الحرب الاقتصاديّة بين غزة وإسرائيل

مدة القراءة 5 د

تخوض إسرائيل حربين ضدّ حركة حماس، الأولى هي حرب عسكرية تدميرية داخل قطاع غزة وصلت إلى مستوى حرب الإبادة، والثانية حرب ماليّة تدور رحاها داخل تركيا.

الحربان متكاملتان. لم تنجح إسرائيل في الحرب الأولى إذ إنّها لم تعثر على أيّ عنصر من قادة حماس. وفشلت في الحرب الثانية إذ إنّها لم تتمكّن من وضع اليد على أيّ وديعة ماليّة من الودائع التي تستثمرها حماس في الأسواق العالمية، وخاصة في تركيا أو غيرها.

تقدّر عائدات الاستثمارات الماليّة لحركة حماس بحوالي مليار دولار في العام. وإضافة إلى هذه العائدات كانت حماس تجمع حوالي 360 مليون دولار كضرائب على المستوردات. ولقد حُرمت من عائداتها. ولكنّ الاستثمار في الودائع لا يزال مستمرّاً ومربحاً. ويبلغ حجم العائدات الخارجية (بما في ذلك التبرّعات الخيرية الداعمة) حوالي 750 مليون دولار في العام. ومن خلال هذه العائدات تمكّنت حماس من بناء ترسانتها العسكرية.

أميركا تتّهم إيران

تقول الولايات المتحدة إنّ إيران تقدّم مساعدات لحماس تبلغ مئة مليون دولار في العام، وإنّ معظم هذه المساعدات هي على شكل أسلحة وذخيرة.

أمّا الدخل الثابت الذي تعتمد عليه حماس وهي تحت الحصار الإسرائيلي، بل على الرغم من الحصار الإسرائيلي، فإنّ مصدره هو عائداتها من أسواق المال الإلكترونية “كريبتو Crypto” التي تقع خارج المداهمة والمصادرة وحتى المراقبة. وتتّخذ حماس من سوق إسطنبول الماليّ مركزاً لهذه العمليات المشفّرة.

تفرض الولايات المتحدة عقوبات على الدول والمؤسّسات التي تتعامل بشكل أو بآخر مع حماس بعدما صنّفتها حركة إرهابية. ويشمل ذلك المتبرّعين. تتفلّت من هذه الرقابة الأميركية الخانقة العمليّات التي تتمّ عبر التحويل الإلكتروني (Crypto). وقد بلغ حجم التحويلات التي حصلت حماس عليها من خلال هذا النظام 20 مليون دولار. ويشكّل السوق الماليّ في إسطنبول المصدر المركزي الأساس لهذه العمليات.

كانت حماس تتّخذ من مدينة عمّان في الأردن قاعدة ماليّة لها. غير أنّ الضغوط الأميركية حملتها على الانتقال إلى عواصم وإلى مدن عربية وإسلامية عديدة أخرى

إضافة إلى ذلك تحقّق حماس عائدات سنوية من خلال استثماراتها في الأسواق الخارجية تبلغ 500 مليون دولار في العام. ومعظم هذه الأسواق تقع في الشرق الأوسط، كما تعتقد إسرائيل. من هذه الاستثمارات أسواق تجارية ومناجم معدنيّة في ضاحية الخرطوم في السودان. ومنها أيضاً ناطحة سحاب في إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة. غير أنّ هذه المؤسّسات جميعها تؤكّد، خلافاً لما تقول به الولايات المتحدة وإسرائيل، أن لا علاقة لحركة حماس بها.

كانت حماس تتّخذ من مدينة عمّان في الأردن قاعدة ماليّة لها. غير أنّ الضغوط الأميركية حملتها على الانتقال إلى عواصم وإلى مدن عربية وإسلامية عديدة أخرى، من بينها إسطنبول والدوحة والجزائر.

غزة

تتّهم إسرائيل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالتستّر على الأنشطة الماليّة والاستثمارية لحركة حماس. وهي تهمة لا يردّ عليها. إلا أنّ الولايات المتحدة فرضت عقوبات على إحدى المؤسّسات الماليّة الاستثمارية التركية بحجّة أنّها تتعامل مع حماس.

لقد نجحت حماس حتى الآن في القفز ماليّاً واستثمارياً فوق الحواجز الأميركية والإسرائيلية. ويمكن القول إنّها ربحت المعركة الاقتصادية في الحرب المستمرّة منذ شهر ونصف، التي ألحقت بالاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة.

الانتصار الوهميّ

في الحسابات الإسرائيلية أنّ الانتصار على حماس يبقى وهميّاً إذا لم يشمل مؤسّساتها الماليّة والاستثمارية في الخارج. ذلك أنّ هذه الاستثمارات تشكّل مصدر قوة تخشى إسرائيل من أن يكون تجدّدها واستمرارها عاملاً مؤثّراً وفاعلاً في مسرح الصراع في الشرق الأوسط.

غير أنّ لقطاع غزة وضعاً استثنائياً جداً. ذلك أنّ ثمانين في المئة من أهلها الذين يزيد عددهم على 2.2 مليون إنسان يعيشون على المساعدات الخارجية، وأهمّ مصدر لهذه المساعدات هي الأونروا التي أوقفت أعمالها أخيراً تحت ضغط أميركي – إسرائيلي. ولذلك تُعتبر الأزمة الإنسانية التي تعاني منها غزة اليوم، حسب دراسات الأمم المتحدة، الأسوأ في تاريخ الإنسانية في القرن الواحد والعشرين.

تخوض إسرائيل حربين ضدّ حركة حماس، الأولى هي حرب عسكرية تدميرية داخل قطاع غزة وصلت إلى مستوى حرب الإبادة، والثانية حرب ماليّة تدور رحاها داخل تركيا

لقد قُتل الآلاف من أهالي غزة تحت القصف التدميري الإسرائيلي، إلّا أنّ الخوف هو أن يؤدّي عدم توافر الغذاء والماء والدواء إلى مضاعفة عدد الضحايا. لا تستطيع حركة حماس أن تملأ هذا الفراغ من خلال استثماراتها في الخارج، وذلك لاستحالة تحويل أيّ شيء منها إلى الداخل بحكم المقاطعة والحصار المفروضين على القطاع.

تقول إحصاءات الأمم المتحدة إنّ 85 في المئة من أهالي غزة مشرّدون (أي حوالي مليونَي إنسان) وإنّ 1.4 مليون منهم يعيشون في المدارس (أو ما بقي منها) وفي غيرها من المباني التابعة للأونروا. وتقول منظمة الصحّة العالمية إنّ هناك حمّاماً واحداً للاغتسال لكلّ 4,500 مواطن، ومرحاضاً واحداً لكلّ 220 مواطناً. وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الكوارث الإنسانية.

تقول هذه الإحصاءات إنّ حصّة كلّ مواطن من المياه في اليوم لا تزيد على لترين!! ولذلك تؤكّد الأمم المتحدة أنّ هذه الكارثة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني الحديث. وتؤكّد ذلك دراسات إحصائيّة تقول إنّ:

  • 20 في المئة من سكان غزة يعانون من المجاعة.
  • 20 في المئة من أطفال غزة يعانون من سوء التغذية.
  • يموت جوعاً يوميّاً مواطنان من بين كلّ عشرة آلاف.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تدفع ثمن الحرب على غزّة

يضاف إلى ذلك كلّه انهيار النظام الصحّي بشكل كامل. على الرغم من ذلك تمنع إسرائيل سكان غزة من زراعة الأرض أو من صيد السمك، وتتعمّد تدمير كلّ منشآت الإنتاج داخل القطاع لتحقيق أهدافها الانتقامية.

هكذا لا يبقى لحماس سوى استثماراتها الخارجية التي تطاردها إسرائيل والولايات المتحدة معاً.

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…