تجمع كُلٌّ من الحكومة الإسرائيليّة وحركة “حماس” أوراقهما قبيل جلسة التّفاوض الجديدة في العاصمة القطريّة الدّوحة. رفعَ الجيش الإسرائيليّ من منسوب عمليّاته في مدينة رفح وارتكبَ مجزرةً جديدة في مخيّم في غرب المدينة كان من المُفترض أن يكونَ آمناً، ونزح إليه سُكّان شرقها حيث تتركّز العمليّات العسكريّة. أمّا حماس فكانت تقصفُ تل أبيب من على بُعد 200 متر من معبر رفح، أمام أعين الجنود الإسرائيليين المُتمركزين هُناك.
بين المجزرة وقصف تل أبيب، كانَت الحركة تُعلن عن أسر جنودٍ إسرائيليين في جباليا بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيليّ عثوره على 3 جثث كانت لدى “القسّام”. يخفي كلٌّ من الجانبيْن حقيقة نواياه. لا تريد إسرائيل وقفَ الحرب بالكامل، وذلكَ لأسبابٍ سياسيّة داخليّة:
– أوّلها المُستقبل السّياسيّ لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
– ثانيها الحفاظ على تماسك الائتلاف اليميني في الحُكم إلى حين جلاء نتائج الانتخابات الرّئاسيّة الأميركيّة.
أمّا حماس فتتمسّك بـ4 شروط أساسيّة للموافقة على أيّ صفقة تبادل:
الأوّل: أن تتضمّن طريقاً واضحاً للوصول إلى وقفٍ شامل لإطلاق النّار.
الثّاني: أن تنصّ صراحة على انسحاب كلّ القوّات الإسرائيليّة من جميع أراضي قطاع غزّة.
الثّالث: ضمان عودة جميع نازحي شمال قطاع غزّة إلى مناطقهم.
الرّابع: أن تنصّ على بندٍ واضح يتعلّق بإعادة إعمار ما دمّرته آلة الحرب الإسرائيليّة وتعويض سكّان القطاع.
يقول مصدر دبلوماسيّ عربيّ على علاقة بالمفاوضات لـ”أساس” إنّ الشّرط الأخير كانَ قد أبلغه رئيس الحركة في غزّة يحيى السّنوار للوسطاء المصريين بعد اطّلاعه على “الورقة المصريّة”. وقال السّنوار للمخابرات المصريّة إنّ شرطَ إعادة الإعمار أساسيّ بالنّسبة له شخصيّاً في اليوم التّالي للحرب، إذ إنّ أهالي القِطاع سيسألونه بشكلٍ مباشر عن الإعمار والتعويضات.
يقول المصدر إنّ مُقاتلي الحركة تجنّبوا أسر العشرات من جنود الاحتلال في الأسابيع الماضية، خصوصاً في مناطق شمال غزّة
اشتباك الحدود ومفاوضات التّبادل
وفي سياقٍ مُنفصل بالشّكل، لكنّه مُتّصل بالعُمق، كانت حدود القطاع مع مصر تشهدُ تطوّراً هو الأخطر، بعد تبادلٍ لإطلاق النّار بين الجيش المصريّ والجيش الإسرائيليّ، نجمَ عنه استشهاد أحد الجنود المصريين ووقوع إصابات عديدة في صفوف جيش الاحتلال.
لا تنفصل كلّ هذه التطوّرات عن الكلام عن إعادة المُفاوضات الرّامية إلى التوصّل إلى صفقة تبادلٍ للأسرى بين حماس وإسرائيل. إذ سعت الأخيرة إلى استبعاد أو الحدّ من دور مصر في التّفاوض. هذا ما بدا واضحاً خلال الأسبوع الماضي، حيث زعَمَت صحيفة “يديعوت آحرونوت” العبريّة وشبكة “CNN” الأميركيّة أنّ مسؤول الملفّ الفلسطيني في جهاز المخابرات العامّة اللواء أحمد عبد الخالق عدّلَ بالورقة التي وافقَ عليها فريق التفاوض الإسرائيليّ من دون إبلاغ أحد.
في الرّد على هذه النّقطة، يسأل مصدر دبلوماسيّ عربيّ: “لماذا لم يُعلن نتنياهو منذ اللحظة الأولى لإعلانه رفضَ المُقترح المصريّ إنّ كان عبد الخالق عدّلَ ببنوده؟ هذا لأنّه لم يحصل أيّ شيء من هذا القبيل، بل كُلّ ما أشيعَ هو محاولة من الحكومة الإسرائيليّة لمراوغة الرأي العامّ الذي يُطالب بصفقة لتبادل الأسرى، ولا يريد نتنياهو أن يُصارحهم أنّه عرقلَ المُفاوضات”.
كذلك كانَ لافتاً غياب رئيس جهاز المُخابرات العامّة المصريّة اللواء عبّاس كامل عن الاجتماع الذي عُقِدَ في العاصمة الفرنسيّة باريس يومَ الجُمعة الماضي، والذي جمَع رئيس وكالة الاستخبارات المركزيّة (CIA) وليام بيرنز، ونظيره الإسرائيلي ديفيد برنياع ورئيس الوزراء القطريّ الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن آل ثاني.
