أوساط “الديمقراطيّ”: لهذا لن نتخلّى عن بايدن

مدة القراءة 6 د

لم تهدأ عاصفة المناظرة الأخيرة بين المرشّح الدّيمقراطي جو بايدن والمرشّح الجمهوري دونالد ترامب. وفيما لم يصدر عن قادة الحزب الديمقراطي موقف رسمي علنيّ متبرّم من أداء مرشّحهم، إلا أنّ الصحافة الأميركية سرّبت همهمات داخلية بشأن استمرار بايدن في ترشّحه أو انسحابه. لكن حتى هذه التسريبات ووجهات النظر، ومعظمها يدعو إلى انسحاب بايدن وإيجاد البديل، بقيت إعلامية الطابع تواكب مراقبة الحدث من دون أيّ أساس يقوم على قراءة معمّقة وتفكير حذق.

بقي موقف الرئيسين الديمقراطيَّين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما داعماً للرئيس والمرشّح الرئاسي جو بايدن. وتصاعدت بسرعة وعلى نحو تلقائي دعوات داخل الحزب الديمقراطي إلى تجاوز حدث المناظرة واعتبارها تفصيلاً من 90 دقيقة لا يمكن التوقّف عنده مقارنة بمسار بايدن المهني خلال العقود الماضية، أو الرئاسي خلال السنوات السابقة.

لم تهدأ عاصفة المناظرة الأخيرة بين المرشّح الدّيمقراطي جو بايدن والمرشّح الجمهوري دونالد ترامب

غير أنّ أوساطاً في الحزب الديمقراطي بدت حازمة في الدفع لإغلاق الجدل بشأن انسحاب بايدن، ساخرة من النقاش أصلاً في احتمال من هذا النوع، مؤكّدة أنّ أسباباً سياسية، في الدرجة الأولى، إضافة إلى أسباب موضوعية وتقنية، تجعل من النقاش خارج سياق الجدّية الذي يمكن الركون إليه. وتجزم هذه الأوساط أنّ بايدن هو مرشّح الحزب الديمقراطي وسيبقى، وتعرض لعوامل وأسباب ودوافع ترفد هذا الجزم:

1- تنفي أوساط الحزب الديمقراطي أيّة نيّة لإسقاط ترشيح الرئيس جو بايدن لولاية ثانية، وتنفي تراجع شعبيّته على الرغم من أدائه المثير للجدل في المناظرة مع المرشّح الجمهوري دونالد ترامب. وتؤكّد هذه الأوساط أنّ أمر إسقاط ترشّح بايدن واستبداله بمرشّح آخر لم تتمّ إثارته أبداً داخل الحملة الانتخابية لبايدن.

2- على الرغم من الاستطلاعات التي نشرتها شبكة CNN عن فوز ترامب على بايدن بالمناظرة بنسبة 67 مقابل 33 في المئة، إلا أنّ الأوساط الديمقراطية تؤكّد ارتفاع شعبية بايدن بعد المناظرة بنقطة واحدة مسجّلاً 45 في المئة بعدما كان سجّل نسبة 44 في المئة قبل المناظرة. وتضيف هذه الأوساط أنّ أداء بايدن خلال 90 دقيقة لن يطيح بما أنجزه خلال 3 سنوات ونصف من ولايته، علاوة على أنّ 90 في المئة من الناخبين كانوا قد حسموا خيارهم الانتخابي منذ أشهر، وأنّ المناظرة لن تغيّر الكثير في موازين القوى.

المناظرة تفصيل مبكّر

3- تقول هذه الأوساط إنّ المناظرة تفصيل مبكّر في الحملة الانتخابية، وجاءت أساساً بطلب من الرئيس بايدن نفسه، وإنّ عارضاً صحّياً قد أثّر على أدائه. وتضيف هذه الأوساط أنّ أداء بايدن في المهرجان الانتخابي في كارولاينا الشمالية، الجمعة، أي في اليوم التالي، كان رائعاً وحيويّاً، ويؤكّد أنّ أمر المناظرة نكسة عابرة وأنّه سيكون حاضراً للمناظرة التالية في 10 أيلول المقبل.

تنفي أوساط الحزب الديمقراطي أيّة نيّة لإسقاط ترشيح الرئيس جو بايدن لولاية ثانية، وتنفي تراجع شعبيّته

4- تعتبر هذه الأوساط أنّ تخلّي الحزب الديمقراطي عن مرشّحه المعلن هو خطأ وغباء سياسيّان. إضافة إلى أنّه مستحيل تقنياً بسبب عدم إمكانية تحويل ميزانية الحملة من مرشّح إلى آخر وضيق الوقت لإقناع المتبرّعين وإيجاد ميزانية جديدة لأيّ مرشّح بديل.

5- تقول هذه الأوساط إنّ الأسماء التي طُرحت في الصحافة كبديل عن بايدن هي أسماء مرموقة في الحزب الديمقراطي في الولايات التي يتولّون قيادتها مثل حاكم ولاية كاليفورنيا (كافن نيوسوم) وحاكمة ولاية ميتشيغن (غريتشن ويتمر). لكنّ هذه الشخصيات، حتى في حال تسجيلها نجاحات محلّية في ولاياتها، غير مؤهّلة للحصول على إجماع من كلّ تيّارات الحزب الديمقراطي المنقسمة بين يسار ويمين ووسط. وتذكّر هذه الأوساط أنّ الحزب ليس كتلة أيديولوجية واحدة، بل هو “كونفدرالية” تيّارات ووجهات ومصالح تحتاج إلى زعيم يستطيع جمع كلّ الأضداد حوله. ولئن تعترف هذه الأوساط أنّ الأمر قابل للتحقّق في المدى الآجل، لكنّ ضيق الوقت يجعل من الأمر مستحيلاً.

هل يترشّح باراك أوباما؟

6- تلفت هذه الأوساط إلى أنّ باراك وزوجته ميشيل أوباما لم يعبّرا عن أيّ رغبة في خوض السباق بما يجعلهما خارج أيّ احتمال في هذا الصدد. فيما تشكو عائلة كلينتون، بيل (77 عاماً) وزوجته هيلاري (76 عاماً)، من مسألة التقدّم في العمر، وهو الأمر نفسه الذي يؤخذ على المرشّح بايدن.

تقول الأوساط إنّ الأسماء التي طُرحت في الصحافة كبديل عن بايدن هي أسماء مرموقة في الحزب الديمقراطي

7- تؤكّد هذه الأوساط أنّ من الخطأ ترداد معلومة مغلوطة تقول إنّ صحيفة نيويورك تايمز المعروفة تاريخياً بقربها من الحزب الديمقراطي والتي دعت إلى انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، ما زالت قريبة من الحزب في السنوات الأخيرة، وخصوصاً منذ تبوّؤ جو بايدن سدّة الرئاسة. وتدعو هذه الأوساط إلى مراجعة عناوين الصفحة الأولى للصحيفة منذ دخول بايدن البيت الأبيض للتأكّد من انتفاء دعمها للحزب وزعيمه. وتضيف الأوساط أنّ مجلس إدارة “نيويورك تايمز” يتألّف من 14 شخصاً من أصحاب الشهادات العالية، لكنّ 12 منهم من البيض و2 من السود، وهو مشهد لا يعبّر عن قواعد الحزب الديمقراطي ولا حتى عن مجتمع الولايات المتحدة.

8- تستغرب هذه الأوساط أن تقوم الصحيفة بالدعوة إلى انسحاب المرشّح بايدن من السباق بسبب تقويمها لأدائه في مناظرة تلفزيونية، فيما لم تطلب من الحزب الجمهوري سحب مرشّحه دونالد ترامب الذي أدانته المحكمة بـ 34 تهمة تراوح بين الكذب والاحتيال والتزوير وتهم أخرى، علاوة على نزاعات ماليّة في المجال المدني تجعله مجرماً أمام القضاء الأميركي الذي سيصدر حكمه في 11 تموز الجاري.

9- تذكّر هذه الأوساط بسابقة حصلت مع الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون عام 1968 حين قرّر عدم الترشّح لولاية ثانية. إلا أنّ قراره حينها جاء في 30 آذار من عام الانتخابات. في حين أنّ فرضية انسحاب بايدن تُطرح حالياً في شهر تموز، أي قبل 3 أشهر من الاقتراع. وتذكّر هذه الأوساط أنّه إثر انسحاب جونسون فاز المرشّح الجمهوري ريتشارد نيكسون بالاقتراع، بما يعني أنّ سحب ترشيح رئيس ديمقراطي أثناء تولّيه منصبه في البيت الأبيض يضعف حظوظ أيّ مرشّح ديمقراطي آخر.

تستغرب هذه الأوساط أن تقوم الصحيفة بالدعوة إلى انسحاب المرشّح بايدن من السباق بسبب تقويمها لأدائه في مناظرة تلفزيونية

بغضّ النظر عن حجج الأوساط ودفوعها، فإنّ بايدن عاد، مدفوعاً ومحاطاً بزوجته ومستشاريه، لتكثيف نشاطه الذي بدا حيويّاً في الأيام التالية للمناظرة. يكمن الهدف أيضاً في إقناع المتبرّعين في الاستمرار في تغذية ميزانية الحملة الانتخابية، إضافة إلى طمأنة الكتلة التقليدية الناخبة ووقف أيّ تحرّكات للمتشكّكين من جهة والطامحين من جهة أخرى لطيّ صفحة بايدن وفتح صفحة أيّ بديل.

الأرجح أنّ “فقاعة” الحدث ستختفي ليس فقط إيماناً بمصداقية بايدن، بل استسلاماً لـ”الجنرال وقت” الذي لا يملكه الحزب ولا هواة أيّ مغامرة فيها كثير من المقامرة.

إقرأ أيضاً: الشّرق الأوسط بعد مناظرة بايدن الكارثيّة

 

لمتابعة الكاتب على X:

@mohamadkawas

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…