يواجه الأردن هذه الأيّام مؤامرتين، واحدة إسرائيلية، وأخرى إيرانية. إسرائيل تريد تحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين. وإيران تريد تحويله إلى ساحة متقدّمة لحروبها التي لا تنتهي. خصوصاً أنّ “الساحة السوريّة” على طريق الخروج من الطوق الإيراني.
ما هو مصير الأردن اليوم؟ بين مخطّطات إيران، ومخطّطات إسرائيل؟
قبل أكثر من 100 عام، أبرمَت فرنسا وبريطانيا اتفاقيّة “سايكس – بيكو” التي قسّمَت منطقة “بلاد الشّام” أو ما يُعرف بـ”الهلال الخصيب”، على قياس مصالحهما. اليوم لم يعُد للفرنسيين ولا البريطانيين النّفوذ ذاته. وباتت المنطقة تتقاطع بين مشروعيْن رئيسيَّيْن:
الأوّل: المشروع الإيراني الذي بدأ بعد اندلاع ثورة الخُميْني في 1979. ويهدف إلى توسعة نفوذ طهران في المنطقة، وإحكام قبضتها السّياسيّة والأمنيّة على عواصمها. وارتفَعت وتيرة هذا المشروع بعد سقوط بغداد في 2003 وانتقال العراق إلى حقبة إيرانية – أميركية. وهو ما دفَع العاهل الأردنيّ عبد الله الثّاني للتحذير من “الهِلال الشّيعيّ” بقيادة إيران منذ عام 2004.
الثّاني: المشروع الإسرائيليّ – الأميركيّ، الذي بدأ مع فكرة هنري كيسنجر في 1973 “بتقسيم المُقسّم” إلى دويْلات طائفيّة بهدف بقاء إسرائيل مُتماسكة في مُحيط مُتفكّك.
وتعزَّز هذا المشروع في عام 2006 مع إعلان وزيرة الخارجيّة الأميركيّة السّابقة كوندوليزا رايس من بيروت “ولادة الشّرق الأوسط الجديد”، بعد سقوط نظام صدّام حسين في العراق عام 2003.
أين موقع الأردن من المشروعَين؟
يلحظُ المشروعان المملكةَ الأردنيّة الهاشميّة كهدفٍ أساسيّ. ولئن لم تُصرّح أميركا يوماً عن دورِ الأردن ضمن مشروعها، إلّا أنّ إسرائيل تُريده وطناً بديلاً للفلسطينيين. هذا ما عبّر عنه صراحةً رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق آرييل شارون بعد خروج القوّات الفلسطينيّة من لبنان في 1982. حين دعا الفلسطينيين لإقامة دولتهم فوق أراضي الأردن.
وإن نجت المملكة الهاشميّة من مشاريع عديدة على مرّ السّنين، كانَ منها صراع البعثيْن السّوريّ والعراقيّ، ومحاولة الفصائل الفلسطينيّة الاستئثار بقرار الحرب والسّلم، وصولاً إلى موجة الربيع العربيّ… إلّا أنّ المحاولات لزعزعة استقرارها تحت مسمّياتٍ عديدة لم تتوقّف.
يواجه الأردن مؤامرتين، واحدة إسرائيلية، وأخرى إيرانية. إسرائيل تريد تحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين. وإيران تريد تحويله إلى ساحة لحروبها
إيران والجبهة الإضافيّة
أمّا إيران فتريد الأردن “جبهةً من جبهاتها” لتعزيز حضورها ونفوذها.
من هذا المُنطلق، لا ينفصل مشهد “الشّغب” الأخير في منطقة الرّابية في العاصمة الأردنيّة حيث السّفارة الإسرائيليّة، عن مشهد احتشاد عناصر الحشد الشّعبيّ قبل أسابيع في منطقة الحدود العراقيّة – الأردنيّة تحت مُسمّى “نُصرة غزّة”. لا يختلف شيءٌ في المشهديْن.
عمِلَت إيران منذ سقوط “نظام صدّام” على التغلغل في بلدان المشرق العربيّ:
– أحكَمَت قبضتها على لبنان بعد تعزيز الحزب عسكريّاً وأمنيّاً وماليّاً وسياسيّاً.
– وكذلك فعلت في قطاع غزّة بعدما دعَمَت حركة “حماس” في السّيطرة عليه بعد الانقلاب على السّلطة في 2007 وإنشاء سلطة “الأمر الواقع” في القطاع.
– في سوريا زادَ التغلغل الإيرانيّ أثناء الحرب.
– هكذا صارَت إيران على تماسٍّ مُباشرٍ مع الأردن. ومنذ ذلك الحين لم تُوفّر طهران وسيلة للتّحرّش الأمنيّ بعمّان. تشهدُ على ذلك عمليّات تهريب المُخدّرات والأسلحة والاشتباكات شبه اليوميّة لحرس الحدود الأردنيّ مع عصابات التهريب في منطقة الحدود مع سوريا.
ثمّ تزايدت محاولات التغلغل الإيرانيّ في الأردن. وباتت طهران أخيراً تستغلّ حرب إسرائيل على غزّة لإيجاد موطئ قدمٍ لها على أراضي المملكة الهاشميّة.
تُريدُ إيران أن توجِدَ حالةً من الفوضى في الأردن، تكونَ ملاذاً لفصائلها و”جبهة” إضافيّة تُعزّز من أوراقها الميدانيّة، وتُخفّف عن الحزبِ في لبنان وعن الحوثيّ في اليَمن.
محاولات عسكريّة متكرّرة
حاولت إيران مراراً تهريب السّلاح والمُسلّحين إلى الأردن عبر العراق وسوريا. واحتشدَ “حشدها الشّعبيّ” من ناحية العِراق على الحدود مُطالباً بـ”العبور” لنصرة غزّة. وحين لم تنجح هذه المحاولة، لجأت إيران إلى محاولة استغلال الشّارع الأردنيّ من بوّابة دعم غزّة. والهجوم على الملك الأردني ونظامه باعتباره لا ينصر فلسطين كما يجب. خصوصاً أنّ ما يقارب أو يزيد على نصف سكّان الأردن ومواطنيه من أصول فلسطينية.
لم يكن صدفة أن تتزامن أعمال الشّغب في عَمّان مع وجود رئيس المكتب السّياسيّ لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة وقائد حركة “الجهاد” زياد النّخالة في طهران عشيّة التّظاهرات.
تُريدُ إيران أن توجِدَ حالةً من الفوضى في الأردن، تكونَ ملاذاً لفصائلها و”جبهة” إضافيّة تُعزّز من أوراقها الميدانيّة
وليسَ صدفة أيضاً أن يتزامن كلّ ذلك مع خطاب لرئيس الحركة في الخارج خالد مشعل أمام فعّالية نسائيّة في عمّان، دعا فيه إلى “نزول الملايين إلى الشارع”. وطلب من “جموع الأمّة الانخراط في معركة طوفان الأقصى لتختلط دماء هذه الأمّة مع دماء أهل فلسطين حتى تنال الشرف، وتحسم هذا الصراع لمصلحتنا بإذن الله تعالى”.
كما أعادت حسابات تابعة للإعلام العسكريّ لكتائب عزّ الدين القسّام، الجناح العسكري لحماس، نشر مقطعٍ صوتيٍّ لقائد الكتائب محمّد الضّيف، يدعو فيه الشعوب المسلمة إلى الزحف نحو فلسطين. إذ قال: “ولا تجعلوا حدوداً ولا أنظمة ولا قيوداً تحرمكم شرف الجهاد والمشاركة في تحرير المسجد الأقصى”. وخصّ بالذكر شعوب دول، كان من بينها الأردن ومصر والجزائر والمغرب.
أدلّة على التورّط الإيرانيّ
يُؤكّد الدّور الإيرانيّ في ما يحصل في الأردن البيان الذي حمَل توقيع “أبي علي العسكريّ”. وهو المسؤول الأمنيّ لـ”كتائب حزب الله العراقيّ”. وجاءَ فيه أنّ “المقاومة الإسلامية في العراق أعدّت عدّتها لتجهيز المقاومة في الأردن بما يسدّ حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضدّ الدروع والصواريخ التكتيكية. وملايين الذخائر وأطنان من المتفجّرات، لنكون يداً واحدة للدفاع عن إخوتنا الفلسطينيين”.
قال العسكري: “جاهزون للشروع في التجهيز. ويكفي في ذلك من حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، لنبدأ أوّلاً بقطع الطريق البرّي الذي يصل إلى إسرائيل”.
صوّبَ البيان العراقيّ على ما سمّاه “الجسر البرّيّ”، الذي كانَ أحد مطالب المُتظاهرين في العاصمة الأردنيّة. لكنّ مصدراً عراقيّاً مسؤولاً أكّد لـ”أساس” أنّ المُعطيات التي رصدتها بغداد تُؤكّد أنّ حركة التجارة عند الحدود الأردنيّة – الإسرائيليّة لم تختلف عمّا قبل الحرب على غزّة، وأنّ حركة السّلع هي من تجّار أردنيين وفلسطينيين مرتبطين بعقود تجاريّة مع شركات إسرائيليّة.
إسرائيل على خطّ الأردن..
مثلما لإيران “مطامع” في الأردن، لخصمها الإسرائيليّ مطامع أيضاً. إذ لم يعد السّياسيّون في تل أبيب يخفون رغبتهم في تهجير الفلسطينيين من غزّة إلى مصر، ومن الضّفّة الغربيّة إلى شرق النّهر، أي الأردن.
تسعى إسرائيل عبر الإعلان عن تشييد مستوطنات يهوديّة إلى استكمال “الحزام الأمنيّ” في الضّفّة الغربيّة
رئيس الحكومة الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو كانَ دائماً يُصرّح عن نيّته ضمّ الضّفّة الغربيّة وغور الأردن إلى إسرائيل. وباتَ يستعمِل المُسمّى اليهوديّ للضّفّة الغربيّة، “يهودا والسّامرة”، وذلكَ في محاولة لطمس هويّتها السّياسيّة في الإعلام.
كذلك شركاؤه في الائتلاف اليمينيّ المُتطرّف أمثال وزير الأمن القوميّ إيتامار بن غفير ووزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش. إذ أعلَنَ الأخير قبل أسبوعيْن مُصادرة 8 آلاف دونم في غور الأردن بالضّفّة الغربيّة لإنشاء مئات الوحدات الاستيطانيّة. وهذه المُصادرة هي الكبرى منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
ولهذه الخطوة دلالاتها الخطرة على الأمن القوميّ الأردنيّ.
الجغرافيا… والسياسة
تكشف الجغرافيا عن النّوايا الإسرائيليّة تجاه عمّان وفكرة تهجير الفلسطينيين لإنشاء “الوطن البديل”. لا بدّ هنا من إيراد تفاصيل جغرافية وديمغرافية:
1- منطقة غور الأردن في الضفة الغربية هي امتداد طبيعيّ لغور الأردن في الضفة الشرقية، وهو عمق استراتيجي لكلتا الضفّتين.
2- العشائر الفلسطينيّة في هذه المنطقة هي امتداد بشريّ للعشائر والعائلات على الجانب الأردنيّ. وهذا سببه الأصلي هو التهجير القسريّ والطّوعيّ من الضّفة الغربيّة (فلسطين المحتلّة) إلى الضفّة الشّرقيّة (الأردن).
3- تسعى إسرائيل عبر الإعلان عن تشييد مستوطنات يهوديّة في غور الأردن إلى استكمال “الحزام الأمنيّ” في الضّفّة الغربيّة. إضافةً إلى المستوطنات المُشيّدة أساساً على أراضيها.
4- تُعتبر المنطقة مهمّة على الصّعيد الزّراعيّ لفلسطينيّي الضّفة الغربيّة، وذلكَ نظراً لخصوبتها. وبالتّالي سيخسر فلسطينيّو الضّفة الغربيّة منطقة زراعيّة تُعتبر أساسيّة لمعيشتهم فيها. هذا من شأنه أيضاً أن يدفع الفلسطينيين مع الوقت للهجرة نحوَ الأردن.
إقرأ أيضاً: الأردن في مهبّ العاصفة الإيرانية..
هكذا تكون المملكة الهاشميّة في مواجهة مشروعيْن. وعلى الرّغم من أنّ ضربَ النّظام في الأردن ليسَ سهلاً وليسَ نُزهةً، لكنّ أطماع إيران وإسرائيل دقّت ناقوس الخطر في الدّول العربيّة، التي تعرف جيّداً ما يُحاكُ. وهذا ما دفَع المملكة العربيّة السّعوديّة للقول صراحةً إنّ “أمن الأردن من أمنِ المملكة”.
لمتابعة الكاتب على X: