تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة بين خطابين متضاربين. خطاب موجّه للعرب تتنافس من خلاله كقوّة سياسية إقليمية، وآخر موجّه للغرب يقدّمها كنموذج محايد لحلّ النزاعات بين الأطراف المتحاربة، وهو الدور الذي شدّد عليه ماجد الأنصاري، المتحدّث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، خلال زيارته لاستوكهولم أخيراً بغرض إلقاء الضوء على جهود بلاده في التوسّط بين حماس وإسرائيل.
خلال مشاركته في عدد من المنتديات المنظّمة من قبل المعهد السويدي للشؤون الدولية ومعهد أبحاث السلام سيبري، وصف الأنصاري بلاده بـ “الوسيط العالمي” قائلاً إنّه دور يحرص عليه القطريون كجزء من الهويّة الوطنية. وتناول تحدّيات الوساطة الحالية بين إسرائيل وحماس، التي بدأت بطلب من الولايات المتحدة وباستجابة فورية من قطر لإيمانها بالسلام وإدراكها لعواقب الحرب الوخيمة على المنطقة بأكملها.
قطر سئمت الوساطة بين حماس وإسرائيل
هكذا قالها الأنصاري بصراحة في استوكهولم مؤكّداً أنّ قطر تعبت من دورها في التوسّط بين الطرفين، واصفاً هذه الجولة بأنّها من أصعب الجهود التي استمرّت لسبعة أشهر بدون سابقة، معبّراً عن رفض بلاده لأن تُستخدم كأداة لتمديد مدّة الحرب من قبل الطرفين أو تُستغلّ من قبل “المتصنّعين السياسيين”. وفي حال عدم التعامل بجدّية من قبل الجانبين، ستبحث قطر عن “ساحة أخرى لصنع السلام”. ولاحظ الجميع استخدام الأنصاري لمصطلحات “الجانبين” و”الطرفين”، الأمر الذي يعكس وقوف قطر على مسافة واحدة بين إسرائيل وحماس، على الرغم من الصورة المختلفة التي تعكسها قناة الجزيرة من خلال دعمها المعنوي لحماس واتّهامها لإسرائيل بالاستهداف المتعمّد لصحافيّي القناة. الأمر الذي تداركه الأنصاري فأكّد عدم وجود أيّ صلة حكومية رسمية لقطر بالقناة، مؤكّداً استقلال الأخيرة ومصداقيّتها أمام الجمهور العربي والدولي، مستنداً إلى نسبة المشاهدة المرتفعة لتغطيتها المباشرة التي تفوق أيّ نسبة أخرى في المنطقة.
تاريخ طويل من التفاوض الدبلوماسي بين القوى المحلّية والعالمية أعطى قطر القدرة على المراوغة بين خطابين متضاربين
كان لدور قطر في التوسّط بين الولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان حضور بارز في إحدى الجلسات، حيث شرح الأنصاري تفاصيل هذه الجهود ونتائج المحادثات، بما في ذلك قبول حركة طالبان بالسماح للمرأة بالمشاركة في مجال العمل نتيجة قدرة قطر على إقناع قادة الحركة. وتحدّث أيضاً عن ثقة طالبان بقطر نتيجة لهذه المحادثات، وهو ما أدّى إلى استقبالها مسؤولين قطريين في أفغانستان في حدث غير مسبوق. وعلى الرغم من أنّ زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة لقطاع غزة في عام 2012، بعد سيطرة حماس عليها، لم تأتِ في الاعتبارات الأوّلية للأنصاري، إلا أنّها كانت أيضاً تعتبر زيارة تاريخية لقطر لمنطقة تشكّل محور الاهتمام الرئيسي في زيارته لاستوكهولم.
هل حقّاً ترغب حماس وإسرائيل في التوصّل إلى اتّفاق؟
قال الأنصاري في تصريح لإحدى الصحف إنّ من الصعب للغاية أن نعرف ما إذا كانت حماس وإسرائيل ترغبان فعلاً في التوصّل إلى اتفاق، معبّراً عن تشكّكه في جدّية الجانبين، خصوصاً بعد تعرّض دور قطر كوسيط لانتقادات من قبل ممثّلي الطرفين على الرغم من إدراك الجميع أنّ تحقيق السلام هو مسؤوليّتهما في النهاية، بحسب تعبيره. وأعرب عن استيائه من الحملة السلبية التي تشنّها بعض الدول ضدّ قطر، مؤكّداً أنّ ذلك لن يثني البلاد عن مواصلة “واجبها نحو السلام”، كما حدث في لبنان، حيث استطاعت قطر خلق فرصة للسلام على الرغم من التّحدّيات واستحالة التصديق أنّ “من الممكن خلقها في لبنان”. كما دعا جميع دول العالم إلى مساعدة قطر في الضغط على حماس وإسرائيل للتوصّل إلى اتّفاق. وأشار الأنصاري في إحدى الجلسات إلى أنّ الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في حثّ إسرائيل على القبول بهدنة لوقف إطلاق النار، لكن حتى الآن لم تمارس هذا الدور بجدّية على إسرائيل.
كان لدور قطر في التوسّط بين الولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان حضور بارز في إحدى الجلسات
هذا في الوقت الذي تهدّد فيه قطر بإغلاق مكتب حماس السياسي في حال لم تثبت حماس جدّيتها في المفاوضات، بحسب الأنصاري، وهو تصريح يتوافق مع ما ذكرته وكالة رويترز في وقت سابق عن “مسؤول مطّلع” رفض الكشف عن هويّته، من أنّ قطر تهدّد حماس بالطرد في حالة عدم جدّيتها أو عدم اضطلاع قطر “بدور وساطة”. والمقصود هنا وساطة موازية تقوم بها حماس في مكان آخر، دون تحديد الطرف المقابل.
إقرأ أيضاً: السويد تخاف الحرب وتستعدّ لها..!
على الرغم من عدم إمكانية التنبّؤ بالتطوّرات وكثرة الأقاويل عن محادثات جانبية تحدث بين العديد من اللاعبين، فإنّ مصدراً دبلوماسياً مطّلعاً أعرب عن تشاؤمه في حديث جانبي في إحدى الجلسات التي حضرها الأنصاري، مشيراً إلى أنّ التراخي الأميركي يمكن أن يكون مردّه إلى تزامن محادثات قطر الحالية بين حماس وإسرائيل للوصول إلى هدنة مع محادثات في مكان آخر مع المملكة العربية السعودية للوصول إلى تطبيع مقابل اتفاقات أمنيّة تلتزم بها الولايات المتحدة حماية المملكة من أيّ خطر خارجي، وتحديداً خطراً إيرانياً. وأكّد المصدر أنّ الرئيس بايدن لن يسمح بانتهاء ولايته قبل حصد ثمار تلك المحادثات، وهذا ما يعني أنّ المنطقة تمرّ بفترة دقيقة وحسّاسة جداً يمكن أن تفضي إلى “سلام أشمل أو حرب أوسع”. وبحسب المصدر، فإنّه حتى في حال توصّلت حماس وإسرائيل إلى اتفاق هدنة مؤقّتة في الأيام المقبلة، فلا يمكن ضمان عدم اشتعال الحرب من جديد ردّاً على أيّ قرارات أميركية بإقرار إعلان دولة فلسطين منزوعة السلاح.