إلى أين ستتّجه أنظار الناخب التركي مساء الأحد المقبل، وهو يتابع نتائج الانتخابات التركيّة المحلّية عبر الشاشات؟ نحو أرقام وحصّة حزب “الرفاه من جديد” الذي يقوده فاتح إربكان. نجل الزعيم الإسلامي نجم الدين إربكان. لأنّ زيادة أرقام شعبيّته وربّما انتزاعه لبعض البلديات من يد حزب “العدالة والتنمية”، سيحوّلانه إلى لاعب مؤثّر في صفوف اليمين المحافظ التركي. خصوصاً أنّه يدخل المعركة الانتخابية مستقلّاً من خارج التحالفات. .فهل ينتصر على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يدخل هذه الانتخابات “بثِقلِهِ”؟
ربّما نسمع الكثير من الأصوات في صفوف حزب “العدالة والتنمية” تحذّر القواعد من الذهاب .في الانتخابات التركيّة المحلية وراء “نزوة عابرة”. لأنّها ستكون مكلفة. خصوصاً في إسطنبول والعديد من البلديات التي تشهد منافسة حادّة قد تحسمها بضعة آلاف من الأصوات بين جناحَي الحكم والمعارضة. الحكم بزعامة أردوغان، والمعارضة بوجه أربكان.
السؤال البديهي الذي يدور في أذهان قواعد الأحزاب والحركات الإسلامية في الداخل التركي قبل أيام من الذهاب إلى الصناديق لاختيار المئات من رؤساء بلديات المدن والأقضية التركية: هل من الصواب دعم مرشّحي حزب الرفاه؟ الذين “يتسبّبون بشرذمة الأصوات وتسهيل فوز مرشّحي المعارضة. خصوصاً في مدينة إسطنبول الواجب استرداد رئاسة بلديّتها من حزب “الشعب الجمهوري”؟
السؤال الآخر الذي يراود الخارج المتابع لتطوّرات المشهد السياسي التركي هو: هل يحقّق إربكان ما فشل أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان في الوصول إليه؟ وبحلّة مغايرة مع حزب “الرفاه من جديد” الذي يواصل صعوده الحزبي والشعبي؟ أم هي حالة مؤقّتة طارئة جمعت المغبونين والمهمّشين؟ وهل هو تباعد في المواقف والسياسات بين أبناء الجناح الواحد أم تضارب في المصالح والحسابات؟ أم هو خيار ديمقراطي ينبغي احترامه لحزب سياسي ناشط في تركيا يواصل صعوده في صفوف المعارضين لقرارات وخطوات حزب العدالة في الحكم؟
تبعثر الأصوات بين “عدالة” أردوغان و”رفاه” أربكان يضعنا أمام سيناريو يسهّل فوز المعارضة. وسيتسبّب حتماً بجرح عميق في صفوف الحزبين
أربكان “يخطف” أصوات “العدالة”
تابع كثيرون مشهد عشرات الآلاف من أنصار حزب إربكان في مدينة أورفا الجنوبية. وهم يهتفون لمرشّحهم في الانتخابات التركيّة البلدية أثناء مهرجان شعبي حاشد. مشهدٌ أغضب حتماً قواعد تحالف الجمهور وأقلقهم. وسط منافسة محتدمة في أكثر من مكان.
المرشّح هو أحد المغبونين الذين رفض حزب أردوغان تسميته لخوض المعركة الانتخابية في المدينة. فرشّحه حزب أربكان. لكنّ خسارته قد لا تتسبّب بخسارة مرشّح الحزب الحاكم فقط. بل قد تقود إلى فوز مرشّح حزب “الشعوب الديمقراطية “المعارض والأقوى في مناطق جنوب شرق تركيا. حالة مقلقة من الممكن أن نراها تحدث في العديد من الأماكن يوم الأحد المقبل.
تبعثر الأصوات بين “عدالة” أردوغان و”رفاه” أربكان يضعنا أمام سيناريو يسهّل فوز المعارضة. وسيتسبّب حتماً بجرح عميق في صفوف الحزبين اللذين ولدا من رحم واحد. خصوصاً إذا لم يتمّ تدارك الموقف والالتفاف عليه سريعاً بعد إعلان نتائج الانتخابات.
لم تسفر 5 جولات من التفاوض بين الطرفين عن تفاهمات مشتركة هذه المرّة كما حدث في آذار العام المنصرم. وبعد الاتفاق على التنسيق في الانتخابات الرئاسية وتخلّي إربكان عن ترشّحه لمصلحة إردوغان، جاء قرار حزب الرفاه بعد فشله في الاتفاق مع أردوغان على حصوله على 4 بلديات في مدن تركية. بالإضافة إلى 35 قضاء. وهو ما اعتبره حزب العدالة أكبر بكثير من حجم شعبيّة الرفاه. وهذا ما دفع الأخير لخوض معركة الصناديق الانتخابية التركيّة منفرداً.
غزّة في قلب المعركة
انتقدت قيادات تحالف الجمهور في الحكم لسنوات طويلة تنسيق “الشعب” مع “الشعوب” في المعارضة. الأصابع موجّهة نحو “شريك ثالث من البعيد” يريد إلحاق الهزيمة بحزب العدالة كما يردّد البعض. لكنّنا نتحدّث أيضاً عن حزب يميني إسلامي يتحرّك تحت عباءة الوالد نجم الدين إربكان.
لم تخرج السيوف من أغمادها بعد في الانتخابات التركيّة. لكنّ الكثير من مدلولات التباين تصبّ في اتّجاه أنّ فرص الحؤول دون ذلك تتضاءل
تتحدّث كوادر تحالف الجمهور عن رغبة البعض في إلحاق الهزيمة بهم عبر فتح القلعة من الداخل. الداخل هنا هو جناح حزب الرفاه الذي يقوده إربكان. والذي ترك جانباً برامج الحملات الانتخابية ليتحدّث عن “المخجل في أرقام التبادل التجاري مع الصهيوني القاتل في غزة وصادرات الإسمنت والفولاذ ووقود الطائرات والأسلاك الحديدية لإسرائيل”. فأتاه الردّ من صفوف حزب أردوغان العدالة مع تساؤل: “من فتح أبواب آيا صوفيا أمام الصلاة. وبنى المسجد الضخم في ميدان تقسيم. وأنهى معاناة مدارس الأئمّة الخطباء وغطاء الرأس في المؤسّسات الرسمية؟”.
فشلت مفاوضات إقناع فاتح إربكان بالبقاء تحت جناح تحالف الجمهور في الحكم. فقرّر مغادرة المنصّة مستقوياً بأرقام استطلاعات الرأي التي تجعله الأوّل بين الأحزاب الصغيرة التي تواصل صعودها اليوم.
لم يبقَ الكثير أمام قيادات “العدالة والتنمية” لإقناع قيادات الرفاه بالتراجع عمّا تفعل. إذا لم تحدث مفاجأة اللحظة الأخيرة فنتائج مساء الأحد المقبل ستكون موجعة على الجانبين. لم تخرج السيوف من أغمادها بعد في الانتخابات التركيّة. لكنّ الكثير من مدلولات التباين تصبّ في اتّجاه أنّ فرص الحؤول دون ذلك تتضاءل ساعة بعد أخرى، فمن سيدفع الثمن وكيف سيكون ذلك؟
نتائج أورفا واسطنبول قد تفجّر الوضع
التراشق العلنيّ بين قيادات الحزبين موجع في صفوف القواعد. لكنّه سيكون أكثر إيلاماً بعد صباح الإثنين المقبل وإعلان النتائج. خصوصاً إذا ما ثبت أنّ المعارضة فازت في المدن الكبرى وبعض الأقضية نتيجة أصوات حزب الرفاه وخيارات قواعده. نتائج الانتخابات التركيّة في إسطنبول وأورفا تحديداً قد تفجّر الوضع وسط صعوبة حماية خطوط العودة.
يتطلّع فاتح إربكان صوب زيادة شعبيّته التي يقول إنّها وصلت إلى نسبة 5 في المئة بعدما كانت حوالي 2.8 في المئة من مجموع أصوات الانتخابات الأخيرة. يريد أيضاً أن يكون الحزب الثالث في تركيا خلال فترة زمنية قصيرة. على الرغم من معرفته أنّها طموحات صعبة المنال في مواجهة حزب الشعوب وحزب الحركة القومية وحزب إيي. التي تأتي بعد أقوى حزبين في البلاد “العدالة” و”الشعب الجمهوري”.
نتائج الانتخابات التركيّة في إسطنبول وأورفا تحديداً قد تفجّر الوضع وسط صعوبة حماية خطوط العودة
إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه حتى صباح الأحد المقبل. فسيكون فاتح إربكان رئيس حزب الرفاه قد أنهى باكراً علاقته بتحالف الجمهور. وبات عليه الاستعداد لمواجهات سياسية وحزبية أصعب. خصوصاً إذا ما جاءت نتائج بلدية إسطنبول لمصلحة مرشّح المعارضة أكرم إمام أوغلو. الامتحان الذي سيخوضه هنا هو مواجهة علنية مفتوحة مع حزب العدالة وأردوغان حول من سيقود الجناح المحافظ ويدافع عن طروحات “الرؤية الملليّة”. التي وضع أسسها نجم الدين إربكان.
تركيا أمام منعطف سياسي
منعطف سياسي وحزبي جديد في تركيا ينتظر الطرفين. وعملية خلط الأوراق بين الحزبين ستظهر نتائجها صباح الإثنين المقبل مع إعلان أسماء الرابحين والخاسرين في الانتخابات التركيّة. نجاح إربكان في الاحتفاظ بما حصل عليه قبل 9 أشهر أو زيادة هذه النسب سيعتبر انتصاراً له. تراجع شعبيّته سيبعد قلق قيادات حزب العدالة ويبقيه دون منافس في مقعد قيادة اليمين المحافظ حتى عام 2028.
نجح إردوغان في معاقبة الكثير من خصومه سياسياً. خصوصاً المنشقّين عن حزب العدالة والماضين وراء حلم إنشاء أحزاب بديلة مثل داوود أوغلو وباباجان. سيواصل ذلك مع فاتح إربكان الذي يملك طموحات كبيرة. كرّر إردوغان قبل يومين أنّه لن يتردّد في مهاجمة حزب الرفاه حتى لو لم يسمِّه: “نواجه صعوبة في فهم أولئك الذين يعتقدون أنّهم يمارسون السياسة من خلال التركيز على جذب أصوات العدالة والتنمية”. فهل يكفي ذلك لإقناع آلاف المتردّدين بأنّ المعركة حاسمة ومصيرية مع حزب “الشعب الجمهوري”. وأنّ من الواجب الوقوف إلى جانب حزب العدالة في هذه المرحلة بعيداً عن كلّ الخلافات والحسابات الضيّقة؟
إقرأ أيضاً: الانتخابات التركية البلديّة: جسر أردوغان.. لولاية ثالثة؟
ارتفاع شعبية فاتح إربكان مساء الأحد المقبل سيسهّل له مواصلة الطريق وسط جناح اليمين المحافظ التركي. عكس ذلك يعني البقاء في مكانه بين الأحزاب الصغيرة المهمّشة التي يتزايد عددها يوماً بعد يوم. ولا تحقّق قياداتها سوى حلم التقاط الصور أمام العدسات واحتكار الجلوس على مقعد رئاسة الحزب.
لمتابعة الكاتب على X: