من هم المؤهّلون لنقل الشرق الأوسط والعالم من حالة الحرب إلى حالة السلم؟ من المؤكّد أنّهم ليسوا من طبقة الرؤساء والحكّام. كما أنّهم ليسوا من صفوف العسكر وأجهزة الأمن. إنّهم ثلاثة أسماء يملكون القدرة على صنع السلام وتجنيب العالم الحرب.
إحفظوا هذه الأسماء. مهمّة أصحابها العمل على نقل الشرق الأوسط من الحروب المتقطّعة إلى السلام الدائم.
1- وليم بيرنز: رئيس جهاز الـ”سي آي إيه” (المخابرات الأميركية).
2- بريت ماك غورك: مستشار الرئيس جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط.
3- جيك سوليفان: مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي.
– في 28 كانون الثاني الماضي، رأسَ بيرنز في باريس اجتماعاً مغلقاً جمع رؤساء أجهزة المخابرات من مصر وقطر وإسرائيل.
– جيك سوليفان، مكلّف بالملفّ السعودي، وهو الملفّ الذي تعتبره الولايات المتحدة مفتاح التسوية في الشرق الأوسط وتتعامل معه على هذا الأساس.
تدور المساعي حول حلّ الدولتين: فلسطين وإسرائيل. البوّابة السعودية هي المدخل إلى هذا الحلّ. ولكنّ مفتاح هذه البوّابة يتوقّف على وقف الحرب الإسرائيلية التدميرية والتهجيرية على غزة. ومفتاح وقف الحرب هو في حلّ مشكلة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس والفلسطينيين لدى إسرائيل. ومفتاح هذه المشكلة بيد اثنين: بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية ويحيى السنوار رئيس حركة حماس الداخل…
مهمّة الثلاثيّ الأميركيّ
تتمحور مهمّة الثلاثي الأميركي بيرنز وماك غورك وسوليفان حول تحقيق هدنة في غزة تكون طويلة بما يكفي لإنجاز مهمّة إعادة بناء الجسور التي كان العمل عليها بدأ قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول الماضي) لتحقيق حلّ الدولتين في إطار تسوية سياسية عربية – إسرائيلية شاملة.
يتطلّب هذا الأمر الاتفاق على وقف لإطلاق النار يكون طويلاً بما فيه الكفاية لإنجاز الاتصالات السياسية الترميميّة. وأكثر من ذلك يكون مؤهّلاً لأن يتحوّل إلى مدخل للعملية السياسية التي يجري العمل على إعدادها.. وربّما أُعدّت لكنّها تحتاج إلى تسويق.
من أجل ذلك يجري العمل على وقف إطلاق النار على أساس أن يكون ذلك مدخلاً للتسوية السياسية التي يسمّيها الأميركيون تسوية سلميّة.
تدور المساعي حول حلّ الدولتين: فلسطين وإسرائيل. البوّابة السعودية هي المدخل إلى هذا الحلّ. ولكنّ مفتاح هذه البوّابة يتوقّف على وقف الحرب الإسرائيلية التدميرية والتهجيرية على غزة
يقوم مشروع التسوية على العوامل الثلاثة التالية:
– قبول إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية.
– قبول السلطة الفلسطينية بتطوير مؤسّساتها السياسية.
– قبول السعودية بدخول عملية التسوية السياسية.
يواجه هذا المشروع مناسبتين تعجّلان في الجهود السياسية المتسارعة لتحقيقه. المناسبة الأولى هي حلول شهر رمضان المبارك. والمناسبة الثانية هي اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
التناقض بين بايدن ونتنياهو
يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ الشرق الأوسط لم يواجه حالة خطيرة كتلك التي يواجهها اليوم منذ عام 1973 (حرب رمضان). فإسرائيل دمّرت معظم مدن قطاع غزة، وشرّدت أهله وقتلت منهم حوالي ثلاثين ألفاً. وشرّدت مليونين وعرّضتهم للمجاعة والأمراض الوبائية. وفوق ذلك هناك أزمة خليج العقبة وخطر الملاحة في البحر الأحمر (دور الحوثيين)، كما أنّ هناك تصاعد المواجهة العسكرية في الجبهة اللبنانية مع الحزب. ثمّ هناك الغليان المتصاعد في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن وانعكاساته المباشرة وغير المباشرة على الاستقرار في المنطقة.
إنّ التسوية السياسية للقضية الفلسطينية – الإسرائيلية من شأنها تنفيس كلّ هذه الاحتقانات ومنع الانفجار الذي يذهب في تهديداته السلبية إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط.
غير أنّ تمسّك نتنياهو بخشبة الخلاص الشخصي من خلال رفع شعار “الانتصار الكامل” على حماس يشكّل العقبة الرئيسية أمام هذه الدبلوماسية الأميركية. ومن هنا توتّر العلاقات بين الرئيسين جو بايدن ونتنياهو. فالرئيس الأميركي يرهن نجاحه في انتخابات الرئاسة بنجاحه في سحب فتيل الانفجار في الشرق الأوسط. فيما يرهن نتنياهو بقاءه في السلطة بمواصلة الحرب وبارتكاب المزيد من جرائم حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
من هنا التباين إلى حدّ التناقض بين أهداف كلّ من بايدن ونتنياهو. وهو التباين الذي ربّما يقرّر في الحسابات الأخيرة مصير المبادرة السياسية في الشرق الأوسط التي توليها الإدارة الأميركية الأهمّية الأولى.
التسوية السياسية للقضية الفلسطينية – الإسرائيلية من شأنها تنفيس كلّ هذه الاحتقانات ومنع الانفجار الذي يذهب في تهديداته السلبية إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط
تخشى الولايات المتحدة من سياسة الهروب إلى الأمام التي يتمسّك بها نتنياهو بعدما ثبتت استحالة تحرير الأسرى بالقوّة العسكرية، وهو ما اعترف به عضو الحكومة الإسرائيلية المصغّرة، الكابينيت، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الجنرال آيزنكوت. ولكنّ نتنياهو يرفض الاستماع إليه أو إلى أيّ صوت آخر يدعو إلى الاعتراف باستحالة القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى بالقوّة، وبالتالي تحقيق “الانتصار المطلق” الذي ربط نتنياهو مستقبله السياسي بتحقيقه.
من أجل ذلك تحاول الدبلوماسية الأميركية الآن إخراج نتنياهو من الانتصار الوهمي إلى الحلّ الواقعي. فالانتصار الوهمي يقول بتهجير أهالي قطاع غزة، وسيطرة إسرائيل عليه سيطرة عسكرية مطلقة ودائمة (عودة الاحتلال)، وإعلان حدود إسرائيل من النهر (الأردن) إلى البحر. أمّا الحلّ الواقعي الذي يجري العمل على تسويقه فيقول بإقامة دولة فلسطينية تكون مدخلاً وأساساً لتسوية سياسية دائمة وشاملة مع إسرائيل.
إقرأ أيضاً: إيران والصبر الاستراتيجيّ من الغازيّة إلى سوريا
يشير تاريخ المبادرات السياسية الأميركية في الشرق الأوسط إلى أنّه في كلّ مرّة تقترب المبادرة من حلّ معقول وليس بالضرورة من حلّ عادل، تتغيّر الأوضاع والمعادلات السياسية وتسقط المبادرة وتعود الأمور إلى نقطة الصفر مرّة ثانية وثالثة.. ورابعة. ومن المؤسف أنّه لا يوجد الآن ما يشير إلى أنّ العكس يمكن أن يحدث هذه المرّة.