“كان هجوم إيران الصاروخي وبالطائرات بدون طيار على إسرائيل بمنزلة تصعيد يغيّر قواعد اللعبة ويتطلّب من إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة تفكيراً جديداً”، يسمّيه المحلّل السياسي والكاتب الأميركي توماس فريدمان “حلّ الدول الثلاث“، الذي يبدأ في رأيه بـ “الاعتراف بأنّه ربّما لا يوجد أيّ أمل في حلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو الصراع الإسرائيلي الإيراني دون تغيير القيادة في طهران والقدس ورام الله”.
في ما يتعلّق بإيران، لا يؤيّد المحلّل السياسي والكاتب الأميركي توماس فريدمان “أيّ محاولة غربية للإطاحة بجمهورية إيران الإسلامية من الخارج”، بل يدعو “الله أن يقوم الشعب الإيراني بذلك ذات يوم من الداخل”.
ويعتقد، في افتتاحيته بجريدة “نيويورك تايمز” الأميركية، أنّه “بالنظر إلى عدد المرّات التي تحدّى فيها الإيرانيون نظامهم الثيوقراطي وقبضته الحديدية، أنّ الإرادة لتحقيق هذا التغيير موجودة وعلينا فقط أن نأمل أن يجدوا طريقة في يوم ما قريباً”. ويذكّر بواقع أنّ “إيران وإسرائيل كانتا ذات يوم حليفتين طبيعيّتين، والقوّتين غير العربيّتين الرئيسيّتين في الشرق الأوسط. لكن تغيّر ذلك قبل الثورة الإسلامية عام 1979 التي أقامت نظاماً أعطى الأولوية لنشر أيديولوجيّته الإسلامية وتدمير دولة إسرائيل اليهودية على حساب رفاهية الإيرانيين. ولو تصبح إيران مجرّد دولة طبيعية تعطي الأولوية لتقدّم شعبها على تدمير شعب آخر، فسيكون ذلك بمنزلة تغيير كبير في المنطقة”.
“سلطة عباس فاسدة وغير كفوءة”
أما بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية في رام الله، فيوضح فريدمان أنّ هناك حاجة إلى تغيير السلطة الفلسطينية التي يعتبرها “فاسدة وغير كفوءة”، التي يقودها محمود عباس. فالسلطة الفلسطينية القويّة هي حجر الزاوية في أيّ سلام إسرائيلي فلسطيني وتحالف عربي إسرائيلي غربي مستدام لردع إيران أو مواجهتها.
لذا فإنّ أكثر ما يجب الدفع من أجله هو “تحويل السلطة الفلسطينية إلى مؤسّسة حكم فعّالة ذات قيادة مهنيّة وغير فاسدة وخاضعة للمساءلة أمام المانحين. فهذا النوع من السلطة الفلسطينية هو الذي يمكن أن يكون شريكاً في حلّ الدولتين مع إسرائيل ويحلّ محلّ القوات الإسرائيلية. وكذلك الجيوش العربية الصديقة. ويحكم غزّة بدلاً من حماس الموالية لإيران”.
في ما يتعلّق بإيران، لا يؤيّد المحلّل السياسي والكاتب الأميركي توماس فريدمان “أيّ محاولة غربية للإطاحة بجمهورية إيران الإسلامية من الخارج”
ينتقد فريدمان في هذا السياق عدم تحرّك إدارة بايدن عندما عيّن عباس حكومة “جديدة” بقيادة صديقه القديم رجل الأعمال محمد مصطفى. إذ لم تكن تلك حكومة التغيير التي يحتاج إليها الشعب الفلسطيني بشدّة ويطالب بها العرب المعتدلون. ويشير إلى وجود “وفرة من المواهب القيادية بين الفلسطينيين من ذوي التعليم العالي والقادرين”. كما يلفت إلى أنّ دولاً مثل الإمارات العربية المتحدة على استعداد للتدخّل وتقديم المشورة والتدريب والتمويل لسلطة فلسطينية متحوّلة، بل وحتى الوقوف إلى جانبها في غزة بالقوات المسلّحة، لكنّ هذا لن يحدث قبل أن يتقاعد الرئيس عباس. فالسلطة بحاجة إلى مؤسّسيّ أثبت جدارته وغير فاسد على غرار رئيس الوزراء السابق سلام فياض، أفضل نموذج للقيادة الفلسطينية على الإطلاق.
نتانياهو و”مصالحه” الشخصية
أمّا بالنسبة لضرورة تغيير القيادة في إسرائيل، فيعتبر فريدمان أنّ نهج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “كان مخزياً، وليس في مصلحة إسرائيل”، وأنّ “أحداً لم يفعل لإحباط ومنع ظهور سلطة فلسطينية فعّالة أكثر منه. إذ أمضى سنوات في التأكّد من أنّ حماس لديها ما يكفي من الموارد من قطر للبقاء في السلطة في غزة، ومنَع أيّ هيئة فلسطينية موحّدة لصنع القرار. مع تشويه سمعة السلطة الفلسطينية عند كلّ خطأ ارتكبته. فلم يثنِ أبداً على السلطة لالتزامها باللاعنف ومساعدتها الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية في منع الضفة الغربية من الانفجار على الرغم من التوسّع الضخم في المستوطنات الإسرائيلية.
كان هجوم إيران الصاروخي وبالطائرات بدون طيار على إسرائيل بمنزلة تصعيد يغيّر قواعد اللعبة ويتطلّب من إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة تفكيراً جديداً
وضيف فريدمان أنّ نتانياهو غزا غزّة بريّاً دون استراتيجية خروج ودون وجود شريك فلسطيني قادر على حكم غزة إلى جانب الجيوش العربية الصديقة. ولن يتعاون مع السلطة الفلسطينية لأنّه يحتاج إلى الاحتفاظ بمنصبه من أجل المساومة، في حالة إدانته بالفساد. وذلك من خلال الاعتماد على الأحزاب اليمينية المتطرّفة في ائتلافه، التي ترفض رؤية السلطة الفلسطينية تصبح هيئة حكم فعّالة. لأنّ ذلك يعني أنّها شريك شرعي لحلّ الدولتين. وهذا من شأنه أن يجبر إسرائيل على التنازل عن كلّ الضفة الغربية أو جزء منها. ولا يشكّل هذا خطراً كبيراً بالنسبة لإسرائيل في ما يتعلّق بمستقبل غزة فحسب، بل أيضاً بالنسبة للمواجهة مع إيران التي ستنتقل إلى مستوى جديد تماماً”.
إسرائيل ضعيفة دون حلفائها الغربيين؟
في رأي فريدمان، “بيّنت عطلة نهاية الأسبوع أنّه لم يكن بوسع إسرائيل التعامل بفعّالية مع الهجوم الصاروخي الإيراني دون تحالف إقليمي وتنسيق وثيق مع دول الخليج العربي، التي وفّرت الكشف المبكر للإنذار. ومع الأردن التي أسقطت فعليّاً صواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية تتّجه نحو إسرائيل. ودون الاعتماد أيضاً على مساعدة القوات الجوّية الأميركية والبريطانية والفرنسية والبحرية الأميركية”.
ونبّه إلى أنّه “من الخياليّ تماماً الاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة والأردن وحلفاء إسرائيل العرب وحلف شمال الأطلسي سيكونون قادرين على مواجهة طويلة مع إيران، والدفاع علانية عن إسرائيل. خصوصاً إذا كانت لدى إسرائيل حكومة مصمّمة على ضمّ الضفة الغربية وإقامة المستوطنات في كلّ قطاع هناك. وكذلك البقاء في غزة دون أيّ شريك فلسطيني شرعي”.
وفي رأيه أنّ ” شعبية إسرائيل تآكلت في جميع أنحاء العالم الغربي منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، علاوة على العالم العربي الإسلامي. والدعم الذي حصلت عليه إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي ضدّ إيران لن يكون مستداماً، إلا إذا أظهرت إسرائيل تغيّراً في موقفها تجاه السلطة الفلسطينية وخطّطت للخروج من غزة”.
يرى فريدمان أن “ليس في مثل هذه الحالة ما هو أكثر فائدة من الناحية الاستراتيجية لإسرائيل. لكنّ هذا لا يمكن أن يحدث ولن يحدث ما بقي نتنياهو في السلطة”
هزيمة حماس بالسلام وليس بالحرب
ختاماً، يتساءل فريدمان: ماذا سيحدث لو أعلنت إسرائيل غداً تجميد بناء المستوطنات الجديدة، والاستعداد لنقل المزيد من مسؤوليّات الحكم والأمن إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، ما إن تقوم ببناء قدراتها، والاستعداد لدعوة الولايات المتحدة، إذا طلبت الإمارات العربية المتحدة والسعودية المساعدة في رفع السلطة الفلسطينية إلى هذا المستوى وتمويل مؤسّساتها؟
ويجيب: ستنكمش كلّ من إيران وحماس، أكثر ممّا يمكن أن تحقّقه أيّ ضربة صاروخية إسرائيلية. وسيكون ذلك بمنزلة كارثة للحرس الثوري الإيراني وحماس. وسيعني أنّهما لن يتمكّنا من الاستمرار في نزع شرعية إسرائيل بسهولة في الغرب. وأنّه تمّت تهيئة الظروف للمعاهدة الأمنيّة الأميركية الإسرائيلية الفلسطينية السعودية. وأنّ الحكومات العربية ستكون قادرة على التعاون بشكل أكثر راحة وصراحة مع إسرائيل ضدّ إيران ووكلائها. وسيعني ذلك أيضاً، وفقاً لفريدمان، أنّ إيران لن تعود قادرة على الظهور كمدافع كبير عن القضية الفلسطينية. وهو الموقف الذي يخفي فقط رغبتها السامّة في تدمير الدولة اليهودية ويصرف الانتباه عن سحقها لشعبها وتطلّعاته الديمقراطية. كما سيعني بالنسبة للغرب وأميركا أنّ التعاون مع إسرائيل ليس بهذه السهولة السياسية، وأنّ تعاون موسكو وبكين مع إيران مؤيّد لحماس، وليس للفلسطينيين.
ويرى فريدمان أن “ليس في مثل هذه الحالة ما هو أكثر فائدة من الناحية الاستراتيجية لإسرائيل. لكنّ هذا لا يمكن أن يحدث ولن يحدث ما بقي نتنياهو في السلطة”.
ويخلص إلى القول: “يمرّ الشرق الأوسط حالياً بفترة فوضوية. ومن المؤكّد أنّ وجود سلطة فلسطينية فعّالة وذات مصداقية وشرعية هو حجر الأساس لكلّ نتيجة لائقة:
– حلّ الدولتين المستدام.
– وتحالف عربي إسرائيلي مستدام ضدّ إيران.
– وسياسة مستدامة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط لحماية إسرائيل الديمقراطية من طهران الثيوقراطية.
– وسحب “ورقة فلسطين” بشكل مستدام من أيدي إيران.
“لكنّ الأمر يتطلّب تحوّلات في القيادة في طهران ورام الله والقدس (وليس في واشنطن)”.
إقرأ أيضاً: حملة فرنسيّة على مليارات الحزب (3/3)
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا