قمّة البحرين تستعيد القضيّة من الانحياز الأميركيّ والتوظيف الإيرانيّ؟

مدة القراءة 7 د

هل تقتنص المنظومة العربية فرصة القمّة المقبلة في البحرين من أجل استعادة القضية الفلسطينية إلى إطارها العربي؟ أم اختلال ميزان القوى مع أميركا سيدفع واقعيّاً للتسليم بالعجز عن وقف إعاقتها لقيام الدولة الفلسطينية، على الرغم من إعلانها تأييدها؟

هناك ترقّب لمدى قدرة الدول العربية على خفض تأثير إيران الفلسطيني، والإفادة من تأثيرات غزّة على المشهد الانتخابي الأميركي لمصلحة الفلسطينيين. قد لا يتمّ ذلك سريعاً، لكنّ انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية إشارة إلى بداية تحوّلات داخلية.

 

في 16 أيار يعود القادة العرب إلى اجتماعهم السنوي الروتيني وسط تحدّي إمكان ابتداع أفكار من خارج الصندوق. وحتى اللحظة يكمن الإنجاز العربي في التعاطي مع الحرب على غزة برفض تهجير سكّانها. فواشنطن اقترحت في الشهر الثاني من الحرب توزيع زهاء مليون منهم بين مصر والأردن والسعودية. لكنّ الدول الثلاث أبلغت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رفضها القاطع للفكرة، وصمدت على موقفها.

إصرار قوى الاستيطان

إلّا أنّ حكّام إسرائيل الحاليين يعملون، تارة علناً وأخرى ضمناً، لهذا الهدف. فقوى الاستيطان الإسرائيلي الممثّلة في حكومة بنيامين نتنياهو، بالوزيرين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، تقاوم مشروع الهدنة لمصلحة الترانسفير. وتهديد الأخير لنتنياهو أول من أمس بالانسحاب من الحكومة إذا قبل بالاقتراحات المصرية للهدنة منطلقه العميق أنّ الحرب تمهيد للاستيطان. فهذه القوى تتحرّك منذ انعقاد “مؤتمر العودة للاستيطان في غزة والتهجير الطوعي للفلسطينيين” في كانون الثاني الماضي.

في 9 نيسان كشفت النائبة في الكنيست ليمور سون هار ميلخ، عن “خطط سرّية للاستيطان في غزة، وعمل حثيث في المكاتب الحكومية لذلك”. عرّابة استيطان القطاع وأحد أشدّ قادته، دانييلا فايس، دعت إلى ترحيل الفلسطينيين: “اليهود سيستوطنون غزة ولن يكون فيها عرب”.

في 16 أيار يعود القادة العرب إلى اجتماعهم السنوي الروتيني وسط تحدّي إمكان ابتداع أفكار من خارج الصندوق

عدم الركون لإنجاز رفض الترانسفير

تقتضي هذه الحقائق وغيرها عدم الركون إلى تحقيق المنظومة العربية إنجازاً بوقوفها في وجه المسايرة الأميركية لخطط الترانسفير. وليس عن عبث تحذير الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل يومين في المنتدى الاقتصادي في الرياض، من التهجير بتكرار مأساتَي 1948 و1967. فكلامه جاء في سياق الحديث عن مسألتين:

– الأولى أنّ إسرائيل لا تنتقم في غزة من “حماس”، بل من الشعب الفلسطيني، وأميركا الدولة الوحيدة القادرة على وقف اجتياح رفح. وكرّر تخوّفه من نقل إسرائيل خطط التهجير المكثّف نحو الضفة بعد وقف الحرب في القطاع.

– الثانية أنّنا نعمل على حلّ سياسي يجمع غزة والضفة الغربية في دولة فلسطينية مستقلّة، ويجب أن يتوقّف القتال في غزة فوراً. أي أنّه ربط الحديث الأميركي عن حلّ الدولتين بوقف القتال. إذ لا يمكن القول بهذا الحلّ والسماح لإسرائيل بمواصلة حملتها العسكرية.

