وتوقيتاً، دون أن يتنصّل من دوره كطرف رئيسي من أطراف الممانعة، فمشى على سلك دقيق يمتدّ من طهران “الأمّ” ليمرّ من باب المندب حتى رفح، ملتزماً وإن بصعوبة بالأسقف المسموح بها ومقدّماً بهذا السلوك الحذر المتحفّظ تضحيات مهمّة، كضريبة تضامنية لا بدّ منها لمنح صدقية لمعسكر الممانعة ولمكانته ومكانة حزبه وتحالفاته في حلبة الصراع التي تعتبر الجبهة الشمالية إحدى ساحاتها الخطرة والمباشرة.

في خطابه الأخير أعلن السيّد دعمه لحركة حماس في قتالها ومفاوضاتها، وكان الرجل دقيقاً في اختيار كلماته بحيث امتزج التحدّي القويّ مع الحذر الأقوى

كانت حركة حماس التي ما تزال تقاتل على أرضها توقّعت جهداً أكبر وأعمق وأفعل من الجهد التضامني الذي التزمه الحزب. فمنذ وقوع الزلزال في ذلك اليوم الكبير طلبت حماس من الحلفاء، وتحديداً إيران والحزب وباقي قوى الممانعة، أن يستغلّوا السانحة وأن يعملوا ما يوفّر اختصار المسافة لتحقيق النصر الاستراتيجي المنشود الذي كان الأساس لقيام محور الممانعة والهدف الذي لا تكفّ قواه عن التبشير به.

مغامرة حماس وحسابات إيران

غير أنّ عمق محور الممانعة وسنده الأكبر وذراعه الأقوى “إيران والحزب” لا يخوضون حروبهم الأساسية وفق تقديرات واستنتاجات الحلفاء، وإنّما وفق حساباتهم الأوسع والأكثر تعقيداً، إذ ليس منطقياً الذهاب إلى حرب إقليمية قد تتطوّر إلى حرب عالمية لمجرّد إظهار التضامن.

إيران

في السابع من أكتوبر جاء العنوان وتحدّدت الأسقف بحرص شديد من الدولة العظمى إيران على أن لا تُفسد اللعبة الكبرى مع “الشيطان الأكبر” لمجرّد إثبات صدقية التضامن مع غزة. قال حسن نصر الله بصريح العبارة: “أهل غزة أدرى بشعابها، والمحاربون على الأرض في غزة هم الأقدر على تحديد ما يلائم معركتهم، فإن ذهبوا إلى هدنة يمكن وصفها باستراحة المحارب فلهم ذلك، ولهم من الحزب المباركة، وإن ذهبوا لمواصلة القتال بفعل مواصلة العدوان عليهم وعلى شعبهم، فنحن معهم تحت الأسقف المفترض أنّهم يعرفونها ويعرفون كم نحن وإيران ملتزمون بها”.

غير أنّ عمق محور الممانعة وسنده الأكبر وذراعه الأقوى “إيران والحزب” لا يخوضون حروبهم الأساسية وفق تقديرات واستنتاجات الحلفاء

المشاركة التضامنية من الحزب على مدى أشهر الحرب التسعة أعطت بعداً إضافياً للحرب على غزة، وأدخلت الجبهة الشمالية في صلب الحسابات الإقليمية والدولية، وذلك من دون تجاوز الحدود والأسقف التي تحول دون نشوب حرب إقليمية لا تريدها أميركا ولا إيران ولا الإقليم ولا العالم. وإذا كانت هناك من شبهات جدّية في من يريدونها إذا ما احتاجوا إليها فهم بنيامين نتنياهو وجنرالاته المندفعون.

إقرأ أيضاً: مفاوضات الدّوحة جائزة ترضية لبايدن

لو أنّ أميركا الشريك الأصيل في الحرب والشريك المباشر في الوساطة والبحث عن الحلول تتعامل بموضوعية مع ما يجري في غزة والشمال والمنطقة، لسارعت إلى مضاعفة الجهد لوقف هذه الحرب، ولتوقّفت عن الانجرار وراء المقطورة الإسرائيلية المغامرة، ولذهبت إلى أبعد من ذلك لتحقيق ما تعترف به دون أن تعمل عليه، وهو ملامسة جذر الصراع في المنطقة، وهو “القضية الفلسطينية” التي إن هدأت بحلٍّ يرضي أهلها فستهدأ المنطقة بأسرها، أو على الأقلّ تكون بداية نهج سليم وفعّال لمعالجة أزمات المنطقة الأخطر في العالم الشرق الأوسط.

مواضيع ذات صلة

الرد على الرد: توازن الردع المكسور..

   “وَمَا الحَـرْبُ إِلّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ   وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً     وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا     وَتَلْقَـحْ…

في عقل إيران: منافع تجنّب الرّدّ أولى من تنفيذه

ما زالت راية الثأر ترفرف فوق أحد مساجد قم الإيرانية، في انتظار الردّ على اغتيال إسرائيل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في عقر دار الجمهورية…

إيران تدعم هاريس بمواجهة ترامب

يهتمّ النظام الإيراني كثيراً بالاستحقاق الرئاسي الأميركي. تخلّف نتيجته آثاراً جمّة على بلاد فارس، في الاقتصاد والحالة النقدية، وترسم ملامح الصورة العسكرية والميدانية الشاملة.  …

اليوم التّالي: ماذا سيحدث لدى إسرائيل وإيران؟

منذ عام 2023 بدأ الفريق الإيراني، ومن ضمنه الحزب، الحديث عن “وحدة الساحات“، وكأنه يريد الحرب المحدودة وفي ظنّه أنّها تجلب فوائد كبرى مثل حرب…