ماذا في اللقاء؟
تكشف مصادر “أساس” أنّ تغيّبُ عبّاس كامل عن اجتماع باريس جاءَ ردّاً على “المراوغات الإعلاميّة الإسرائيليّة” وعلى عمليّاتها قرب الحدود المصريّة في منطقة رفح. لكنّ المصادر عينها أكّدَت أنّ بيرنز والشّيخ محمّد بن عبد الرحمن كانا على تواصل دائم مع كامل قبل وأثناء وبعد الاجتماع. إذ يُجمع الأطراف أنّ دورَ القاهرة أساسيّ، خصوصاً لجهة التّواصل مع يحيى السّنوار وثقلها السّياسيّ وحضورها في الملفّ الفلسطينيّ.
يقول مصدر دبلوماسيّ عربيّ على علاقة بالمفاوضات لـ”أساس” إنّ الشّرط الأخير كانَ قد أبلغه السّنوار للوسطاء المصريين بعد اطّلاعه على “الورقة المصريّة”
كذلكَ كان التواصل مع الجانب المصريّ قائماً من خلال وزير الخارجيّة سامح شكري الذي كانَ موجوداً في العاصمة الفرنسيّة مع اللجنة الوزاريّة “العربيّة – الإسلاميّة”، المُنبثقة عن قمّة الرّياض الاستثنائيّة. وتؤكّد معلومات “أساس” أنّ اللجنة الوزاريّة التي تضمّ وزراء خارجيّة: السّعوديّة، ومصر، وقطر، والأردن، اجتمعت مع وليام بيرنز في باريس، وأبلغته موقفاً واضحاً بضرورة العمل على وقف الحرب على غزّة والبدء بمسارٍ سياسيّ واضح يرمي في نهاية المطاف للوصول إلى حلّ الدّولتيْن على حدود الرّابع من حزيران 1967.
بالعودة إلى الاجتماع الثّلاثي، تشير المعلومات إلى أنّ ديفيد برنياع قدّمَ ورقةً إسرائيليّة لتبادل الأسرى. وتنصّ هذه الورقة في جوهرها على وقفِ إطلاق النّار مُقابل إفراج “حماس” عن جميع الأسرى المُحتجزين لديها. وهذا الشّرط رفضته الحركة التي تتمسّك بوقف إطلاق النّار كمدخلٍ للحلّ، على أن يكونَ تبادل الأسرى هو ثمن إطلاق الجنود والمستوطنين المُحتجزين لديها.
تقول مصادر “حماس” لـ”أساس” إنّ شروطها المعروفة لا رجعة عنها، ولو كثّفَ نتنياهو عمليّاته في رفح. وتضيف أنّ شرطَ إعادة الإعمار باتَ بالنّسبة لقيادتها أساسيّاً في نصّ أيّ اتفاق. كما أكّدَ المصدر أنّ 3 جنودٍ إسرائيليين على الأقلّ، أحدهم مُصاب بجروح متوسّطة، وقعوا في الأسر في منطقة جباليا شمال القِطاع، وأنّ هذه العمليّة جاءَت لسببيْن:
الأوّل: أسر جنودٍ أحياء عوضاً عن الجثث التي وجدها الجيش الإسرائيليّ، وهي أساساً متروكة من دون حراسة. إذ لن تُخاطر قيادة “القسّام” بمجموعاتها لحراسة جثث الإسرائيليين، وهذا ما قد يؤدّي إلى كشفِ أمكنة الأسرى الأحياء في حال وقوع أحد قياديي أو عناصر القسّام المُكلّفين بحراسة الأسرى.
الثّاني: الضّغط على الرأي العام الإسرائيليّ لحثّ حكومته على الموافقة على صفقة تبادلٍ تشملُ وقفاً لإطلاق النّار وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع.
تقول مصادر “حماس” لـ”أساس” إنّ شروطها المعروفة لا رجعة عنها ولو كثّفَ نتنياهو عمليّاته في رفح
كذلك يقول المصدر إنّ مُقاتلي الحركة تجنّبوا أسر العشرات من جنود الاحتلال في الأسابيع الماضية، خصوصاً في مناطق شمال غزّة حيث يدخل الجنود في الأزقّة والشّوارع. لكنّ قيادة الحركة اتّخذت قراراً بأسرِ أيّ جنديّ يكون أسره مضموناً كما حصلَ في جباليا. وهذا ما يزيدُ من أوراق الحركة للتفاوض في ملفّ الأسرى.
إقرأ أيضاً: اتفاق الهدنة في غزّة: بيرنز يضغط.. والحزب “على الخطّ”
فبحسب أجواء حماس، فإنّ إسرائيل والولايات المُتحدة لا تملكان أيّ معلومات ذات أهميّة حول أماكن ومصير الأسرى. تقول مصادر حماس إنّ أبلغ دليل على ذلك هو إعلان كتائب القسّام في 25 الجاري أنّ قائد اللواء الجنوبيّ في فرقة غزّة العقيد أسّاف حمامي أصيبَ يومَ السّابع من تشرين الأوّل، وأنّه أسيرٌ لديها. ويأتي هذا الإعلان بعد أشهر من إعلان تل أبيب وفاة حمامي وإقامة جنازة رمزية في مقبرة كريات شاؤول بتل أبيب حضرها كبار القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل، بينهم قائد فرقة غزة العميد آفي روزنفيلد ووزير الدفاع يوآف غالانت.
لمتابعة الكاتب على X: