هدنة غزّة: لا أحد يثق بأحد

مدة القراءة 7 د

المؤشّرات الآتية من واشنطن والدّوحة والقاهرة توحي بقرب التّوصّل إلى اتّفاقٍ لتبادل الأسرى. لكنّ الغوص في تفاصيل المُفاوضات يُظهر أنّ المهمّة صعبة جدّاً، وقد تنفجرُ عند مُناقشة أدقّ تفاصيل الاتّفاق.

 

كثيرة هي العقبات في مسار المُفاوضات الرّامية إلى إبرام صفقة تبادل بين حركة حماس وإسرائيل. لا تريد الحركة أن تفقدَ أهمّ ورقةٍ لديها، ورقة الأسرى، من دون أن تضمن أنّ الجانب الإسرائيليّ لن يستأنِفَ الحربَ بعدها. أمّا رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو فمُحاصرٌ بتوازنات الدّاخل، ويُراوغُ إلى حين جلاء نتيجة الانتخابات الرّئاسيّة الأميركيّة. يقول للأميركيين سرّاً إنّه مُلتزمٌ بورقة “بايدن” كاملةً. وفي العلن يُؤكّد أنّه لن يوقِفَ الحربَ حتّى “القضاء على حركة حماس”. وفي لبنان، يبدو أنّ المرحلة الثّالثة من الحرب في غزّة أرخَت بظلالها على عمليّات الحزبِ، الذي ينتقل شيئاً فشيئاً من كثافة النّار إلى اختيار الأهداف النّوعيّة.

عقدة الانتقال بين مرحلتين

لا تزال عقدة الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثّانية هي الأساس. تُعبّر أوساط حركة “حماس” لـ”أساس” عن ذلك بالقول إنّ الحركة لن تمضي بالاتفاق إن لم تكن هُناك ضمانات واضحة بإنهاء الحربِ بعد صفقة التّبادل، ذلك أنّ الحركة لن تُفرّط بورقة الأسرى “مجّاناً”. يسودُ اعتقادٌ لدى قيادة الحركة أنّ نتنياهو يُراوغُ ليستأنِفَ حربه بمجرّد إبرام صفقة التّبادل، وحينها لن يكونَ في يدها أيّ ورقة ضغطٍ فاعلة.

زادَ القلق “الحمساويّ” بعد تصريح نتنياهو عن نيّته استئناف الحربِ، وأنّه لا يؤيّد اتفاقاً لا يضمنُ له استكمال حربه و”القضاء على الحركة”. على الرّغم من أنّ نتنياهو يقول للأميركيين إنّه مع الاتّفاق، وقال لبايدن في اتّصالهما الأخير نهاية الأسبوع المُنصرِم إنّه يؤيّد كامل الورقة التي أعلنَها الرّئيس الأميركيّ.

تريد حماس ضمانات من الوسطاء وواشنطن، واتّفقَت مع روسيا والصّين أن تكونَ تركيا أحد الضّامنين للاتّفاق. لكنّ معلومات “أساس” تؤكّد أنّ نتنياهو رفضَ أن يكونَ الأتراك طرفاً ضامناً لسببيْن:

تسيرُ مُفاوضات التبادل على وقعِ خلافات داخليّة إسرائيليّة غير مسبوقة فليسَ تفصيلاً ما كشفه موقع “واللا” العبريّ

1- يعتبر أنقرة مُنحازة إلى حماس.

2- الخلاف السّياسيّ – الشّخصي بينه وبين الرّئيس التّركيّ رجب طيّب إردوغان، الذي شبّه رئيس الوزراء الإسرائيليّ بالزّعيم النّازي أدولف هتلر.

في المرحلة الأولى أيضاً، التي تشمل تبادل الأسرى من المستوطنين وكبار السّنّ، تكمنُ عقدة أخرى. إذ تكشف مصادر “أساس” أنّ تل أبيب طلبت أن يكونَ لها ما تُسمّيه “حقّ الفيتو” على الأسماء القياديّة التي ستطرحها حماس للتّبادل، خصوصاً ما يتعلّق بالقياديين الأساسيّين لحماس مثل عبد الله البرغوثي والأسيرَيْن القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي والأمين العام للجبهة الشّعبيّة أحمد سعدات.

لماذا أخفى نتنياهو بن غفير؟

تسيرُ مُفاوضات التبادل على وقعِ خلافات داخليّة إسرائيليّة غير مسبوقة. فليسَ تفصيلاً ما كشفه موقع “واللا” العبريّ من أنّ نتنياهو ضمّ وزير الأمن الدّاخليّ المُتطرّف إيتامار بن غفير إلى مجلس الوزراء المُصغّر سرّاً، وأنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ طلبَ ألّا يُنشر شيء بشأن ضمّ بن غفير.

هذا يعني أنّ نيّة استكمال الحربِ موجودة عند نتنياهو، وليسَت مُجرّد “مراوغة” ظرفّية. هذه الخطوة من شأنِها أن تزيدَ الانقسام داخل الحكومة الإسرائيليّة. إذ خرجَ موقفٌ من عضو الكنيست عن حزب “شاس” يوسي طيب قال فيه إنّ بن غفير غير مُناسب ليكون عضواً في مجلس الوزراء المُصغّر ولا أن يتولّى حقيبة الأمن القوميّ، وإنّ عليه الاستقالة من منصبه.

نتنياهو

حزبَ “شاس” يُمثّله 11 عضواً في الكنيست الإسرائيليّ، وهو حزبٌ صهيونيّ دينيّ أرثوذكسيّ متطرّف، ويُمثّل الحريديم الشّرقيين في المُجتمع الإسرائيليّ. كما أنّ زعيم الحزب أرييه درعي صرّح بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في نيسان الماضي أنّ الحاخامات أبلغوه بأنّ شنّ عمل عسكري ضدّ إيران “سيمثّل خطراً على إسرائيل”. كما أنّ درعي شدّدَ على أهميّة مراعاة إسرائيل مواقف حلفائها في الولايات المتحدة والغرب، الذين يرفضون شنّ عمل عسكري واسع ضدّ إيران.

معلومات “أساس” تؤكّد أنّ نتنياهو رفضَ أن يكونَ الأتراك طرفاً ضامناً لسببيْن

يتوسّع الخلاف بين نتنياهو و”شاس” على خلفيّة سحب الأوّل مشروع “قانون الحاخامات” من جدول أعمال جلسة الكنيست في منتصف حزيران. وينصّ مشروع القانون على نقل صلاحيات تعيين الحاخامات في المدن من السلطات المحلّية إلى وزارة الأديان التي يتولّاها وزير من حزب شاس هو موشيه ملخيئيلي. ويلقى معارضةً من حزب الليكود الذي يتزعّمه نتنياهو و”القوّة اليهوديّة” برئاسة بن غفير.

هذا ما دفع زعيم “شاس” أرييه درعي للقول إنّ الحلّ الكامل لحكومة بنيامين نتنياهو هو مسألة وقت فقط.

نتنياهو بين المطرقة والسّندان

باتَ نتنياهو واقعاً بين مطرقة “شاس” و”الحريديم” وسندان حركة “الصّهيونيّة الدّينيّة” بزعامة بن غفير ووزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش.

من خارج الحكومة، يواجه نتنياهو تحالفَ الجنرالات بيني غانتس وغادي آيزنكوت وغابي أشكينازي، زعيم المُعارضة يائير لابيد وحزبِ العمل وأحزاب وشخصيّات يمينيّة مُقرّبة من واشنطن مثل أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت. يؤيّد معارضو نتنياهو “ورقة بايدن” بكلّ تفاصيلها، بما في ذلك التّنازل نحوَ وقف الحربِ في نهاية المطاف، وذلكَ حرصاً منهم على العلاقة مع الإدارة الأميركيّة.

أضِف إلى الانقسام السّياسيّ الخلاف العميق بين المؤسّسة العسكريّة والقيادة السّياسيّة. إذ يتّجه نتنياهو لإقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي وتعيين نائبه الجنرال إيال زمير خلفاً له. وكان زمير قد شغل سابقاً منصب السّكرتير العسكريّ لنتنياهو بين عامَيْ 2013 و2015، ويُعتبر من المُخلِصين لرئيس الوزراء. وفي حال عُيّنَ زمير رئيساً للأركان، سيكون أوّل رئيسٍ للأركان يحمل لواء المدرّعات على كتفه، بعد عقود انقسم فيها دور رئيس الأركان بين المظلّيين والمحاربين القدماء في لواء “جولاني”.

باتَ نتنياهو واقعاً بين مطرقة “شاس” و”الحريديم” وسندان حركة “الصّهيونيّة الدّينيّة” بزعامة بن غفير ووزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش

يسعى نتنياهو بخطوته هذه إلى إبعاد شبح المُحاسبة على خلفيّة إخفاقات 7 أكتوبر عن عاتقه، وإلقاء المسؤوليّة على عاتق المؤسّسة العسكريّة وجهاز الأمن الدّاخليّ (الشّاباك) واستخبارات الجيش (أمان). هذه الخطوة من شأنها أن تدفع العسكريين لردّة فعلٍ تزيد الانقسام بين نتنياهو والجيش، الذي صرّحَ أخيراً أنّ القضاء على حماس مستحيل وأنّ صفقة التّبادل هي الطّريق الوحيد لإعادة الأسرى. هذا يعني أنّ الجيش يحاول أن يُفرّغَ أهداف نتنياهو في الحرب، وأن يُحمّله مسؤولية الإخفاقات في الحربِ بعد العجزِ عن تحقيق كامل الأهداف التي حدّدها.

مع تعقّد المشهد، تبقى الجبهة اللبنانيّة على حالها. فقد باتَ معلوماً أنّها ترتبط مباشرة بمجريات الميدان في غزّة. تقول مصادر مطّلعة “أساس” إنّ الحزبَ ينتقلُ هو أيضاً شيئاً فشيئاً للتأقلم مع المرحلة الثّالثة من الحرب، وذلكَ عبر تركيز عمليّاته على نوعيّة الأهداف لا كثافة النّيران. وذلكَ لعدّة اعتبارات:

إقرأ أيضاً: هدنة غزّة: أوراق ما قبل التّفاوض

– الأوّل: إنجاز ترتيبات تسليم السّلطة في إيران للرّئيس المنتخب مسعود بزشكيان.

– الثّاني: ترقّبُ مآل المفاوضات في قطاع غزّة.

– الثّالث: مُراقبة الدّاخل الأميركيّ والانتخابات والاستعداد لمرحلة جديدة في حالَ وصل دونالد ترامب للرّئاسة في أميركا.

– الرّابع: ترقّب ما ستؤول إليه الأمور في الدّاخل الإسرائيلي مع الانقسام السّياسيّ غير المسبوق، والشّرخ الآخذ بالتزايد بين القيادتيْن السّياسيّة والعسكريّة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…