الفِخاخ الأميركيّة الإسرائيليّة

تعتقد شخصيات عربية تعمل على اليوم التالي للحرب أنّ هناك مشاريع غربية وأميركية لإزاحة الأنظار عن الحلّ السياسي بالدولتين. ويكمن ذلك في العديد من التوجّهات الأميركية:

1- الإكثار من الحديث عن تسلّم السلطة الفلسطينية القطاع، مع اشتراط إصلاحها بتخلّي أبي مازن عن صلاحيّاته لمصلحة الحكومة واستبعاد “حماس”. يستبطن ذلك إقحام القوى الفلسطينية ومعها الدول العربية في الخلافات الداخلية وامتداداتها الإقليمية مع إيران وتركيا… ويذكّر هذا التوجّه بشروط إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش تقليص صلاحيّات الرئيس الراحل ياسر عرفات. كان الهدف إغراق الجسم الفلسطيني بمقولة الإصلاحات، وهو ما أتاح لأرييل شارون أن يقول إنّه لا شريك فلسطينياً في عملية السلام. وتزامن هذا السلوك مع اتّهام أبي عمّار بتشجيع انتفاضة عام 2000 ضدّ الاحتلال، التي اندلعت إثر اقتحامه باحة الأقصى. كما اتّهمته واشنطن وتل أبيب بتشجيع الإرهاب، بسبب العمليات الانتحارية ضدّ الجيش الإسرائيلي التي تخلّلت الانتفاضة.

تشكّل الخطّة إغراءً لبعض الدول العربية حول جدّية الحلّ السياسي لكنّها في حال تعثّر حلّ الدولتين  يأخذ الأمر بعداً آخر

انزلقت دول عربية إلى موقع حرج جرّاء هذا الاتّهام، في وقت كان همّها التبرّؤ من تهمة احتضان الإرهاب بعد “غزوة القاعدة” في 11 أيلول. يتكرّر المشهد نفسه حيال “حماس” مع نتنياهو وتأييد جو بايدن القضاء على قدراتها العسكرية، واتّهام السلطة الفلسطينية بتغطية “إرهاب” الحركة. الأهمّ ألّا تغرق الدول العربية في شروط فرض تركيبة فلسطينية جديدة، فتعجز جرّاء تعقيدات الداخل الفلسطيني عن تحقيق ما تشترطه واشنطن. هذا الغرق أدّى إلى استخدام حجّة عدم تجاوب السلطة مع المطلوب منها، لتبرير الانكفاء العربي عن القضية. وهو ما أتاح لإيران أن تملأ الفراغ.

خطّة إعماريّة لإغراء دول عربيّة؟

2- أنّ واشنطن بدأت منذ تشرين الثاني الماضي التحضير لـ”اليوم التالي” وسط خلوّ جعبتها من الأفكار، تاركةً المجال للتطوّرات الميدانية. لكنّ فرقاً عدّة في البيت الأبيض والخارجية توصّلت إلى ملامح خطّة لمستقبل غزة الاقتصادي، وفق “نيويورك تايمز” أوّل من أمس. نسبت الصحيفة الخطّة إلى “وكالات تنمية ورجال أعمال”، وتقوم على تحويل غزة إلى “مركز تبادل تجاري سياحي وإبداعي”. وتشمل إقامة مرفأ كبير ومحطّة تحلية مياه ضخمة وإقامة منظومة صحّية حديثة… مع ربط القطاع بالضفة الغربية عبر كوريدور برّي (الفكرة مطروحة في المرحلة النهائية في اتفاق أوسلو عام 1993). كلفة إعمار البنية التحتية وحدها وفق البنك الدولي 18.5 مليار دولار، فيما المشاريع تتطلّب ضخّ عشرات المليارات. يضاف إليها صكّ عملة فلسطينية جديدة بدل “الشيكل” الإسرائيلي، تكرّس “الاستقلالية الفلسطينية”… المرفوضة إسرائيلياً.

الدول العربية

تشكّل الخطّة إغراءً لبعض الدول العربية، حول جدّية الحلّ السياسي. لكنّها في حال تعثّر حلّ الدولتين كما تعثّر تطبيق اتفاق أوسلو، يأخذ الأمر بعداً آخر. فأقصى ما قدّمه الجانب الإسرائيلي في السنوات الماضية هو تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين مع الإبقاء على الاحتلال. ولن تكون المرّة الأولى التي تخيّب واشنطن القادة العرب كما فعل باراك أوباما حين تعهّد وقف المستوطنات ولم يفعل. في هذه الحال تكون واشنطن وضعت أرضيّة لاستثمارات ماليّة عربية في القطاع من دون مكاسب سياسية لدولها وللفلسطينيين.

 الأهمّ ألّا تغرق الدول العربية في شروط فرض تركيبة فلسطينية جديدة فتعجز جرّاء تعقيدات الداخل الفلسطيني عن تحقيق ما تشترطه واشنطن

تزامن تسريب المعطيات حول الخطّة مع بدء الجيش الأميركي إنشاء الرصيف العائم على شاطئ القطاع. بعض الخبراء سبق أن اعتبروا أنّه في وقت يقال إنّه مؤقّت، سيكون دائماً لوظائفه الكثيرة.

التعاون مع إيران أم التشدّد اتّجاه أميركا ومعها؟

3- دخلت إيران حلبة الصراع العسكري عبر أذرعها، ثمّ مباشرة، إثر استبعادها عن مداولات وقف الحرب، لتفريغ استثمارها بـ”حماس” من وزنه. حاجة بايدن إلى إدارة المواجهات معها لتجنّب توسيع الحرب أعادت دورها إلى الواجهة فيما وقفت الدول العربية غير فاعلة، سواء في المواجهة أو في التهدئة. وعلى الرغم من أنّ بعضها لعب دور ناقل الرسائل بين واشنطن وطهران، فإنّ انعقاد القمّة العربية فرصة بنظر بعض النخب العربية من أجل خيار من اثنين:

– أن تستفيد من قدرة طهران الضاغطة عسكرياً على الدور الأميركي المنحاز لإسرائيل، بعد تسوية معها تتناول مواقع نفوذها الإقليمي. وهذا يعني الوقوف إلى جانبها ضدّ العقوبات التي تنهك اقتصادها، وانكفاءها في عدد من الدول العربية، والتسليم لها بدورها في غيرها، مقابل الاستقواء بها في موازين المواجهة مع إسرائيل.

إقرأ أيضاً: التصعيد ضدّ أذرع إيران… تقابله مرونة لإنقاذ رفح؟

– أن تبدي الدول العربية تشدّداً حيال المناورات الأميركية لخدمة إسرائيل برفض التطبيع معها، إلا بعد خطوات عملية نحو قيام دولة فلسطينية. وكذلك بتموضع يزيد من التقارب مع الصين وروسيا على المسرح العالمي لخفض النفوذ الإيراني إقليمياً. فإدارة بايدن ما زالت تعتمد سياسة الحاجة إلى إيران وسيلة ضغط على الدول الخليجية الرئيسة لإحداث توازن مع تنامي دورها الاقتصادي. لكنّ شرط ذلك توحيد موقفها حيال إيران وأميركا معاً.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

إيلي صعب.. إيلون ماسك والمرشد

كان يمكن لمحاولات إيران التهدئة مع الولايات المتحدة، عبر تقارير عن مفاوضات بين سفيرها في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني ‏والملياردير الأميركي إيلون ماسك (نفتها…

المعارضة تستعين بالمماطلة لتعطيل ترامب؟

الفوز الكبير الذي حقّقه دونالد ترامب والحزب الجمهوري في انتخابات مجلسَي النواب والشيوخ، زاد من قناعة الرئيس المنتخب بأنّ الشعب الأميركي منحه تفويضاً لقيادة البلاد…

واشنطن وطهران: إدارة صراع أم صفقة؟

لم يكن الموقف الإيراني من انتخاب الرئيس الأميركي الجديد – القديم دونالد ترمب موقفاً سلبياً بالكامل، ولم يكن في الوقت نفسه إيجابياً أيضاً. فالحذر الشديد…

أسرار تسميات ترامب: مصيرنا بيد إيلون ماسك

يرسم المتابعون والعارفون بعقل دونالد ترامب في واشنطن صورة واضحة لما يفكّر فيه الرجل، وما سيقوم به، خصوصاً بما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط.   يعترفون…