تخيّرنا إسرائيل، أفراداً وأحزاباً وجماعات وشعوباً، بين أن نكون معها أو نكون ضدّها. كلا الخيارين يقودان إلى الموت، طعناً من الخلف أو قصفاً من الأمام.
محاربة إسرائيل تجبّ ما قبلها وما بعدها أيضاً. جرّ الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر على بلاده الويلات. جلب إليها نكسةً لا تزال تعاني من آثارها حتى اليوم. على الرغم من ذلك، لا يزال اسمه يتردّد يومياً في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه. وترداد اسمه يومياً بعد أكثر من نصف قرن على وفاته سببه الرئيس أنّه حارب إسرائيل.
لاحقاً، دمّر الرئيس صدّام حسين العراق، وزجّ فيه جيوش العالم كلّها. كان الشعار الذهبي آنذاك “يا صدّام ويا حبيب… اضرب اضرب تل أبيب”. كان صدّام حسين على قدرٍ من الحذاقة، فلم ينقَد إلى الشارع. اعتقل وسجن وعاقب وقتل، بل تفنّن في إلغاء كلّ آخر، وعلى الرغم من ذلك تصبو إليه أفئدة الملايين، ومنهم من عانى الأمرّين في عهده. يرجع ذلك إلى قصفه تل أبيب بصواريخ سكود مطلع تسعينيات القرن الماضي.
تخيّرنا إسرائيل، أفراداً وأحزاباً وجماعات وشعوباً، بين أن نكون معها أو نكون ضدّها. كلا الخيارين يقودان إلى الموت، طعناً من الخلف أو قصفاً من الأمام
منذ النكبة عام 1948، وإسرائيل هي المعيار بالنسبة لشعوب العالم العربي. من حاربها عاش وحكم وخلد، سواء نكّل بشعبه وبدّد ثرواته أو طغى وتجبّر. باسم محاربة إسرائيل ومواجهتها، جثمت فوق صدورنا أنظمة عربية، وارتكبت في حقّنا، أفراداً وشعوباً، جرائم بمختلف الأنواع والأشكال. قاتِل إسرائيل وخُذ ما تشتهي. هذه هي قاعدة الشعوب العربية الذهبية.
عدوّ لا مفرّ منه
شكّل قيام إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محطّةً مفصليّةً وفارقةً في التاريخ العربي. ما بعدها ليس كما قبلها في نواحي الحياة كلّها، خاصة في دول الطوق التي تربطها حدود جغرافية بفلسطين المحتلّة. الحرب معها قائمة حتى على أدقّ التفاصيل. تبدأ بالفتّوش والتبّولة ولا تنتهي عند الأراضي والوجود نفسه. تريد إسرائيل كلّ شيء لها. تسعى إلى تسجيل المازات الشاميّة كأكلات يهودية تاريخية، وأن تسرق الفولكلور المحلّي والأغاني التراثية واللباس والأزياء، كما تقضم الأراضي وتحتلّ النفوس.
بجوار إسرائيل، لا يمكن أن تكون محايداً. عقيدتها وأساطيرها الدينية وعدوانيّتها وقيامها على أراضٍ ليست لها والجرائم التي ترتكبها، تحتّم على المرء الوقوف ضدّها ومحاربتها. وهنا مكمن المشكلة: كيف نحارب إسرائيل؟
حاولت إسرائيل قتل عرفات وهو يقاتلها من بيروت والجنوب اللبناني، وقتلته في المقاطعة في رام الله. قاتلته وهو يحمل البندقية ونجا بأعجوبة أكثر من مرّة
كيف نحارب؟
عند الشعوب العربية القتل والقتال هما السبيل الوحيد معها. معها لا مجال لسلم أو حرب أو حوار أو حتى هدنة. في فلسطين، رفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مطلب الدولة الفلسطينية والسلام العادل. نُبذ وتضاءل حجم تمثيله وهُدّدت شرعيّته، على الرغم من أنه حاول قدر الإمكان الحفاظ على أرواح وممتلكات ولقمة عيش الفلسطينيين على أراضي الدولة الفلسطينية المزعومة والمنشودة. سار عباس على نهج ياسر عرفات، ونسي أنّ الأخير قُتِل مسموماً في المقاطعة.
حاولت إسرائيل قتل عرفات وهو يقاتلها من بيروت والجنوب اللبناني، وقتلته في المقاطعة في رام الله. قاتلته وهو يحمل البندقية ونجا بأعجوبة أكثر من مرّة، وقاتلته وهو يحمل غصن الزيتون بيده. لا خيار مع إسرائيل سوى معارضتها والموت في سبيل ذلك، أو ممالأتها والموت في سبيل ذلك أيضاً. الأمثلة لا تُعدّ ولا تحصى من السادات إلى عرفات.
السنوار… جديد النّضال الفلسطينيّ
في غزّة، شنّ يحيى السنوار القائد الحمساويّ “طوفان الأقصى” على إسرائيل. عملية استثنائية وغير متوقّعة انتظرها كثرٌ وهلّلت لها شريحة واسعة من الشعوب العربية. هو بطل عندهم، على الرغم من الدمار الهائل وآلاف القتلى والجرحى. ما جرّه على القطاع يجبّه أنّه قاتَل إسرائيل.
كلّنا ضدّ إسرائيل. هذا وحده بالنسبة لها سبب إضافي لقتلنا، يضاف إلى أسبابها الدينية والعقائدية والسياسية والاقتصادية والديمغرافية وحتى الوجودية
في لبنان يتكرّر الأمر نفسه. يجرّ الحزب الويلات على البلاد، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وعسكرياً. في الجنوب اليوم قرى بقضّها وقضيضها سُوّيت بالأرض. على الرغم من ذلك يهلّل الناس للأمين العام للحزب حسن نصر الله. فعلوا ذلك في حرب 2006، التي خرج منها أيقونةً على أنقاض الدمار الهائل. كذلك سيخرج غداً حين تنتهي الحرب.
كلّنا ضدّ إسرائيل. هذا وحده بالنسبة لها سبب إضافي لقتلنا، يضاف إلى أسبابها الدينية والعقائدية والسياسية والاقتصادية والديمغرافية وحتى الوجودية. أمّا كيف تكون ضدّها، فمجرّد السؤال سبب ليدخل على الخطّ قاتل ثانٍ هو الشعوب العربية، أو غالبيّتها. السلاح والدم والقتل والقتال وحدها سبيلنا إلى تحرير فلسطين وإزالتها. أيّ تفكير في منحى آخر، أو في قتال بلا دم، يضع صاحبه في قفص الاتّهام. يحيله عميلاً وخائناً يجب أن يُقتَل ويُنبَذ.
إقرأ أيضاً: ساعات جنرالات إسرائيل على توقيت واشنطن
في بلادنا عليك أن تكون ضدّ إسرائيل بالسلاح والدم، ولا يكفي أن تكون ضدّها فحسب. عندنا السلاح وحده زينة الرجال. لا المال ولا العلم ولا الثقافة ولا غيرها. ربّما ينفع العلم والمال، لكن إن كانا في خدمة السلاح. احمل سلاحك ووجّهه إلى إسرائيل، وافعل ما تشاء. بإمكانك أيضاً أن تحمله لمواجهة إسرائيل وتوجّهه إلى غيرها. حمل السلاح لمواجهة إسرائيل جواز سفر إلى قلوب الشعوب العربية، وشفيع لك في كلّ ما تفعل. حمل السلاح أيضاً يجبّ ما قبله وما بعده.
إسرائيل والشعوب العربية لا تجيدان سوى لغة الدم والثأر.
لمتابعة الكاتب على X: