إيران تستدرج العروض “لابتلاع” ضربة القنصليّة

مدة القراءة 5 د

تتوالى الإشارات من إيران إلى استعدادها “لابتلاع” ضربة إسرائيل لقنصليّتها في سوريا إذا ما حصلت على ثمن سياسي مناسب من الولايات المتحدة الأميركية.

في مؤتمره الصحافي الأخير في سوريا. خصّص وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان معظم كلمته للحديث عن مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية عن ضربة إسرائيل لقنصلية إيران في سوريا. ولم يكن ذلك في سياقٍ يوحي بأنّ الردّ الإيراني يمكن أن يتّجه إلى المصالح الأميركية، بل إلى أنّ إيران تريد ثمناً سياسياً لعدم الردّ، يسدّده الأميركيون. سواء من جيبهم أم من جيب إسرائيل.

بعد ذلك، ذكر موقع “جادة إيران”، نقلاً عن مصدر دبلوماسي “عربي”، أنّ إيران وجّهت رسالة إلى الأميركيين تفيد بأنّها مستعدّة لعدم الردّ على ضربة القنصلية إذا كان الثمن وقف إطلاق النار في قطاع غزة. مع إغراء لا يخلو من الطابع الانتخابي بأنّ ذلك “سيكون نجاحاً كبيراً لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يمكن البناء عليه”. والمقصود “بالبناء عليه” تقدّمٌ أكبر في التفاوض مع طهران حول الملفّات الأخرى المتعلّقة بالبرنامج النووي. والعقوبات المفروضة على طهران ونفوذ إيران في الإقليم.

أميركا تنفي تلقّي الرسالة

لاحقاً، نفى منسّق شؤون الاتصالات في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي تلقّي رسالة بهذا المضمون. لكن ما لا يمكن نفيه أنّ إيران ترسل الإشارات إلى استعدادها لاستدراج العروض. وأنّها سعت إلى أن تكون طرفاً غير مباشر في جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

ليس من قبيل المصادفة أن يتزامن ترقّب ردّ إيران مع انعطافة في موقف الإدارة الأميركية تجاه إسرائيل منذ أن قتل سبعة من عمّال الإغاثة التابعين لمنظمة “المطبخ المركزي العالمي”… وما تلا ذلك من اتّصال متشنّج بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. اللافت أن يقول الأمين العامّ للحزب السيد حسن نصر الله إنّ الهجوم على القنصلية ربّما يكون قد سرّع هذا التحوّل في الموقف الأميركي.

تتوالى الإشارات من إيران إلى استعدادها “لابتلاع” ضربة إسرائيل لقنصليّتها في سوريا إذا ما حصلت على ثمن سياسي مناسب من الولايات المتحدة الأميركية

تزامن الضربتين الإسرائيليّتين حفّز الإدارة الأميركية على ممارسة ضغوط أكبر للتوصّل إلى اتفاق في جولة المفاوضات الأخيرة يومَي الأحد والإثنين الماضيين في القاهرة. وبدا أنّ مدير الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز هو “دينامو” هذه الجولة. إلا أنّ المقترح الذي قدّمه اصطدم برفض من “حماس”. التي اعتبرته “مقترحاً إسرائيلياً”. لأنّه لا يلبّي الشروط الأساسية المتمثّلة بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيل من القطاع بأكمله. بما في ذلك المحور الفاصل في وسط القطاع. والسماح بعودة النازحين إلى الشمال. ولا يُعرف هل كان موقف “حماس” مستنداً إلى تقويم لديها لمدى استعداد واشنطن لممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لتقديم تنازلات، أم يستند إلى تقويم تتلقّاه من طهران.

إيران تريد استكمال التّفاوض

حرص الأمين العام للحزب أكثر من مرّة في خطابه الأخير على الإشارة إلى أنّه لا يعلم ما يجري في مفاوضات القاهرة. لكنّ الإشارات الآتية من طهران تؤكّد أنّها تريد أن تكون لها كلمة في التفاوض. وأن يبقى لها موطئ قدم في القطاع بعد وقف الحرب.

طهران منخرطة بالتفاوض مع الأميركيين ولا تريد أن تنجرّ إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل تضطرّ الإدارة الأميركية إلى الانجرار إليها

لكلّ ذلك سياق أوسع. فإيران منخرطة أصلاً بالتفاوض مع الأميركيين منذ ما قبل اندلاع الحرب في غزة. ولا تريد أن تنجرّ إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل يمكن أن تضطرّ الإدارة الأميركية إلى الانجرار إليها، فتطيح بما تحقّق من تقدّم بين واشنطن وطهران.

أضف إلى ذلك الثابتة الأساسية في حركة إيران في الإقليم. وهي عدم الانخراط في أيّ صراع عسكري مباشر يعرّض ترابها للخطر. واللجوء بدلاً من ذلك إلى الوكلاء في دول المنطقة. إلا أنّ الضربة الإسرائيلية طالت هذه المرّة ضبّاطاً رفيعين من الحرس الثوري في مقرّ قنصليّ هو بمنزلة أرض إيرانية. ولذلك سيكون من المحرج لها ألّا تقوم بالرّدّ بنفسها وتوكله إلى الوكلاء.

هكذا يمكن لوقف إطلاق النار في غزة أن يوفّر مخرجاً لإيران من مأزق الحاجة إلى الردّ. فهو في الشكل يتّسق مع الشرط الذي يتمسّك به الحزب لبحث أيّة ترتيبات جديدة للجبهة في الجنوب. ويتّسق مع الهدف المعلن من الحوثيين لهجماتهم في البحر الأحمر، ومن الفصائل الموالية لإيران في العراق لهجماتها على المصالح الأميركية.

بذلك تظهر إيران وكأنّها توظّف كلّ أدواتها في الإقليم لوقف النار في غزة وحماية الدم الفلسطيني. فيما يشير واقع الحال إلى أنّ العنوان الفلسطيني يُستخدم غطاءً لفتح التفاوض حول كلّ ما عداه.

إقرأ أيضاً: إيران لن تشعل الحرب: الشكوى إلى بايدن

أمسكت إيران بورقة غزة طويلاً منذ سيطرة “حماس” على القطاع وإخراج السلطة الفلسطينية منها قبل 17 عاماً. وهذا ما يلتفت إليه الأميركي في تصميم نهاية الحرب.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@OAlladan

مواضيع ذات صلة

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…