يشتعل الميدان على وقع تعثّر المفاوضات حول وقف الحرب في غزة. في خطابه هدّد الأمين العامّ للحزب إسرائيل بتوسيع رقعة الحرب معها. أدخل عنصر الدم مقابل الدم ردّاً على استهداف المدنيين.طمأن الداخل إلى أنّه لا يوجد ترسيم، كي يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية. بالمقابل أشار إلى أنّ الحرب ستطول وأنّ المفاوضات الإيرانية الأميركية لا تزال معقّدة.
بدا واضحاً من خطاب الأمين العامّ للحزب أنّ الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في مدينة النبطية فرضت قواعد اشتباك جديدة. جاءت هذه الاعتداءات ردّاً على عملية قصف صفد في الداخل الفلسطيني. تلك العملية التي لم يتبنَّها الحزب ولا حركة أمل. وهي طلبت عبر مكتبها الإعلامي عدم تبنّي كلّ ما يرِد من معلومات خارج نطاق ما تعلنه. وعلى الرغم من ذلك فقد فرضت العملية نفسها بالنظر إلى خطورتها ووسّعت نطاق الحرب وفرضته على الطرفين.
قال السيّد إنّ “ثمن دماء المدنيين سيكون دماءً لا مواقع”، وإنّ “العدوان هذا تطوّر ويجب التوقّف عنده” لاعتقاده أنّ “ما حصل أمر متعمّد. وهو فسّر استهداف المدنيين بأنّه “ضغط على المقاومة لتتوقّف”. فجاء الردّ أنّ “هذه الجبهة متواصلة والصراخ في الشمال يرتفع كلّ يوم”.
هكذا قال الحزب كلمته الفصل: لا مفاوضات على وقع الحرب ولا للقبول بشروط إسرائيل. ولهذا توقّفت حركة الموفدين، والكلمة للميدان.
العين بالعين والسنّ بالسنّ.. إلى إيلات
في تحليل الحزب أنّ الجديد اليوم هو عنصر الانتقال إلى قاعدة “العين بالعين والسنّ بالسنّ”. حتى الأمس القريب كانت الحرب بين إسرائيل والحزب مضبوطة. على إيقاع استهدافات عسكرية طالت منشآت ورادارات وآليّات عسكرية في أماكن عسكرية، وتجنّب استهداف المدنيين.
الحزب “لا يعترف بشرعية العدوّ ولا بوجوده ولا يميّز بين مدني وعسكري ما دام الكلّ يشترك في الجرم. لكنّه ميّز اليوم بين مدني وعسكري وهدّد بضرب الناس المدنيين مقابل المدنيين في الجنوب”.
قدّم نصر الله خطاباً استدلالياً للمرحلة القريبة المقبلة: مفاوضات وقف الحرب على غزة لا تزال معقّدة، والمفاوضات الجارية بين إيران وأميركا ليست بالسهولة التي نفترضها
هذا يدلّل على توسيع نطاق الحرب المفتوحة على كلّ الاحتمالات. حرب لم يعد فيها محرّمات. وستفرض تهجيراً لسكّان الجنوب أبعد من نطاق القرى الحدودية المحاذية. وستعلن الجنوب كلّه تقريباً منطقة مستهدفة من قبل إسرائيل. بالمقابل أعاد نصر الله التذكير بأنّ المقاومة تملك قدرة صاروخية هائلة تمكّنها من مدّ يدها وصولاً إلى إيلات.
قدّم نصر الله خطاباً استدلالياً للمرحلة القريبة المقبلة: مفاوضات وقف الحرب على غزة لا تزال معقّدة، والمفاوضات الجارية بين إيران وأميركا ليست بالسهولة التي نفترضها. أي أنّ أمد الحرب لا يزال طويلاً ومعقّداً. وقد تخرج عن سياقها الذي كان منضبطاً بين الجهتين حتى عملية النبطية.
مصادر مطّلعة على جوّ أميركا: أفق الحلّ مسدود
تقول مصادر مطّلعة على الجوّ الأميركي لـ”أساس” إنّ “أفق الحلّ مسدود بانتظار إنضاج معالم التسوية المتعلّقة بغزّة، والتفاوض سيكون بالنار”. وتتابع: “ما سمعناه هو أنّ أميركا لا تريد حرباً في لبنان. وتريد وقف جبهة الجنوب. تشكو أميركا من نوايا بنيامين نتنياهو. فهل صحيح أنّها عاجزة عن الضغط عليه؟ ما سمعناه يوحي بذلك، لكن هل يمكن أن يكون صحيحاً؟”.
النقطة البالغة الأهميّة في مسألة حرب غزة هي ما نبّه إليه نصر الله من مخطّط لتوطين فلسطينيّي الضفة في الأردن. وتوطين فلسطينيي غزة في مصر، ولاجئي 1948 في لبنان. لكأنّه يقدّم أسباباً إضافية للانخراط في الحرب ويردّ على منتقديه من المسيحيين على وجه الخصوص.
أمّا الشقّ الثاني من خطابه الذي توجّه به إلى الداخل فأراده تطمينيّاً في ما يتعلّق بالرئاسة والسلاح. كانت رسالته إلى المسيحيين أن لا نيّة لصرف نتائج الحرب في رئاسة الجمهورية. وأن لا مفاوضات ترسيم في ظلّ غياب الرئيس. وأوضح أنّ ما يتمّ الاتفاق بشأنه هو إعادة تثبيت الحدود المرسّمة “على قاعدة اخرجوا من أرضنا”.
النقطة البالغة الأهميّة في مسألة حرب غزة هي ما نبّه إليه نصر الله من مخطّط لتوطين فلسطينيّي الضفة في الأردن. وتوطين فلسطينيي غزة في مصر، ولاجئي 1948 في لبنان
لا جديد ليأتي هوكستين إلى لبنان
ودفع هنا عن “الثنائي” تهمة المسيحيين له بالتوقيع بالتوافق مع السنّة على اتفاقية ترسيم تُدرج في نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية. وفي ذلك ردّ غير مباشر على بيان المطارنة الموارنة والأحزاب المسيحية التي انتقدت تجاوز صلاحيات الرئيس والتصرّف وكأن لا رئيس ولا نيّة لانتخابه في المدى المنظور. ونقلت مصادر مقرّبة من الموفد الأميركي آموس هوكستين لـ”أساس” أن “لا جديد يتحرّك على أساسه ولا جديد يُبنى عليه، والأولوية لوقف حرب جبهة الجنوب”.
رئاسيّاً يحرص الحزب منذ بداية المعركة على التطمين إلى أن لا نيّة لاستثمار نتائج الحرب في الرئاسة. ويؤيّد أيّ حراك رئاسي داخلي. وإن تمسّك بترشيح سليمان فرنجية فلن يجبر النواب على انتخابه عنوة.
وغمز نصر الله من قناة انتخاب بشير الجميّل الذي حصل عام 1982: “هناك أناس معتادون على هذا، أن يأتوا بالنواب بالدبّابات أو تحت التهديد. نحن قمنا بهذا في يوم من الأيام؟ قادرون على أن نقوم بذلك؟ بالقدرة نعم قادرون. لكن لا قناعتنا ولا ثقافتنا ولا أخلاقنا ولا قيمنا تسمح بذلك”.
باسيل مع “الحوار الرئاسي”
تقاطع حديثه عن الحوار بشأن الرئاسة مع تجديد رئيس المجلس نبيه بري المسعى لإنضاجه وتلمّس نوايا الكتل النيابية بشأنه. وعلم “أساس” أنّ التيار الوطني الحر أبلغه تجاوبه مع أيّ مسعى لحوار رئاسي. لكنّ البعض لمس عدم حماسته لخوض التجربة مجدّداً.
يمكن فهم كلام نصرالله على أنّه دفع جديد نحو حوار لن تكون غايته فرض رئيس على المسيحيين. ولا استثمار نتائج الميدان في الاستحقاق. خاصة أنّ الثنائي يعتبر أنّ ما بعد غزة لن يكون كما قبلها.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تتخطّى الحدود في النبطيّة.. من يوقفها؟
خلافاً لما قاله نصر الله من أنّ انتخابات الرئاسة ليست مرتبطة بغزة، فقد أكّدت المصادر المطّلعة على الجوّ الأميركي لـ”أساس” أنّ “مصير الرئاسة بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمصير الحرب على غزة. فالحلّ المطلوب في الجنوب يدفع المحافل الدولية اليوم إلى طرح السؤال التالي: أيّ رئيس قادر على منح ضمانات لحلّ يرضي المجتمع الدولي بعد وقف جبهة الجنوب؟”.