“إخوان الكويت”.. هزيمة لها ما بعدها

مدة القراءة 8 د

لم يملّ الكويتيون الذهاب إلى صناديق الاقتراع. في المرّة الثالثة خلال 3 سنوات شاركوا بكثافة فاقت التوقّعات بنسبة جاوزت 62 في المئة، وأثبتوا أنّهم متمسّكون بمكاسبهم الدستورية وثوابتهم الاجتماعية. صحّت التوقّعات بعدم وجود تغييرات كبيرة مع احتفاظ 39 نائباً من أصل 50 بمقاعدهم. لكنّ المفاجأة كانت بالهزيمة الكبرى لجماعةالإخوان المسلمينبأسمائها الرسمية وغير الرسمية، وهي الأولى منذ سنوات طويلة.

أظهرت نتائج الانتخابات الكويتية أن لا فوارق كبيرة بين 4/4/2024 (الخميس الماضي) و6/6/2023. وهو التاريخ الذي جرت فيه الانتخابات الماضية وأفرزت مجلس أمّة لم يتجاوز عمره 8 أشهر وانتهى بـ”الحلّ” بموجب مرسوم أميري، في شباط الماضي. بعد تجاوز بعض أعضائه “الخطوط الحمر”، وصولاً إلى “المساس بالذات الأميرية”.

ربّما يعود السبب الرئيسي إلى عدم وجود فارق زمني كبير بين موعدَي الانتخابات. بما يتيح للناخب تقويم أداء النواب ومحاسبتهم أو مكافأتهم. كما أنّ فترة الثمانية أشهر لم تشهد أحداثاً كبرى من شأنها قلب الموازين أو تغيير المزاج الشعبي.

صفعةحدس

بالنتيجة، لم يكن التغيير كبيراً لناحية الأرقام، إذ حافظ 39 نائباً من المجلس المُنحلّ على مقاعدهم. فيما دخل 11 نائباً جديداً، بينهم 7 للمرّة الأولى و4 كانوا نواباً في مجالس سابقة.

تمثّلت المفاجأة بخسارة “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس)، الفرع الكويتي لـ”الإخوان”، العديد من المقاعد التي كانت بحوزتها. في انعكاس للرفض الشعبي لسياساتها وأدائها القائم على “اللعب على جميع الحبال”.

تقليدياً، كانت الحركة تشارك بثلاثة أو أربعة أسماء رسمياً وتدعم آخرين “مُستترين” بشكل غير رسمي. تقوم بتوزيع نوابها “الرسميين” على “مختلف الساحات”، بحيث تدعم الحكومة تارة. وتصطفّ مع المعارضة تارة أخرى، وتحاول الوقوف في الوسط عندما تحتدّ الأزمات.

صحّت التوقّعات بعدم وجود تغييرات كبيرة لكنّ المفاجأة كانت بالهزيمة الكبرى لجماعة “الإخوان المسلمين”

هذه المرّة شاركت رسمياً بأربعة أسماء هم محمد المطر وحمد المطر ومعاذ الدويلة وعبدالعزيز الصقعبي. لم ينجح منهم إلا الأخير. كما مُنيت بخسارة العديد من مرشّحيها غير الرسميين مثل عبدالله فهاد العنزي (كان نائباً في المجلس السابق) وعلي الكندري وآخرين ممّن يُصنّفون قريبين منها أو يدورون في فلكها مثل النائبين السابقين حمد المدلج وحمد العليان.

في الحسابات السياسية، تُعدّ خسارة الحركة أكبر بكثير من حجم المقاعد. لأنّها عكست بجلاء الاستياء الشعبي من سياساتها والسأم من لعبة “تبادل الأدوار” التي تنسجها للحفاظ على مصالحها الحيوية في الدولة (مثل السيطرة على المناصب والتغلغل في وزارات مثل الأوقاف والتربية والتعليم العالي وجامعة الكويت) من جهة، والاستمرار برفع “الشعارات الإسلامية البرّاقة” (مثل نصرة غزة والدفاع عن المسلمين في كلّ مكان) من جهة ثانية.

في قراءة داخلية أوّلية للجماعة تسنّى لـ”أساس” الاطّلاع عليها. حاولت أوساط “حدس” التقليل من أهمّية الخسارة، استناداً إلى مرتكزين:

– الأوّل أنّ أرقام مرشّحيها لم تتراجع كثيراً. وإنّما كان السبب في خسارتهم هو ارتفاع معدّل النجاح في الدوائر نتيجة المشاركة العالية في الانتخابات، وبالتالي فإنّ الأخطاء تكتيكية ولها علاقة بالقراءة والتقويم لا بالسياسات والأداء.

– الثاني أنّ الحركة لديها مرشّحون “مُقرّبون” فازوا في الانتخابات مثل فلاح ضاحي الهاجري وعبدالله تركي الأنبعي، إضافة إلى النائب “الرسمي” عبد العزيز الصقعبي.

ترى أوساط مطّلعة في هذه القراءة محاولة لمداراة فشل السياسات. الأمر الذي دفع البعض لدعوة الحركة إلى مراجعة سلوكها وأدائها، باعتبار أنّ الهزيمة ليست وليدة اللحظة الانتخابية القائمة وإنّما جاءت بعد سلسلة من التراجعات التي بدأت مؤشّراتها قبل سنوات. لكنّ الجماعة “كابَرَت” وتعاملت معها باستخفاف وعدم جدّية.

تشدّد المصادر على أنّه في حال واصل الفرع الكويتي لـ”الإخوان” السير على خطى الأجندات التي تتجاوز الحدود الكويتية، والتماهي مع أفرع “الإخوان” في المنطقة، فإنّ الجماعة ستُراكم خسائرها في المرحلة اللاحقة. خاصة أنّ المؤشّرات تدلّ على اصطفاف سياسي وفرز واضح سيُظلّل المشهد السياسي في الفترة المقبلة.

تمثّلت المفاجأة بخسارة “الحركة الدستورية الإسلامية” الفرع الكويتي لـ”الإخوان” العديد من المقاعد التي كانت بحوزتها

مفارقات

إلى خسارة “الإخوان”، سُجّلت مفارقات عديدة في الانتخابات، أبرزها:

– اقتصار التغيير على 22 في المئة (راجع مقال “أساس” بعنوان “انتخابات الكويت: النواب الجدد يختارون وليّ العهد؟” المنشور بتاريخ 27/3/2024. الذي توقّع اقتصار التغيير على 10 أو 12 مقعداً كحدّ أقصى).

– عودة نواب (مثل عبيد الوسمي المطيري وأحمد نبيل الفضل) لهم ثقلهم في إقامة توازن داخل البرلمان مع الغالبية التي كانت مُعارضة سابقاً وتحوّلت إلى موالاة مع حكومات الشيخ أحمد النواف في السنوات الثلاث الماضية. ويُتوقّع أن تعود مُعارضة مجدّداً.

– انتهاء حقبة “كتلة الـ48” التي كانت تفرض ما تشاء على الحكومة. وتتشكّل من كلّ النواب تقريباً (باستثناء رئيس مجلس الأمّة السابق مرزوق الغانم والوزير النائب الذي يعرف باسم “المحلّل” لأنّ الدستور يفرض وجود نائب واحد على الأقلّ في الحكومة).

– نجاح القبائل في الحفاظ على مقاعدها وزيادتها قليلاً. مع وجود أكثر من 20 نائباً، بينهم 6 من قبيلة العوازم و5 من قبيلة مطير.

– ظهور مؤشّرات إلى أنّ المجلس الجديد سيكون مقسّماً بين 3 كتل: الأولى مع الحكومة، والثانية مع المعارضة، والثالثة بينهما وتتعامل مع الملفّات “على القطعة”.

– نجاح الشيعة في زيادة مقاعدهم من 7 إلى 8، مع تبديل في بعض الأسماء، ووجود شخصيات ليبرالية منفتحة بعيدة عن التقسيمات الإسلامية الكلاسيكية.

– بقاء حصّة المرأة عند مقعد واحد للنائبة البارزة جنان بوشهري.

– حفاظ التيار السلفيّ والإسلاميين المستقلّين على غالبيّة مقاعدهم.

التحدّي الأوّل

تشكّل الجلسة الأولى للمجلس الجديد، المتوقّعة في 17 نيسان الحالي، التحدّي الأوّل، مع بروز معطيات عن معركة بين عدد من المرشّحين. أبرزهم رئيس المجلس السابق المخضرم أحمد السعدون والنائب فهد بن جامع (نجل أمير قبيلة العوازم) الذي حصل على رقم كبير جداً (نحو 16 ألف صوت) وحلّ أوّلاً في دائرته. وسارع إلى إعلان خوضه معركة الرئاسة حتى قبل إغلاق صناديق الاقتراع وصدور النتائج.

ترجّح أوساط مطّلعة أن تكون الأسابيع المقبلة فترة اختبار قبل أن تتجدّد المواجهة بين الحكومة والمجلس الجديد

يضاف إليهما رئيس مجلس الأمّة الأسبق مرزوق الغانم الذي حقّق أيضاً رقماً كبيراً (حوالي 8 آلاف صوت) وحلّ أيضاً في صدارة دائرته. يُعتبر ترشّحه غير محسوم وربّما يمتنع عن خوض المعركة، كما فعل في مجلس الأمّة السابق. لكنّ قراءات أوّلية تشير إلى أنّه يحظى بدعم عدد غير قليل من النواب.

تعتبر معركة الرئاسة مهمّة جداً لما بعدها، وفق 3 احتمالات:

– الأوّل أنّه في حال فوز بن جامع ستكون المرّة الأولى في تاريخ الكويت التي يفوز فيها نائب قبليّ برئاسة السلطة التشريعية.

– الثاني أنّه في حال عاد السعدون للرئاسة لن يكون ذلك بالتزكية، على الأرجح. كما جرى بعد انتخابات 2022 و2023، وهو ما يعني أنّه سيكون طرفاً في المعارك النيابية – النيابية والنيابية – الحكومية.

– الثالث أنّه في حال فوز الغانم بالرئاسة (وهو احتمال ضعيف) فسيكون المجلس عبارة عن متاريس سياسية.

لا استقرار؟

أمام هذا الواقع، لا تشي القراءة الأوّلية للنتائج بأنّ المجلس الجديد سيقود الكويت إلى الاستقرار. من خلال إرساء علاقة تعاون مع الحكومة، مع مسارعة نواب فائزين إلى تكبيلها بقيود، أهمّها اثنان:

1- “تحسين معيشة المواطن”، أي إقرار زيادات للرواتب والتقديمات الاجتماعية، وهو أمر يبدو بعيد المنال.

وزير الداخلية نفسه قال: “إذا بنقعد كل واحد ينتخب لقبيلة أو فئة أو مصلحة شخصية عمرها الكويت ما راح تتقدم”

2- التهديد باستجواب وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، إذا بقي في منصبه بالحكومة الجديدة. المتوقّع أن تعلَن في 14 أو 15 نيسان الحالي، على الرغم من أنّ ذلك مرجّح بشكل كبير. خصوصاً أنّ الإجراءات التي اتّخذها بسحب الجنسيات من المُزوّرين لاقت إشادة علنية من الأمير الشيخ مشعل الأحمد، في خطابه الذي ألقاه بمناسبة العشر الأواخر من رمضان الإثنين الماضي.

وزير الداخلية نفسه قال خلال جولته على مراكز الإقتراع “إذا بنقعد كل واحد ينتخب لقبيلة أو فئة أو مصلحة شخصية عمرها الكويت ما راح تتقدم”.

إقرأ أيضاً: انتخابات الكويت: النواب الجدد يختارون “وليّ العهد”؟

ترجّح أوساط مطّلعة أن تكون الأسابيع المقبلة فترة اختبار وجسّ نبض قبل أن تتجدّد المواجهة بين الحكومة والمجلس الجديد. وهو ما سيقود على الأرجح إلى “حلّ” جديد للمجلس أو خيارات من نوع آخر. (راجع مقال “أساس” بعنوان “الكويت تنتخب غداً: 3 سيناريوهات لأزمة متكرّرة” المنشور بتاريخ 3/4/2024).

مواضيع ذات صلة

ما سيبقى من الحزب بعد صفقة هوكستين

لم يقدّم الحزب سطراً واحداً مكتوباً في ردّه على المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، ولهذا سبب. فالردّ اللبناني الذي صاغه رئيس مجلس النواب نبيه بري…

متى يعود نعيم قاسم إلى المصيطبة؟

كان يجمع أطفال المنطقة وفتيتها حوله. يجلس خلف طاولة يطلق عليها البيارتة اسم “الطبليّة” المخصّصة لقراءة القرآن وتلاوته في المساجد، إن غاب أحدهم عن الحلقة…

هواجس إيران في سوريا: زحمة موفدين…

ماذا يعني أن ترسل إيران وزير الدفاع عزيز نصير زاده إلى دمشق الأحد، بعد أيام على إرسالها كبير مستشاري المرشد علي لاريجاني الخميس؟ ولماذا هذه…

إيلون ماسك يغزو الكوكب الإيرانيّ

اختار دونالد ترامب المخترع العبقري إيلون ماسك لتولّي منصب حكومي في وزارة سمّاها “الكفاية الحكوميّة”. ماسك صاحب شركات عملاقة تنجز أعمالاً عملاقة: “تسلا” لتصنيع السيّارات…