الانتخابات التركية البلديّة: جسر أردوغان.. لولاية ثالثة؟

مدة القراءة 7 د

ترتفع درجة حرارة البارومتر السياسي والشحن الشعبي في تركيا. كلما اقترب تاريخ 31 آذار موعد الإنتخابات التركية التي ستحدّد من سيقود البلديات في مئات المدن والأقضية التركية للسنوات الأربع القادمة. فكيف سيكون مفعول رسالة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: “هذه الانتخابات ستكون الأخيرة بالنسبة لي وفقا لصلاحياتي بموجب القانون”. وما قاله مراد كوروم مرشّح حزب “العدالة والتنمية” في اسطنبول حول أنّ “نتيجة الانتخابات في اسطنبول ستسعد  المظلومين في غزّة”؟ وهل سيقبلها الناخب ويتجاوب معها؟ أم سيكون لها ارتدادات شعبية وسياسية عكسية تفسّر على أنّها محاولة للتأثير على قراره بشكل عاطفي أو سياسي؟

 

 

خروج حزب “العدالة والتنمية” من معركة الانتخابات التركية كفائز أوّل يحصد الأكثرية في الانتخابات المحلية المرتقبة بات مسألة شبه محسومة. وهو فوز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. حتّى لو تراجعت أعداد أصوات “العدالة” وشعبيته في العام الأخير، كما ظهر في انتخابات أيّار المنصرم. وكما تردّد استطلاعات الرأي اليوم.

حزب “الشعب الجمهوري” الذي يقود المعارضة هو المنافس الأكبر لحزب “العدالة”. لكنّ ساحة المعركة بينهما تنحصر تقريباً في المدن التركية الكبرى الثلاث: اسطنبول وأنقرة وإزمير. فأردوغان دخل بثقله السياسي والشعبي على الخطّ بهدف استرداد اسطنبول. لأنّها العاصمة الاقتصادية. في حين أنّ أنقرة هي العاصمة السياسية لتركيا. ويريد استرداد الأولى من المعارضة التي فازت فيهما عام 2019.

صعود بلال نجم الدين أربكان

نتائج الانتخابات التركية مهمّة أيضاً ليس فقط للرئيس أردوغان، بل للأحزاب الصغيرة التي تريد أن تختبر شعبيتها ونفوذها. خصوصاً بالنسبة لحزب “الرفاه من جديد” الذي يقوده بلال إربكان. وهو نجل السياسي الراحل نجم الدين إربكان. تتحدث غالبية شركات استطلاع الرأي عن صعوده المتواصل في صفوف قواعد الإسلاميين والمحافظين الأتراك.

ثمّة قناعة سائدة تفيد بأنّ مرشح حزب “الشعب الجمهوري” أكرم إمام أوغلو يتقدم في اسطنبول على منافسه بحوالي نقطتين. لكنّ ذلك لا يزيد عن عشرات الآلاف من الأصوات. ما يعني أنّ فرص منافسه مراد كوروم ما زالت معقولة.

خروج حزب “العدالة والتنمية” من معركة الانتخابات التركية كفائز أوّل يحصد الأكثرية في الانتخابات المحلية المرتقبة بات مسألة شبه محسومة

في المقابل، وعلى خطّ أنقرة، تتحدّث التقديرات عن أنّ مرشّح “الشعب” منصور يواش يتقدّم على مرشّح حزب العدالة تورغوت التن أوك. وذلك بفارق 3 أو 4 نقاط. وأنّه من الصعب على الأخير أن يغيّر المعادلات هناك دون وقوع المفاجأة الكبيرة.

ما الذي سيحسم اسطنبول؟

ما سيحسم نتيجة الانتخابات التركية في مدينة اسطنبول، مركز الثقل في الانتخابات، هي مجموعة العوامل الآتية:

– دخول الرئيس التركي المعركة الانتخابية وقيادة الحملات في المدن بشكل مباشر.

– حجم دعم  حزب “المساواة والديمقراطية” لحزب “الشعب الجمهوري”، بعدما بدّل اسمه القديم “الشعوب الديمقراطية”. وهو يحظى بتأييد الصوت الكردي الواسع في المدن الكبرى.

– إتجاهات أصوات الأحزاب الصغيرة التي قرّرت خوض المعركة بشكل مستقلّ:

1- حزب “الرفاه من جديد”. الذي تخلّى عن تنسيقه مع حزب “العدالة” في انتخابات أيّار المنصرم. بعدما فشل في الحصول على حصّة إنتخابية كبيرة.

2- حزب “ظفر” الذي يقوده أوميت أوزداغ، القومي المتشدد.

3- وأحزاب تكتل الطاولة السداسية المعارضة. ومن بينها: “إيي” و”دواء” و”المستقبل” و”الديمقراطي”. وهي إنهارت بعد خسارتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة. وتعوّل على فشل تحالف أردوغان والقومي دولت بهشلي. على أمل تسجيل اختراقات انتخابية تقلب التوازنات.

– خيار أصوات شريحة المتردّدين والمغبونين والتي تصل إلى حوالي 8 بالمئة من مجموع الأصوات.

لائحة المهزومين.. بينهم شركات الإستطلاعات

المنهزمون كثر صباح الأوّل من نيسان المقبل. بعد إعلان نتائج الإنتخابات التركية. وقد يتقدّمهم الآتون:

– العديد من شركات استطلاعات الرأي التي أخطأت مجدّدا في تقديراتها وحساباتها حول الرابحين والخاسرين.

– حزب ميرال أكشينار “إيي” اليميني القومي. الذي أنهى تحالفه مع حزب “الشعب” أمام الطاولة السداسية وفقد الكثير من قياداته وكوادره بعد أيّار الماضي.

– أحزاب المعارضة الصغيرة. خصوصاً اليميني منها. والتي قدّمت نفسها كبديل لحزب “العدالة” بعد انشقاق قياداتها عنه. مثل أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان.

الفترة الزمنية المتبقية قبل الانتخابات المحلية قد تحمل معها أكثر من مفاجأة وسيناريو

– ثم حزب “ظفر” ورئيسه أوميت أوزداغ. الذي كان يعوّل على لعب ورقة “اللاجىء والمهاجر” في تركيا. كما فعل في الانتخابات الأخيرة. لكنّه فشل بعدما سحبت هذه الورقة من يده.

– وربما أيضا الرئيس الجديد لحزب “الشعب” أوزغور أوزال. الذي وعد بالكثير قبل أشهر.

الأوراق “على المكشوف”

سننام ونستيقظ 16 مرّة ثم نجلس أمام الشاشات لنرصد نتائج الإنتخابات التركية المحلية. وهي لن تكون أقلّ سخونة من انتخابات أيّار المنصرم البرلمانية والرئاسية. إردوغان يريد استرداد رئاسة بلدية اسطنبول وأنقرة من حزب الشعب الجمهوري المعارض. وهو وضع كلّ ثقله السياسي والحزبي من أجل تحقيق ذلك الهدف. والمعارضة التركية المفكّكة والمبعثرة تبحث عن بصيص أمل يخرجها من غرفة العناية الفائقة. على أمل أن يعيد إليها الحماسة والنشاط. وذلك استعداداً لمرحلة جديدة. وهي تراهن على احتفاظ “الشعب الجمهوري” بالمدينتين.

الانتخابات التركية

كلّ الأوراق والأحجار ملعوبة “على المكشوف” هذه المرّة. المواجهة هي من أجل إدارة شؤون البلديات في المدن والأقضية التركية. شؤون النظافة والمياه والخدمات اليومية والمواصلات وخطط الإعمار والزلزال الذي ينتظر اسطنبول حسب الكثير من الخبراء.

لكنّها معركة مفتوحة على أكثر من سيناريو يحمل معه جملة من القرارات والتحوّلات الجذرية في الخطط السياسية والمالية والإقتصادية لإخراج البلاد من أزمة انخفاض قيمة الليرة وارتفاع نسب التضخم والغلاء.

نتائج الانتخابات التركية مهمّة أيضاً ليس فقط للرئيس أردوغان، بل للأحزاب الصغيرة التي تريد أن تختبر شعبيتها ونفوذها

ما هي مفاجأة أردوغان؟

الفترة الزمنية المتبقية قبل الانتخابات التركية المحلية قد تحمل معها أكثر من مفاجأة وسيناريو. ففي الكواليس وما وراء الأبواب لن تتوقّف العروض والصفقات ومحاولات الإقناع. خصوصا باتجاه بيضة القبّان الأولى: حزب “الرفاه من جديد”. في محاولة لدفعه إلى تغيير موقفه وقبول دعم مرشحي حزب “العدالة والتنمية” في أنقرة واسطنبول. ثم بإتجاه اللاعب المؤثر الثاني حزب “الشعوب”. الذي يدعم من خلف الستار حزب “الشعب” دون أن يعلن ذك رسميا.

لكنّ المفاجأة – الصدمة هي مع إعلان أردوغان قبل أيام  أنّ “هذه الانتخابات هي الأخيرة في مسيرتي السياسية وفقاً للقوانين”.

فهل هي مناورة سياسية؟ أو تكرار المعروف؟ أو محاولة منه لجلب أصوات المتردّدين والمغبونين والمقاطعين؟

أردوغان يعرف في النهاية أنّه وفقاً للدستور التركي أيضاً، يمكن لمن يشغل منصب رئيس البلاد لمدّة أقصاها فترتين متتاليتين أن يرشّح نفسه لولاية ثالثة حال إجراء انتخابات مبكّرة يدعو إليها البرلمان.

إقرأ أيضاً: هل تحظى المقاتلة التركيّة “قاآن” بشعبيّة “بيرقدار”؟

بعض وسائل الإعلام التركية، تردد أن أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب، قد توافق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكّرة في حال حقّق الأخير نتائج مرضية في الانتخابات المحلية المرتقبة.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Profsamirsalha

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…