كان ملك الأردن عبد الله الثاني هو أوّل من تحدّث عام 2004 عن الهلال الشيعي. والواضح أنّه رأى فيه خطراً على الأردن، مع أنّه كان يقصد الامتداد المحدَّب بين إيران والعراق وسورية ولبنان.
تنبّه ملك الأردن عبد الله الثاني، بالبصيرة أكثر من المعلومات، إلى أنّ إيران تقود مخطّطاً كبيراً في المنطقة، ولهذا:
– فقد بدأوا من خلال ميليشياتهم السيطرة على بغداد بعد الغزو الأميركي.
– كما أنّهم يتغلغلون في سورية بموافقةٍ من بشار الأسد الذي أرعبه الغزو الأميركي للعراق.
– ثمّ إنّ الحزب كان يتمدّد في عدّة نواحٍ، وبخاصّةٍ على الحدود اللبنانية مع سورية.
– وما مرّت سنتان حتى صار المالكي المتأيرن رئيساً للوزراء بالعراق.
– وانكسر السدّ باغتيال رفيق الحريري في بيروت في شباط عام 2005.
– وبدا لأوّل وهلة أنّ الإيرانيين يريدون علاقات طيّبة مع الأردن بحجّة أنّ صلات قربى تربط الشريف الملك عبد الله وأسرته بالسادة الملالي الحاكمين في طهران.
السرّ الغامض أو غير الغامض
من كان صاحب القرار في اغتيال الحريري: الأسد أم الإيرانيون؟
هناك من ذهب، بسبب ارتباك الأسد الشديد وأنّ عناصر الحزب هم الذين نفّذوا الاغتيال، إلى أنّ القرار كان إيرانياً، وأنّ الأسد أُرغِم عليه. إنّما من جهة ثانية بدا الأسد هو المستفيد الأوّل. إذ بالتخلّص من الحريري المتحالف مع المسيحيين تستتبُّ السيطرة للأسد على لبنان لسنوات مقبلة. فالأَولى الذهاب إلى أنّ قرار الاغتيال كان مشتركاً. وقد ظلّت العلاقات بين الطرفين تتوثّق حتى اليوم، وإن تغيّرت التوازنات في العلاقة، وبخاصةٍ بعد الثورة على الأسد عام 2011 ولجوء الرجل والنظام إلى كلٍّ من طهران وروسيا.
كان ملك الأردن عبد الله الثاني هو أوّل من تحدّث عام 2004 عن الهلال الشيعي. والواضح أنّه رأى فيه خطراً على الأردن
ماذا عن الأردن؟
ما كانت علاقات الأردن بسورية شديدة الوثوق بسبب دخول السوريين على أمن الأردن عند كلّ حدث. أمّا بعد عام 2011 فقد تصدّعت العلاقات بشدّة لسببين:
– اضطراب الحدود بين البلدين وسيطرة الثوّار عليها.
– وشكوك استخبارات النظام السوري في أنّ الأردنيين يساعدون الثوّار ضدّ حكمه، وأنّ هناك غرفة عمليات بالأردن للتنسيق مع الثائرين على النظام ويشارك فيها الأميركيون والسعوديون وآخرون.
عندما التهب الإرهاب بالعراق (2004-2007) وكان المنغمس فيه أبو مصعب الزرقاوي، تتالت العمليات الإرهابية في الأردن. والزرقاوي أردنيّ الأصل كما هو معروف. وبعض العمليات كانت آتية من العراق، وبعضها عبر سورية.
بين عامَي 2015 و2016، ومع التدخّل الروسي لمصلحة نظام الأسد، أيقن النظام في الأردن أنّ النظام السوري باقٍ. فتوقّف عن السماح بالتحرّكات عبر الحدود. ثمّ مع تقدّم النظام في الجنوب وتراجع الثوّار بدأت عمليات المصالحة التي قادها الروس. وذهب بعض الثوار من الذين أبوا المصالحة إلى شمال سورية، كما تزايد اللجوء السوري إلى الأردن.
تمثّل الانقلاب المعكوس، على الرغم من وساطة الروس مع إسرائيل والتعهّد بمنع الحزب والإيرانيين من التقدّم نحو الجولان، في محاولات الحزب والسوريين لاختراق الحدود الأردنية والانعطاف نحو الجولان. وبسبب العشائر المشتركة على الحدود بين البلدين ظلّت للمخابرات السورية قدرات على الاختراق.
2020: الحرب العلنيّة
تعود موجات الاختراق المستمرّة حتى اليوم من جانب عصابات المخدّرات ومن جانب عصابات تهريب السلاح إلى داخل الأردن إلى عام 2020. وفي عام 2021 صارت هناك حرب علنيّة كاد حرس الحدود الأردنيون يعجزون عن دفعها بسبب طول الحدود (375 كلم) ووعورة تضاريسها.
تطوّرت الاختراقات والهجمات تارةً بالسيّارات الرباعية الدفع، وطوراً بالمسيّرات. وصارت المعارك تدور بمعدّل مرّتين خلال الأسبوع الواحد. وبدأ الأردنيون يعلنون أنّ عصابات المخدّرات يقودها سوريون ومجموعات من الحزب.
ما كانت علاقات الأردن بسورية شديدة الوثوق بسبب دخول السوريين على أمن الأردن عند كلّ حدث
لقد قتل الأردنيون مئات من هؤلاء دون أن يرتدعوا. وسقط عشرات من قوات حرس الحدود. وليس من المعروف هل استطاع الأردنيون منع التهريب بتاتاً أم ظلّت العصابات تنجح أحياناً. وقيل وقتها إنّ المقصود من تهريب المخدّرات والكبتاغون إيصالها إلى السعودية ودول الخليج الأُخرى.
المعروف وقتها أنّ ميناء بيروت ومطارها والطريق البرّي من لبنان إلى سورية كانت جميعاً سبيلاً رئيسياً للتهريب. إنّما الذي يبدو أنّ صناعة المخدّرات صارت تجري في سورية أيضاً وفي جنوبها بالذات. ومنعت السعودية وقتها استقبال التجارة وسفنها البحرية الآتية من بيروت لكثرة التهريب إليها من لبنان. فهل من أجل ذلك صار الطريق الرئيسي إلى الخليج عبر الأردن؟
تهريب السّلاح إلى الأردن
لكن ما معنى تهريب السلاح إلى الأردن؟ وإلى من كان يراد إرساله أو إيصاله؟
هناك من يقول إنّه كان يراد إيصاله عبر الأردن إلى تنظيم الجهاد الإسلامي بالضفّة الغربية، الذي بدأ عمليّاتٍ ضدّ الاحتلال بالضفّة عام 2023.
في مطالع عام 2023 ومع بروز محاولات للتقارب مع النظام السوري من جانب السعودية، دخل الأردن على الخطّ منذ البداية. وكانت هناك اجتماعات سورية سعودية أردنية بجدّة. وقد أُعيد النظام السوري إلى الجامعة العربية، وجرت اتفاقيات بين الأردن وسورية على التعاون في منع التهريب. بيد أنّ النظام السوري ما أنفذ شيئاً ممّا جرى الاتفاق عليه، فجهر الأردنيون بالشكوى وزار وزير الخارجية الأردني دمشق دون جدوى.
لذلك أقدم الأردنيون بطائراتهم على ضرب مراكز لتصنيع المخدّرات وتهريبها في منطقة درعا والسويداء. ومن الإعلام يمكن التعرّف على ثلاث غارات قام بها الأردنيون بالداخل السوري، بالإضافة إلى الاستمرار في مكافحة التهريب عبر الحدود بالسيّارات والمسيَّرات:
– فماذا كان غرض العصابات من الاستقتال في التهريب؟
– هل هي الأرباح الضخمة (بين 5 و8 مليارات دولار في العام)؟
– أم هي المحاولات الإيرانية لنشر الفوضى في الأردن بعد العجز عن تطويع النظام بحجّة أنّهم يضرّون بذلك بالمصالح الأميركية والإسرائيلية؟
هناك من ذهب، بسبب ارتباك الأسد الشديد وأنّ عناصر الحزب هم الذين نفّذوا اغتيال الحريري، إلى أنّ القرار كان إيرانياً، وأنّ الأسد أُرغِم عليه
هذا هو المدخل الأوّل في السنوات الثلاث الأخيرة لزعزعة الاستقرار بالأردن. أمّا المدخل الآخر الأشدّ هولاً فقد حصل أخيراً في خضمّ الحرب على غزة. إذ دعا إسماعيل هنيّة وخالد مشعل من خارج غزّة الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية إلى الزحف نحو القدس والاستمرار في التظاهر في شوارع عمّان. وهذا إلى جموع من الحشد الشعبي العراقي ومحازبي مقتدى الصدر يتجمّعون ويتظاهرون على الحدود مع الأردن منذ شهور. والمقصود من هذا كلّه زعزعة الأمن بالأردن الذي يقدّر هنية ذوي الأصول الفلسطينية فيه بستّة ملايين! الآلاف من هؤلاء يراهنون جميعاً على إحداث فتنة بالداخل الأردني لا يستفيد منها غير إسرائيل.
ما لم ينجح فيه مهرّبو المخدّرات والسلاح، لن ينجح فيه القابعون في الخارج الذين تسبّبوا بخراب غزة وقتل عشرات الألوف بالمغامرات الحماسّية والنار الإسرائيلية.
إقرأ أيضاً: “إخوان الكويت”.. هزيمة لها ما بعدها
استطاع الإيرانيون السيطرة بالميليشيات المسلّحة على العراق وسورية ولبنان. وقد طمحوا دائماً إلى اختراق الأردن الذي يؤوي أيضاً حوالى مليون سوري. الأمزجة فائرة. والنار تآكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. واستقرار الأردن أولويّةٌ لشعبه وللعرب ونموذجٌ في المناعة الوطنية والأمنيّة التي تستحقّ أن ينظر إليها العراقيون والسوريون واللبنانيون بعين التقدير والاقتداء.
لمتابعة الكاتب على X: