هل تحظى المقاتلة التركيّة “قاآن” بشعبيّة “بيرقدار”؟

مدة القراءة 8 د

سجّلت تركيا اختراقاً استراتيجياً عسكرياً جديداً مع تحليق مقاتلتها الوطنية في الأجواء. المقاتلة التركيّة “قاآن” هي خطوة تساهم في تثبيت دور وموقع تركيا الإقليمي وقدرتها على مواصلة الاستقلالية العسكرية حتى لو كانت جزءاً من التحالف الغربي.

المقاتلة التركيّة “قاآن” هي إكمال حلم قرن من التريّث والانتظار. وها هو يتحقّق. كأنّه ثأر أنقرة من هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وذلك حين عجزت القوات التركية في عام 1911 عن مقاومة الطائرات الإيطالية فوق طرابلس الغرب. ودفعت أيضاً ثمناً باهظاً لهجوم الطائرات البريطانية ضدّ سفنها وجنودها على جبهة “شنقله” في عام 1918.

لم يكن سهلاً على مئات المهندسين والتقنيّين الأتراك الانتقال بالتكنولوجيا العسكرية من وضعية المستورد للسلاح لعقود طويلة إلى خانة المصنّع والمنتج. كان الأصعب في السنوات الأخيرة قرار زيادة أرقام مبيعات السلاح إلى الخارج التي وصلت إلى 5.5 مليارات دولار في العام المنصرم. ووضعت تركيا هدفاً استراتيجياً لها يصل إلى 10 مليارات دولار في الأعوام الثلاثة المقبلة.

وقف حوالي 1,500 مهندس وتقنيّ تركي في 21 شباط الجاري في ساحة مطار “مرتد” العسكري بالعاصمة التركية أنقرة. وهم يتابعون بقلق اختبار انطلاق مولودهم الجديد المقاتلة التركيّة “قاآن” بعد 4 سنوات من العمل المتواصل.

الهدف الاستراتيجي الأوّل هو وضع المقاتلة بتصرّف القوات الجوّية التركية في عام 2028. الهدف الثاني هو تصنيع مقاتلتين في الشهر الواحد اعتباراً من عام 2030. والهدف الأبعد هو وضع الأسطول الجديد في الخدمة قبل نهاية عام 2033.

حوالي عقد من الزمن قد يطول بالنسبة للبعض، لكنّه ليس كذلك بالنسبة لإردوغان وطاقمه السياسي والعسكري والاقتصادي.

المقاتلة التركيّة هي خطوة تساهم في تثبيت دور وموقع تركيا الإقليمي وقدرتها على مواصلة الاستقلالية العسكرية

للتذكير فقط. ساحة مطار مرتد كانت في صيف عام 2016 تحت سيطرة جماعة فتح الله غولن لساعات. وهي التي قادت محاولة انقلابية فاشلة وأصدرت أوامرها لعناصرها بتحريك الطائرات من هناك لقصف مبنى البرلمان التركي. المكان نفسه بعد 8 سنوات يشهد احتفالات بتحليق المقاتلة التركيّة “قاآن”، الحديثة من الجيل الخامس. تركيا لم تخرج من ارتدادات أزماتها الاقتصادية والماليّة بعد، لكنّها تخصّص 2 مليار دولار لإنجاز مشروع مقاتلتها الوطنية المستقلّة.

السلاح التركي: 80% تصنيع محلّي

بانتظار ضمّ تركيا للمقاتلة الجديدة إلى أسطولها الجوّي، تعمل على تحديث وامتلاك مقاتلات الجيلين الرابع والخامس والحصول على صفقة المقاتلات إف – 16. إلى جانب العودة لمشروع المقاتلة إف – 35 الذي أُبعدت عنه بقرار أميركي في عام 2019 بعد التمسّك بصفقة صواريخ إس – 400 الروسيّة.

أنجزت شركة “توساش” الاختبار العلني الرسمي الأوّل لمشروع المقاتلة التركيّة “قاآن” (ومعنى “قاآن” هو “الحاكم الأعظم”). وذلك في أجواء العاصمة أنقرة بعد أكثر من عقد على التحضير والتجهيز. و”توساش” هي الشركة الوطنية العاملة في تطوير وتصنيع السلاح التركي. وهذا إنجاز كما يصفه البعض. بالإضافة إلى النوعية الجديدة لمخزون السلاح التركي الذي سجّل أرقاماً قياسية في التحديث والإنتاج والتسويق في السنوات الخمس الأخيرة للأسلحة الدفاعية الثقيلة وسلسلة المسيّرات التي تقودها “بيرقدار” منذ عام 2018.

الاختبار يعني تحطيم حاجز نفسي وسياسي وعسكري كبير بالنسبة للأتراك الذين يعانون من مشكلتين أساسيّتين في مخزونهم الحربي:

– امتلاك المقاتلة الوطنية.

– والصواريخ البعيدة المدى.

أما الهدف فهو التحرّر والاستقلالية الأكبر في خطط التسلّح الذي وصلت نسبته إلى أكثر من 80 في المئة من التصنيع المحلّي.

المقاتلة التركية “قاآن” هي إكمال حلم قرن من التريّث والانتظار. وها هو يتحقّق. كأنّه ثأر أنقرة من هزيمتها في الحرب العالمية الأولى

تفاصيل تقنية حول الطائرة الحربية الوطنية

بحسب ما أعلنت تركيا، فإنّ اختبار .المقاتلة التركيّة “قاآن” استغرق 13 دقيقة. وسجّلت الطائرة سرعة 230 عقدة. ووصلت إلى ارتفاع 8,000 قدم. وحسب المخطّط، تهدف تركيا إلى أن تصبح واحدة من الدول القليلة التي تمتلك طائرات الجيل الخامس بكلّ خصائصها المتقدّمة. بدءاً من التكنولوجيا والبنية التحتية والموارد البشرية وقدرات التصنيع والتعامل مع الرادارات وأنظمة الاتصالات. فالهدف هو إبقاء هذا النوع من السلاح في الخدمة لنصف قرن تقريباً.

لكن من بين العقبات التي تنتظر الحلول حسم مسألة تطوير المحرّك التركي لوضعه في خدمة الطائرة بدلاً من المحرّك الأوكراني. ثمّ هناك مسألة التكلفة العالية للإنتاج بالمقارنة مع مقاتلات الجيل الخامس الغربية. وخصوصاً الأميركية والفرنسية.

أكثر من 100 مليون دولار تكلفة المقاتلة الواحدة من “قاآن”، كما تقول التقديرات المعلنة. وهي تحتاج إلى خفض حقيقي إذا ما كانت أنقرة تريد التسويق لها كما تفعل مع طراز مسيّراتها الدائمة التحديث والتطوير.

فكيف ستتحرّك أنقرة باتجاه خفض كلفة التصنيع. خصوصاً أنّها تريد تصنيع المحرّك بنفسها؟ هل تنسّق مع دول إقليمية طوّرت تكنولوجيّاتها في هذا المجال مثل باكستان وإندونيسيا؟ أم تختار كوريا الجنوبية؟ أم تواصل تعاونها مع أوكرانيا التي بدأ التنسيق بينهما قبل سنوات وما زال قائماً حتى اليوم في إطار تصنيع مسيّراتها في ضواحي كييف هذه المرّة؟

طائرة تعيد ترتيب موقع تركيا الإقليمي

المقاتلة التركيّة “قاآن” فرصة استراتيجية جديدة أمام تركيا لا تقلّ قيمة وأهمّية عن المسيّرات المحلّية الصنع. فهذه الأخيرة منحت أنقرة الكثير من الاستقلالية العسكرية وأعادت ترتيب موقعها ودورها الإقليمي سياسياً وأمنيّاً. ستلتحق تركيا عبر هذه التجربة بالدول العشر التي تصنّع طائراتها بنفسها. وستكون في مصافّ الدول الخمس التي وصلت إلى مرتبة امتلاك مقاتلات الجيل الخامس.

بحسب ما أعلنت تركيا، فإنّ اختبار .المقاتلة التركية “قاآن” استغرق 13 دقيقة. وسجّلت الطائرة سرعة 230 عقدة. ووصلت إلى ارتفاع 8,000 قدم

أعطت تركيا الأولوية في الثمانينيات لعمليات التحديث الصناعي ولمشاريع بناء الجسور والسدود وحفر الأنفاق وشقّ الأوتوسترادات وبناء شبكة نقل القطارات السريعة بين المدن. مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في عام 2002 دخل عامل التصنيع الحربي على الخطّ مع تحديث صناعة الدبّابات والمدفعية، ثمّ مشروع المسيّرات بيرقدار.

الأهمّ أيضاً كان، ضمن استراتيجية الاكتفاء الذاتي، مضاعفة تركيا لعدد مشاريع الصناعات الدفاعية. إذ رفعت عددها من 66 مشروعاً عام 2002، إلى 600 مشروع خلال عقد ونصف من الزمن. وزادت أرقام الميزانية العسكرية في 2018 إلى 23 مليار دولار. فأصبحت واحدة من الدول الـ15 الأكثر إنفاقاً على التكنولوجيا الحربية.

المقاتلة التركيّة "قاآن"

كلّ ذلك فتح الطريق أمام تركيا لتنتقل سريعاً من لائحة الدول المستوردة إلى لائحة الدول المصدّرة لسلاحها الثقيل ومسيّراتها. ولتكون بين الدول الـ15 الأولى في مبيعات السلاح، والأولى عالمياً اليوم في بيع المسيّرات إلى 35 دولة. تركيا هي اليوم بين أكبر خمس دول صاعدة في إنتاج وتصدير السلاح وفق إحصاءات السنوات الثلاث الأخيرة.

الطبل والمزمار تركيّان؟

عرقلت العديد من العواصم الغربية أكثر من مرّة طلبات أنقرة للحصول على منظومات صاروخية وطائرات متطوّرة. وتمّ إبعادها عن مشروع المقاتلة الأميركية إف – 35 قبل 4 أعوام. شكّل كلّ ذلك حافزاً كبيراً لتسريع رؤية مشهد المقاتلة التركيّة “قاآن” في الأجواء التركية.

يحصل خصوم تركيا مثل اليونان على ما يريدون من سلاح متطوّر حديث مثل المقاتلة إف – 35 الأميركية. بينما تواجه أنقرة مشكلة العقبات السياسية والأمنيّة وهي تفاوض على امتلاك هذا النوع من الأسلحة. فلماذا لا تسرّع إنتاج أسلحتها الثقيلة وتتحرّر من الالتزام بما تقوله وتريده بعض العواصم الغربية؟

المقاتلة التركية “قاآن” فرصة استراتيجية جديدة أمام تركيا لا تقلّ قيمة وأهمّية عن المسيّرات المحلّية الصنع

لم يبِع الغرب أنقرة الأسلحة الصاروخية البعيدة المدى التي كانت تحتاج إليها لسدّ ثغرة كبيرة في منظومتها الدفاعية. كان يتركها تحت رحمة منظومة “الباتريوت” التي ينقلها إلى الأراضي التركية ساعة يشاء ويسحبها من هناك كما يشاء. وهذا ما فعله في موضوع حاجتها إلى المقاتلات الحديثة أو مسألة تطوير أسطولها الجوّي.

حدث قبل أسابيع التقارب التركي الأميركي الجديد بعد مقايضات وصفقات سياسية وعسكرية. لكنّ أنقرة لن تتراجع عن مشروع مقاتلتها الوطنية. فهي لا تريد أن يكون الطبل بيدها والمزمار في واشنطن بيد البيت الأبيض والكونغرس.

إقرأ أيضاً: إردوغان – السيسي: بانتظار المصالحة بعد المصافحة والمصارحة

تسريع العمل ساهمت فيه واشنطن من غير أن تدري عندما قرّرت استبعاد تركيا عن برنامج المقاتلة إف – 35 بسبب صفقة صواريخ إس – 400 الروسية. قد تجمّد أنقرة خطّة تفعيل الصواريخ الروسية. لكنّها لن تتخلّى عن “قاآن” حتى لو عادت العلاقات التركية الغربية إلى سابق عهدها.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Profsamirsalha

مواضيع ذات صلة

ما سيبقى من الحزب بعد صفقة هوكستين

لم يقدّم الحزب سطراً واحداً مكتوباً في ردّه على المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، ولهذا سبب. فالردّ اللبناني الذي صاغه رئيس مجلس النواب نبيه بري…

متى يعود نعيم قاسم إلى المصيطبة؟

كان يجمع أطفال المنطقة وفتيتها حوله. يجلس خلف طاولة يطلق عليها البيارتة اسم “الطبليّة” المخصّصة لقراءة القرآن وتلاوته في المساجد، إن غاب أحدهم عن الحلقة…

هواجس إيران في سوريا: زحمة موفدين…

ماذا يعني أن ترسل إيران وزير الدفاع عزيز نصير زاده إلى دمشق الأحد، بعد أيام على إرسالها كبير مستشاري المرشد علي لاريجاني الخميس؟ ولماذا هذه…

إيلون ماسك يغزو الكوكب الإيرانيّ

اختار دونالد ترامب المخترع العبقري إيلون ماسك لتولّي منصب حكومي في وزارة سمّاها “الكفاية الحكوميّة”. ماسك صاحب شركات عملاقة تنجز أعمالاً عملاقة: “تسلا” لتصنيع السيّارات…