الوضع متدحرج باتجاه الحرب بعد الضربة الإسرائيلية على النبطية وسقوط مدنيّين. من يوقف هذه الحرب ليس وقفُ الحرب في غزة بل اتفاقٌ أمنيّ على الحدود. بين وصف الأمين العام للحزب الورقة الفرنسية بأنّها “إسرائيلية”، وانفتاحه على ورقة أخرى، هل يأخذ المتفاوضين إلى تسوية تجنّب لبنان الحرب؟
الوقت ثمين جدّاً في هذه المرحلة التي يمرّ فيها لبنان، وتحديداً للحزب. فرص الحرب ترتفع يوماً بعد يوم بعدما دخلت المواجهة فصلاً خطيراً باستهداف المدنيين في النبطية جنوب لبنان. وآخر التصريحات الصادرة عن وزير الدفاع الإسرائيلي أمس بأنّ طائراته “تحلّق في سماء بيروت تحمل قنابل ثقيلة وقادرة على ضرب أهداف بعيدة”.
منذ أشهر والحزب يشيّع شهداءه في “الوقت الضائع” قبل جلاء غبار التسوية. أجاب الأمين العامّ للحزب في خطابه الأخير عن أسباب دخول المعركة في السياسة والعقيدة والأخلاق. ولكن لا بدّ من طرح سؤال واضح وصريح: كيف نتدارك هول ما سيأتي في حال تدحرج الوضع إلى الأسوأ بعد تخطّي إسرائيل الخطوط الحمر؟
الحزب يعلم هذه المرّة
الحزب يعرف خريطة الطريق. ويعرف أنّه سيسلكها. باعتراف وتأكيد أمينه العامّ يوم قال إنّ لبنان أمام فرصة تاريخية فاتحاً باب التفاوض على الحدود. ويعرف أنّ كلّ يوم تأخير يستغلّه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لضرب “بنك أهدافه” من عناصر الحزب وضرب لبنان. فهل يصحّ التساؤل اليوم كيف نقطع الطريق على نتنياهو؟ وعليه، لماذا يعضّ الحزب على جرحه ويراكم خسائره ويشيّع شهداءه ويتأخّر في الذهاب إلى التفاوض؟
مصادر دبلوماسية غربية لـ”أساس”: سياسة الحدّ من الخسائر تدعو الحزب إلى الذهاب سريعاً إلى تسوية. وتشير إلى أنّ المشهد تغيّر منذ أن وضع نصرالله توقيت إنهاء الحرب على غزة شرطاً لإقفال جبهة الجنوب
على الرغم من أنّ نصرالله أجاب في خطابه الأخير رابطاً معركة لبنان بغزّة، وواصفاً المبادرة الأخيرة بـ”الورقة الإسرائيلية”. لذا لا بدّ من قراءة بعض المواقف الصادرة عن دبلوماسيين يقولون إنّ الحزب خسر توقيت غزة. وهو اليوم ينزف على توقيت واشنطن – طهران. ولا بدّ من قراءة موقف الحزب الذي لم يقفل نهائياً باب التفاوض.
جرح الجنوب
فتح جرح الجنوب تضامناً مع غزة. هكذا قال الأمين العامّ للحزب في إطلالته الأولى حين أكّد أنّ فتح معركة الجنوب هدفه مساندة غزة. منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) حتى اليوم، اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلية شمال قطاع غزة ثمّ جنوبه، وهي اليوم تحضّر لعمليّة في مدينة رفح على خطّ فيلادلفيا قرب الحدود المصرية، ضاربة عرض الحائط باتفاقية كامب ديفيد التي أعطتها سلاماً مع أكبر الدول العربية منذ 45 عاماً.
نتنياهو ماضٍ في مخطّطه فيما الحزب خسر حتى اليوم المئات من شبابه. إسرائيل تغتال قيادات محور المقاومة في لبنان، وأمس أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه قتل مسؤولاً ونائبه في مجزرة النبطية. كذلك في العراق وسوريا، حيث النظام اختار أن ينأى بنفسه عن المعركة. وفي العراق محاولات للمّ الساحة بعد “خطأ” استهداف القاعدة الأميركية وبيانات تشبه الاعتذار والندم.
أرسلت إيران إلى الأميركيين عشرات الرسائل التي أوضحت فيها أنّها لا تريد الحرب المفتوحة، وبادلها الأميركيون بالمثل.
بناء على كلّ ما تقدّم، ما الذي يؤخّر التوصّل إلى إطار التفاهم على أمن الحدود الجنوبية؟
مصادر دبلوماسيّة: الحزب خسر موقعه
تجيب مصادر دبلوماسية غربية لـ”أساس” بأنّ سياسة الحدّ من الخسائر تدعو الحزب إلى الذهاب سريعاً إلى تسوية. وتشير إلى أنّ المشهد تغيّر منذ أن وضع نصرالله توقيت إنهاء الحرب على غزة شرطاً لإقفال جبهة الجنوب.
اليوم انعكست الآية وخسر الحزب موقعه كواضع للشروط. في غزة، في حال دخل نتنياهو رفح أو لم يدخلها، وفي حال انتهت العملية الإسرائيلية اليوم أو غداً، فإنّ العمليات الأمنيّة العسكرية في لبنان لن تتوقّف كما تتحدّث المصادر الغربية. بل ستوسّع إسرائيل نطاق ضرباتها تماماً كما بدا في الساعات الأخيرة. هو طريق واحد يوقف العدوان الإسرائيلي، وهو إطلاق مفاوضات رسمية لتطبيق القرار 1701 في لجنة ثلاثية تضمّ قوات اليونيفيل ووفداً من الجيش اللبناني ووفداً من الجيش الإسرائيلي. وفي لجنة رباعية تضمّ واشنطن وباريس وبيروت وتل أبيب. إلى ذلك الحين تُخاض المفاوضات تحت النار.
الورقة الفرنسيّة إسرائيليّة؟
على الرغم من قراءة البعض أنّ خطاب الأمين العامّ كان تصعيديّاً، إلا أنّه فتح باب التفاوض في كلامه عن الورقة “الإسرائيلية”. وذلك حين غمز من قناة الورقة الفرنسية التي حملها وزير خارجية فرنسا إلى لبنان قبل أن يزور السراي وفدٌ عسكري سياسي فرنسي. نصرالله وصفها بأنّها إسرائيلية، لأنّها تتضمّن شروط سلام وأمن المستوطنين في شمال إسرائيل فقط. ولا تتضمّن حصول لبنان على أيّ حقّ من حقوقه بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة.
وقد كشفت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ”أساس” إنّ هدف الورقة هو الحدّ من التصعيد الأمني ووضع إطار للتفاوض على تنفيذ القرار 1701. وقالت إنّ الورقة لم تخرج عن هذا القرار الذي وافق عليه لبنان بعد حرب تموز. وأشارت هذه المصادر الفرنسية إلى أنّ الورقة هدفت إلى تأمين سلامة وأمن “سكان شمال إسرائيل” وسكان جنوب لبنان بالتساوي. وأنّها تضمّنت وقف الخروقات الجوّية الإسرائيلية وعدم الظهور المسلّح بعد نهر الليطاني، تماماً كما كان الوضع في الجنوب بعد حرب تموز 2006.
في المعلومات أنّ الحزب وضع ملاحظاته على الورقة وأعادها إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبالتالي تقول المصادر نفسها إنّه لم يقبل بهذه الورقة، لكنّه فتح باب التفاوض على شروط أفضل
الحزب يتمسّك بالقرار 1701؟
في المقابل تقول مصادر مطّلعة على أجواء الحزب لـ”أساس” إنّ الورقة تضمّنت انسحاب الحزب 10 كيلومترات أو أكثر عن الحدود، وهذا يُعتبر خارج إطار الـ1701.
تعدِّد مصادر مطّلعة على جوّ الحزب أربع نقاط انطلق منها نصرالله في كلامه الأخير.
1- الورقة الفرنسية تضمّنت ترتيبات أمنيّة على الحدود، وهي ترتيبات مطلوبة من الجهة اللبنانية فقط، وهذا ما ليس متوائماً مع الـ1701.
2- بند منع الخروقات الجوّية الإسرائيلية ليس واضحاً لأنّه ورد في صيغة مبهمة، أي “وقف الطلعات الجوّية” من دون تحديدها.
3- المهل الزمنية غير منطقية، إذ أعطت ثلاثة أيام لانسحاب الحزب بسلاحه الثقيل من جنوب الليطاني.
4- المهل الزمنية المعطاة للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلّة غير موجودة ومتروكة للتفاوض.
في المعلومات أنّ الحزب وضع ملاحظاته على الورقة وأعادها إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبالتالي تقول المصادر نفسها إنّه لم يقبل بهذه الورقة، لكنّه فتح باب التفاوض على شروط أفضل.
طريق واحدة للحلّ
يعترف المصدر الدبلوماسي الغربي بفشل اللجنة الخماسية في فصل مسار الرئاسة عن مسار الحرب على الحدود الجنوبية. رُبطت الساحات، لكنّ فكّها ليس مستحيلاً. تتحدّث مصادر دولية لـ”أساس” عن استكمال الجهود لإيجاد إطار تفاهم أملاً أن يحصل ذلك قبل “التطوّر الأمنيّ المرتقب”.
في المقابل، يستغرب البعض الكلام عن تسوية وعن رئاسة. إلا أنّ المعلومات المتوافرة عمّا يحضّر في كواليس اللجنة الخماسية توحي باستعدادٍ لمواكبة أيّ تطوّر أمنيّ مقبل على الرغم من وجود بعض النقاشات بين اللجنة في كيفية مقاربة الملفّ الرئاسي اللبناني، وتحديداً هل تتبنّى اللجنة اسماً؟ هل تدعو إلى حوار أو مؤتمر؟ بموازاة ذلك يستكمل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان جولته. وهو كان التقى يوم الثلاثاء وزير خارجية مصر سامح شكري في القاهرة على أن يلتقي الممثّل الأميركي في اللجنة في باريس هذا الأسبوع.
إقرأ أيضاً: ماذا سيفعل الحزب في “اليوم التالي”؟
مؤتمران لدعم الجيش اللبناني
في هذه الأثناء يحضَّر لعقد مؤتمرين دعماً للجيش اللبناني، الأوّل في باريس في نهاية شباط والثاني في روما. من جهتها تقول مصادر مقرّبة من عين التينة إنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي ينتظر ما ستخرج به اللجنة الخماسية.
في هذا الوقت، عمل الحزب على التسريب بأنّ الرئاسة بعيدة، ناعياً اللجنة الخماسية ما دامت إيران ليست سادستها، ومتمسّكاً بمرشّحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
موقف الحزب قد يكون حقيقياً، وقد يكون شيفرة يفكّها التفاوض. لكنّ الأكيد هو إدراكه أنّ إسرائيل لن توقف اغتيالاتها قبل الشروع في تنفيذ الاتفاق الأمنيّ الذي يحضّر له. ولحصول ذلك يحتاج لبنان إلى رئيس جمهورية ورئيس حكومة من خلال تسوية يُحضَّر لها على مستوى الرئاستين والمواقع الأولى وسلّة من الاستثمارات والدعم. سيحصل ذلك غداً أو بعد شهر أو أكثر. إلى ذلك الحين تفاوض إيران الرئيس الأميركي جو بايدن وتسابق عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ويشيّع لبنان والحزب شهداء الأخير ومدنيين باتت أعدادهم بالمئات.
لمتابعة الكاتب على X: