بهدوء يعبّر عن استراتيجية روسيا تجاه القضايا الساخنة في العالم تحدّث السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف في حوار مع “أساس ميديا” عن الإرهاب الذي ضرب في العمق الروسي، وصولاً إلى مخاطر توسّع الحرب في الشرق الأوسط، وانتهاء باستحقاق رئاسة الجمهورية في لبنان. كان الحديث مع روداكوف بمثابة وضع للنقاط على حروف التساؤلات عن روسيا وموقفها من كلّ القضايا.
1- الإرهاب ضرب موسكو، هل هي رسالة من الإرهاب أم رسالة بواسطة الجماعات الإرهابية؟ من هي هذه الجهات؟ لقد اتّهمتم نظام كييف، إلامَ استندت روسيا؟
– حتى الآن، ونتيجة إجراءات التحقيق في قضية الهجوم الإرهابي في مركز “كروكوس سيتي هول” بالقرب من موسكو، تأكّدنا من تورّط أوكرانيا في هذا الهجوم الإرهابي. ومن المعروف أنه بعد ارتكاب الجريمة حاول الإرهابيون الهروب إلى أراضي أوكرانيا. وكان المتواطئون، الذين أعدّوا “نافذة” لعبور حدود الدولة بشكل غير قانوني، ينتظرونهم هناك. كما تمّ إثبات حقيقة تمويل الجانب الأوكراني للإرهابيين.
لقد ارتكب نظام كييف بالفعل أعمالاً إرهابية على الأراضي الروسية أكثر من مرّة، ويعلن دائماً وبوقاحة نيّته مواصلة مثل هذه الأنشطة الإجرامية.
ومع ذلك، لا يتحمّل النازيون الأوكرانيون وحدهم المسؤولية عن مقتل المدنيين في “كروكوس”. لقد تمّ إنشاء نظام زيلينسكي وتنسيقه من قبل وكالات الاستخبارات الأميركية. إنّ المحاولات المتسرّعة التي تقوم بها الدول الغربية لحماية أوكرانيا من خلال إلقاء اللوم على داعش هي مؤشّر واضح. هذه التصرّفات تلتقي مع منطق الحرب الهجينة الشاملة التي أطلقها الغرب الجماعي ضدّ روسيا. وكما نقول، قبّعة اللصّ تشتعل.
التحقيق مستمرّ حالياً. يتمّ تحديد العملاء ومنظّمي الهجوم الإرهابي. سنخبركم بالنتائج بالتأكيد.
إحدى السمات التاريخية لروسيا هي في الحقيقة أنّ شعبها يصبح أكثر اتّحاداً في أوقات المحن الصعبة. لذلك لا يمكن لأحد أن يهزم روسيا
2- هل تجاوزت روسيا تداعيات الحرب في أوكرانيا وحصار الغرب لها؟
– تستمرّ العملية العسكرية في أوكرانيا بنجاح. نحن نسير بثبات نحو تحقيق أهدافنا لضمان الأمن القوميّ لروسيا.
وفي الوقت نفسه، يواصل الغرب ضخّ جميع أنواع الأسلحة إلى أوكرانيا. لذلك التهديد المنطلق من أراضي هذا البلد لا يزال كبيراً.
أمّا بالنسبة للاقتصاد الروسي، ففي نهاية عام 2023، من حيث الناتج المحلّي الإجمالي، حصلنا على المركز الأوّل بين الدول الأوروبية والخامس على مستوى العالم. وهذا يُظهِر قدرتنا على التغلّب على العواقب السلبية للعقوبات الغربية غير القانونية. في الوقت نفسه، ما زالت روسيا بعيدة كلّ البعد عن استنفاد إمكانات نموّها الاقتصادي.
3- ما هي الرسالة التي وجّهتها الانتخابات الرئاسية في روسيا للعالم، وتحديداً للغرب؟
– الانتخابات الرئاسية هي مسألة داخلية بحتة في أيّ بلد. ومع ذلك، في ظلّ الظروف الجيوسياسية الحالية، كانت للانتخابات الأخيرة لرئيس روسيا أهميّة تاريخية حقيقية تجاوزت حدود دولتنا.
لقد أظهرت نتائج التصويت أنّ المجتمع الروسي يدعم بثقة المسار الذي ينتهجه الرئيس بوتين في السياستين الداخلية والخارجية.
ستظلّ روسيا دولة قويّة. وسنواصل العمل على تعزيز الاقتصاد الوطني والدفاع، وضمان رفاهية الشعب الروسي، وحماية قيمنا الروحية والأخلاقية التقليدية والحفاظ عليها.
إحدى السمات التاريخية لروسيا هي في الحقيقة أنّ شعبها يصبح أكثر اتّحاداً في أوقات المحن الصعبة. لذلك لا يمكن لأحد أن يهزم روسيا.
الأميركيّون يتحمّلون المسؤوليّة في غزّة
4- هناك من يقول إنّ روسيا هي المستفيدة الأولى من حرب غزة، لجهة تحوّل الدعم الغربي من أوكرانيا إلى إسرائيل. ما تعليقكم؟
– نتيجة للأحداث في الشرق الأوسط، بدأت وسائل الإعلام الدولية إيلاء اهتمام أقلّ للمشكلة الأوكرانية. لكنّ القول إنّ روسيا استفادت من ذلك غير صحيح، لا من وجهة نظر عسكرية سياسية ولا من وجهة نظر أخلاقية.
السفير الروسي: في ظلّ الظروف الجيوسياسية الحالية، كانت للانتخابات الأخيرة لرئيس روسيا أهميّة تاريخية حقيقية تجاوزت حدود دولتنا
إنّ الغرب الجماعي يشنّ حرباً هجينة واسعة النطاق ضدّ روسيا. وعدوان المعلومات الإعلامية هو أحد اتّجاهاتها، إذ تضطرّ وسائل الإعلام الغربية الآن إلى صرف جزء من طاقتها على الدعاية التي تخدم الأميركيين حول قضايا الشرق الأوسط. لذلك انخفضت الأكاذيب حول الوضع في أوكرانيا.
في الوقت نفسه، بقيت الأسباب الجذرية للمشكلة الأوكرانية قائمة. فالغرب ما زال رافضاً الأخذ في الاعتبار مطالبنا المشروعة المتعلّقة بالأمن القومي. إنّهم يحاولون خلق صورة العدوّ من روسيا دون أيّ سبب. ويواصل الناتو تقدّمه شرقاً. كما يتمّ تزويد أوكرانيا بأنواع مختلفة من الأسلحة الموجّهة ضدّ بلدنا. ولا يزال الغرب الجماعي ملاحقاً لمهمّة إلحاق “هزيمة استراتيجية” بروسيا.
5- كيف هي علاقة روسيا مع حركة حماس؟ وهل تنظرون إليها كمنظّمة إرهابية أم حركة تحرّر؟
– تحتفظ روسيا بعلاقات مع جميع أطراف النزاع في غزة، بما في ذلك حماس وإسرائيل. نحن لا نعتبر حركة حماس الوطنية الفلسطينية، حركة إرهابية. في الوقت نفسه، ندين الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على الأراضي الإسرائيلية والعدوان العشوائي المفرط للجيش الإسرائيلي على السكّان المدنيين في غزة.
إنّنا ندعو جميع أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى ممارسة ضبط النفس ومنع التوسّع غير المنضبط لمنطقة القتال على نطاق إقليمي. وبفضل اتّصالاتنا مع ممثّلي حماس، تمّ إطلاق سراح بعض الرهائن الأوائل. ونحن نواصل هذه الجهود.
6- طرحت المملكة العربية السعودية حلّ الدولتين كتسوية للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. ما موقف روسيا من هذا الطرح؟
– تدعم روسيا باستمرار مبدأ حلّ الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ونحن مقتنعون بأنّ التسوية النهائية لهذه المشكلة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية، بإنشاء دولة فلسطينية مستقلّة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في سلام وأمن مع إسرائيل.
أمّا الآن فالأولويّة في منطقة الصراع هي لوقف إطلاق النار. ومن أجل إطلاق عملية التفاوض من الضروري، كما كان من قبل، التغلّب على الانقسام الفلسطيني الداخلي على قاعدة منظمة التحرير الفلسطينية.
السفير الروسي: علاقات روسيا مع سوريا استراتيجيّة. فعلاقاتنا الودّية، متبادلة المنفعة، ولها تاريخ طويل، وقد صمدت بنجاح أمام اختبار الزمن
نحن نقدّم المساعدة للفلسطينيين في هذا المجال. ففي الفترة من 29 شباط إلى 1 آذار، عُقد في روسيا اجتماع لـ 14 منظمة فلسطينية. ونتيجة لذلك، اعتمدوا بياناً توافقياً. ونأمل أن يحظى الزخم الذي أُعطي في موسكو للمصالحة بين الفلسطينيين بمزيد من التطوير البنّاء.
هل ترفع موسكو البطاقة الحمراء؟
7- هناك كلام حول ابتعاد سوريا عن الحاضنة الروسيّة. ما حقيقة هذا الكلام؟
– علاقات روسيا مع سوريا استراتيجيّة. فعلاقاتنا الودّية، متبادلة المنفعة، ولها تاريخ طويل، وقد صمدت بنجاح أمام اختبار الزمن.
بعد انهيار النظام الاستعماري الغربي، بدأ العديد من الدول العربية البحث عن حلفاء لتطوير علاقات متساوية. وكانت سوريا من بين أولئك الذين سعوا بنشاط إلى إيجاد بديل للكتل العسكرية الموالية للغرب. وفي عام 1957 وقّعت اتفاقية للتعاون العسكري والاقتصادي مع الاتّحاد السوفيتي.
تستمرّ علاقاتنا مع سوريا اليوم في التطوّر بثقة. نحن نقدّم المساعدة للسوريين في الحرب ضدّ الإرهاب. وعلى الساحة الدولية، نسعى إلى رفع العقوبات الغربية غير القانونية المفروضة على سورية وإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية على أراضيها. ونبذل جهوداً لحلّ مشكلة اللاجئين والنازحين السوريين.
8- إذا توسّعت الحرب إلى سوريا فما موقفكم؟
– في الواقع، إنّ القتال في سوريا، طالت معاناته، ولم يتوقّف منذ سنوات عديدة.
بشكل عامّ، الوضع في الشرق الأوسط متوتّر إلى أقصى الحدود. إنّ المزيد من التصعيد المسلّح في المنطقة محفوف بتطوّرات لا يمكن السيطرة عليها. وعندها سيكون قد فات الأوان لتقديم أيّ توقّعات.
السفير الروسي: تستمرّ علاقاتنا مع سوريا اليوم في التطوّر بثقة. نحن نقدّم المساعدة للسوريين في الحرب ضدّ الإرهاب
لهذا السبب على وجه الخصوص، حذّرت روسيا دائماً من أنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس له حلّ عسكري. لكنّ من المفيد للأميركيين خلق بؤر توتّر بعيدة عن حدود دولتهم. لأنّ الولايات المتحدة تعيق بهذه الطريقة تطوّر المنافسين المحتملين على الساحة الدولية، وتحصل أيضاً على أسواق كبيرة لتسويق الأسلحة التي تنتجها.
9- ما موقفكم من الغارات الإسرائيلية المتكرّرة على سوريا؟ ومتى ترفع موسكو البطاقة الحمراء بوجه إسرائيل في سوريا؟
– هذه ليست كرة قدم. الناس يموتون. ونقوم بكلّ ما في وسعنا لتقديم المساعدة للسوريين الذين عانوا كثيراً في السنوات الأخيرة.
إنّنا ندين بشدّة ونطالب بوضع حدّ ليس فقط للهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، بل أيضاً للانتهاكات المنتظمة للمجال الجوّي السيادي اللبناني، الذي يُستخدم لتنفيذ هذه الهجمات.
مبادرات تأليب اللبنانيين على بعضهم البعض..
10- لبنان يعيش أزمة مزدوجة سياسية بفشل النواب في انتخاب رئيس للجمهورية، واقتصادية مع انهيار عملته. هل لروسيا مبادرة في هذا المجال؟ وكيف تنظر إلى هذه الأزمة؟ لماذا روسيا غائبة عن أعمال اللجنة الخماسية الخاصّة بلبنان؟
– نظراً للخصوصية اللبنانية، أودّ أن أبدأ بتوضيح نقطة مهمّة: لا تمتلك روسيا “مبادرات” مماثلة لتلك التي تحاول الدول الغربية الترويج لها في لبنان، والتي تقضي بتأليب مجموعات من السكّان المحلّيين عاشت في هذه المنطقة منذ قرون بعضهم ضدّ بعض.
السفير الروسي: نأمل حقّاً أن يتمكّن اللبنانيون من التغلّب على الأزمة السياسية والاقتصادية في أسرع وقت ممكن
موقفنا هو وجوب أن يقرّر اللبنانيون أنفسهم مرشّحهم للرئاسة، مسترشدين بمصالح بلدهم، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الأسس التقليدية للدولة اللبنانية الحديثة. وفي هذا الشأن، نواصل تقديم كلّ الدعم الممكن لأصدقائنا اللبنانيين. ونحن على تواصل مع كلّ القوى السياسية في بلد الأرز دون استثناء.
نأمل حقّاً أن يتمكّن اللبنانيون من التغلّب على الأزمة السياسية والاقتصادية في أسرع وقت ممكن. ونحن نتطلّع إلى مواصلة تطوير حوارنا السياسي الثنائي وشراكتنا التجارية والاقتصادية.
11- هل تخشى روسيا من توسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان؟ وكيف يمكن وقفها؟
– لا يزال الوضع متقلّباً للغاية، ليس فقط على الخطّ الأزرق بين لبنان وإسرائيل، بل في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. العدوان الإسرائيلي العشوائي يستمرّ على غزة. كذلك ارتكب الإسرائيليون استفزازاً عسكرياً صريحاً بشنّ هجوم صاروخي على القنصلية الإيرانية في دمشق، منتهكين جميع الأعراف الدولية التي تنصّ على حرمة البعثات الدبلوماسية.
يجب أن يبدأ وقف التصعيد بوقف إطلاق النار في غزة، ويليه إطلاق مفاوضات حول إقامة الدولة الفلسطينية. لكن من المؤسف أنّ استمرار الأميركيين في إمداد الإسرائيليين بالأسلحة لا يشجّع الإسرائيليين إلّا على مواصلة الأعمال العدائية.
إقرأ أيضاً: الدخيل لـ”أساس”: السعوديّة رسالة استقرار من الإمام إلى الأمير
لمتابعة الكاتب على X: