هكذا حاول الحرس الإيرانيّ تعطيل اتّفاق بكين (2/2)

2024-06-20

هكذا حاول الحرس الإيرانيّ تعطيل اتّفاق بكين (2/2)

خلال المفاوضات التمهيدية، قبل توقيع اتفاق الصين بين المملكة العربية السعودية وإيران في عاصمة الصين، بكين، برزت تناقضات عديدة داخل الوفد الإيراني المفاوض، بين الحرس الثوري من جهة، ووزارة الخارجية من جهة أخرى، وبينهما المرشد أو مراكز قوى أخرى… وحاول الحرس الثوري أكثر من مرّة فرض وجهة نظره، فكاد الاتّفاق أن يتعطّل.

ظهر التباين في الآراء بين ممثّلي الحرس الثوري الإيراني في الوفد المفاوض، وبين بقيّة أعضاء الفريق الإيراني، على امتداد أيام التفاوض في بكين. لكن ما ظهر أيضاً حينها أنّ صلاحيات واسعة ومطلقة كانت بحوزة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الذي تدخّل أكثر من مرّة مع أعضاء الوفد الإيراني لتغيير بعض مواقفهم المتشدّدة ولإيقاف مناوراتهم. بينما لم يظهر جانب من هذا التفاوت أو التباين لدى الوفد السعودي الذي كان برئاسة مستشار الأمن الوطني مساعد العيبان يرافقه فريق عمله وأعضاء من فريق عمل وزير الخارجية فيصل بن فرحان.

 كان واضحاً على مدى هذه الأيام بحسب ما يروي أحد المشاركين، وجود شخصين مع الوفد الإيراني، مهمّتهما المراقبة وتسجيل الملاحظات فقط، مع التزام صمت تامّ وعدم المشاركة في أيّ نقاش مع أيّ شخص أو طرف. يكتفيان بمراقبة أداء الفريق الإيراني. وبحسب ما استنتج أحد المعنيّين فإنّ الرجلين كانا من الحرس الثوري، الذي كان ممثّلاً أيضاً بأحد المسؤولين في فريق التفاوض. علماً أنّ ممثّل الحرس في المفاوضات حاول أكثر من مرّة تجاوز بعض النقاط التي طالبت بها السعودية وركّزت على تضمينها في البيان الختامي أو نصّ الاتفاقية.

خلال المفاوضات التمهيدية، قبل توقيع اتفاق الصين بين المملكة العربية السعودية وإيران في عاصمة الصين، بكين، برزت تناقضات عديدة داخل الوفد الإيراني المفاوض

محاولة الحرس الثّوريّ تعطيل اتّفاق الصّين

  • عندما طالب الوفد السعودي بأن يكون الاتفاق بضمانة رسمية صينية، رفض ممثّل الحرس ذلك، معتبراً أنّ إيران والسعودية هما دولتان إسلاميّتان ويجب أن لا يتمّ إدخال طرف غير مسلم بين المسلمين. رفض الوفد السعودي الذريعة الإيرانية، التي ربّما كانت بالنسبة إلى الحرس فرصة للتنصّل من أيّ بند من بنود الاتفاق. حينها أثار الوفد السعودي الأمر مع رئيس الوفد الإيراني علي شمخاني الذي أمر بالسير كما تريد السعودية، وكانت هذه نقطة أولى.
  • عندما تمّ التوصّل إلى النصّ النهائي للاتفاق، جرى النقاش في اللغة الرسمية التي سيتمّ اعتمادها، فاختيرت اللغات الصينية، العربية، والإيرانية. لكنّ الوفد السعودي طالب بوضع نسخة باللغة الإنكليزية يتمّ اللجوء من خلالها إلى الجهات الدولية المختصّة في حال حصل أيّ خلاف. هنا رفض الإيرانيون أيضاً، وتحديداً ممثّل الحرس، لكنّ شمخاني عاد وأمر بالموافقة على الاقتراح السعودي.
  • أمّا النقطة الثالثة، فحصل نقاش في المسمّى الذي سيتمّ اختياره لهذا الاتفاق، باللغة الإنكليزية، فاختارت السعودية مصطلح “اتفاقية”، بينما الوفد الإيراني رفض وطالب بإيجاد كلمة أخرى. حينها سأل أحد أعضاء الوفد السعودي الإيرانيين عن المصطلح الذي استخدموه في اللغة الفارسية. فكان الجواب بأنّ الكلمة الفارسية تعني “اتّفاقاً”، وحينها قال السعوديون إنّه ليس من داعٍ لتغيير الكلمة المعتمدة في النصوص الثلاثة في النصّ الذي سيعتمد بالإنكليزية. وحينها أيضاً تدخّل شمخاني لحسم الأمر.

شمخاني يفرض وجهته… بصلاحيّاته

ظهر شمخاني كصاحب صلاحيات مطلقة، وعندما بدأت الاجتماعات أبرز ورقة رسمية مكتوبة تشير إلى أنّه مفوّض باسم مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي بالوصول إلى اتّفاق مع المملكة العربية السعودية، وهذا يعني أنّ الاتفاق حصل بناء على إرادة خامنئي ولا أحد غيره، ولذلك كان هناك تجاوز لكلّ اعتراضات الحرس الثوري.

يوفّر الاتفاق السعودي الإيراني بعداً استراتيجياً هدفه المستقبل، لأنّ أبرز بنوده تنصّ على وقف الاحتدام في المواجهة، والبحث عن سبل سياسية ودبلوماسية

عمليّاً، يوفّر الاتفاق السعودي الإيراني بعداً استراتيجياً هدفه المستقبل، لأنّ أبرز بنوده تنصّ على وقف الاحتدام في المواجهة، والبحث عن سبل سياسية ودبلوماسية وعدم استخدام دول المنطقة كأرض وساحات لهذا الصراع، والحفاظ على سيادة الدول، والبحث عن اتفاقيات مشتركة أو استثمارات مشتركة.

أسلحة إيران… بين المزاح والجدّ

اللافت أنّه في معرض المفاوضات قال أحد المسؤولين الإيرانيين إنّ طهران تنوي الدخول في برنامج تعاون عسكري مع السعودية وإطلاعها على ما لدى طهران من أسلحة متطوّرة للتعرّف عليها، فسارع العيبان بسرعة بديهته بالإجابة: “اختبرناها في بقيق ونعرفها جيّداً”. وهو ما جعل أعضاء الوفد الإيراني يغرق بعضهم في ضحك وبعضهم الآخر في صمت.

إقرأ أيضاً: بن سلمان “أنقذ” موسم الحجّ… من خطّة إيرانيّة (1/2)

تتمسّك السعودية بالاتفاق مع إيران، كما تتمسّك بالعلاقة الجيّدة مع الصين ومع الولايات المتحدة الأميركية، ولا تريد لأيّ تقارب مع أيّ من الأطراف الثلاثة أن ينعكس سلباً على الطرفين الآخرين. فالمشروع ذو بعد استراتيجي غايته إرساء الاستقرار في المنطقة ومحيطها، وستستغلّه السعودية لتعزيز وضعيّتها الداخلية على مستويات متعدّدة، وعلى مستوى المنطقة أيضاً. وفي حال واصلت طهران سياسة التقارب فستكون مستفيدة. أمّا في حال الخلل والعودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً، فحينها ستكون متغيّرات كبيرة قد حصلت من الاتفاق مع أميركا، إلى انزعاج الصين من إيران لنقضها الاتفاق الذي عُقد برعايتها، بالإضافة إلى دخول إيران في أزمة جديدة سياسية واقتصادية سيكون انعكاسها مستمرّاً على الدول التي تدّعي سيطرتها عليها.

مواضيع ذات صلة

ما حدود التّفويض الذي منحه السّيّد لبرّي؟

أكثر فأكثر تتراكم علامات الاستفهام حول موقف الحزب الحقيقي ممّا يجري في كواليس المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 على خطّ بيروت-واشنطن-تل أبيب…

أوكرانيا تجنّد الجهاديّين الذين يحاربهم الغرب وأميركا!!

تستغلّ أوكرانيا انشغال العالم بالنزاع المتدحرج في الشرق الأوسط نحو حرب مفتوحة للتوسّع في سياسات تجنيد تتّسم بالخطورة على الأمن القومي الأوروبي، وذلك بهدف تعويض…

واشنطن وبرّي.. يحميان المطار؟

أصدر لبنان إشعاراً جوّياً (NOTAM) يتعلّق بعمليات هبوط الطائرات المدنية والعسكرية في مطار رفيق الحريري الدولي، يطلب من جميع شركات الطيران الأجنبية إعادة التقدّم بطلب…

لغز “رئيس الـ86″… ونتنياهو يسوّق خسارته البرّيّة..

بالتوازي بين الميدان والسياسة، كلّ العوامل يتمّ إنضاجها لتترافق مع الحلّ سلسلة خلاصات ستترجم في قرارات دولية ستغيّر المشهد السياسي في لبنان. في الجنوب اشتباك…