2.3 مليار دولار من “المركزي” للمصارف: عملية دفترية تأخّرت كثيراً

مدة القراءة 4 د


 جدول مسرب من داخل مصرف لبنان نشره الزميل محمد زبيب على صفحته الفيسبوكية أثار عاصفة على الموقع الأزرق، فحصد ما يزيد على ألف مشاركة وتهافت المصرفيون للردّ عليه وتفسير مضمونه، إلا أنّ أحداً منهم لم يعطِ جواباً شافياً. كما أنّ الواقعة لم تحرّك المصرف المركزي للردّ عليها.

الجدول يتحدث عن بيع مصرف لبنان نحو 2.3 مليار دولار أميركي إلى عدد من المصارف المحلية، مقابل مبالغ بالليرة اللبنانية على سعر 1514. ولم يُعرف إن كانت العمليات قد تمّت فعلياً أو دفترياً، كما ذكرت بعض المواقع. موقع “أساس” توجّه بالسؤال لأكثر من جهة مصرفية، كل جهة وُضعت الأمر ضمن أكثر من إطار من دون الخروج بنتيجة واضحة يمكن الركون إليها كجوابٍ شافٍ.

إقرأ أيضاً: سقط “الكابيتال كونترول” وهذا هو البديل

مصدر مصرفي قال في اتصال هاتفي مع “أساس” إنّ المصارف تؤمن الطلب على الدولار والعملة الوطنية من محافظها الخاصة، لكن هذا الأمر بات متعذّراً في الأيام الأخيرة بسبب الظروف، نظراً لشحّ السيولة بالعملتين.

لهذا كانت المصارف، خلال الأشهر الأخيرة، تلجأ غالباً إلى الاقتراض بالعملة اللبنانية “بينياً” (بين مصرف وآخر) لتتمكن بواسطة هذه الأموال من شراء الدولار من مصرف لبنان، لأنّه الجهة الوحيدة التي تمدّها بالعملة الصعبة (حسابياً وليس “كاش”).

هذا الأمر كان يحصل غالباً بفائدة تتراوح بين 80 و90 % سنوياً وتُقسّم على 365 يوماً. لكن بفعل الطلب الزائد نتيجة للأزمة باتت الفائدة تُحتسب 100 %. ولأنها أصبحت مؤخراً مرتفعة إلى هذا الحدّ، عمدت هذه المصارف إلى بيع الدولارات للعملاء من دون شرائها من المصرف المركزي، أيّ من دون إدراجها في القيود معه، فكبرت بشكل غير رسمي تلك المبالغ الدفترية إلى هذا الحدّ. ويبدو أن الأرقام في الجدول ليست إلاّ أرقاماُ للتسوية مع المصرف.

ومن التفسيرات ترجيح أنّ يكون مصرف لبنان قد أجبر المصارف على كسر ودائعها المجمدة بالليرة اللبنانية مقابل أن يعطيها ما يعادلها بالدولار، لأنّها لا تملك السيولة الكافية. وذلك من أجل تسوية الحسابات “بالجملة”، ولهذا بدت الأرقام كبيرة، “علماً أنّ هذه عملية مشروعة وتحصل كل يوم”، بحسب قريبين من المصرف المركزي.

مصدر آخر توقّف عند الرقم الكبير في الجدول رابطاً إياه بتسعيرة 1514 ليرة لبنانية، متسائلاً إن كان المصرف المركزي “يملك معلومات عن نية لدى الحكومة لرفع سعر صرف الدولار إلى 2000 ليرة لبنانية”

على الأرجح أعطى المركزي هذه الدولارات، وربطها به من خلال شهادات إيداع، بحيث لا تستفيد المصارف منها بل تبقى في عهدة المصرف المركزي، الذي يستحيل أن يمدّ المصارف بعملة الدولار الورقية الخضراء، بالشكل الذي ظنّه البعض: “برأيي ليس هناك ما يثير الريبة تجاه أي عملية مشبوهة”، يقول المصدر المصرفي.

مصدر آخر مقرّب من مصرف لبنان، أكد لـ”أساس” أنّ الأمر مؤسف، لأنّه يُعدّ “تسريبَ وثائق تدخل في صلب السرية المصرفية، وهو أمر يساهم في هزّ الثقة بالقطاع المصرفي أكثر مما هي مهتزّة، ويدخل الريبة في نفوس المواطنين من أجل أمر سخيف صراحة”، واضعاً الأمر في إطار “تغطية المراكز”، وهو تعبير مصرفي، المقصود به تغطية الحسابات المكشوفة والمتراكمة منذ العام 2018، والتي سُوّيت بشكل داخلي من خلال عملية “تعقيم الليرة اللبنانية” بشكل دفتري.

هكذا يكون مصرف لبنان قد “دعم امكانات المصارف بلا أي كلفة”، وهذا الفعل في هذه الظروف هو أقصى ما يمكن فعله. المصدر نفسه قال إنّ “المصرف المركزي لديه مدقَّقْين حسابيَيْن أجنبيَيْن هما Ernst & Young وDeloitte، إضافة إلى مفوّض الحكومة الذي يكشف على حسابات المصرف المركزي بكل صغيرة وكبيرة بشكل أسبوعي. وبالتالي، لو كان هنا أي عملية تلاعب لوُجِدَ من يفضحها سريعاً”.

مصدر آخر توقّف عند الرقم الكبير في الجدول رابطاً إياه بتسعيرة 1514 ليرة لبنانية، متسائلاً إن كان المصرف المركزي “يملك معلومات عن نية لدى الحكومة لرفع سعر صرف الدولار إلى 2000 ليرة لبنانية”. في هذه الحالة، يمكن أن تُفسّر البيانات في الجدول على أنّها دعمٌ للمصارف “كي تتمكن من تلبية سحوبات العملاء بالعملة الوطنية والدولار”، وذلك على السعر الجديد المتوقّع… وهي عملية عادلة لأنّ الأمر سيان بالنسبة للمصرف المركزي” لأنّه بذلك يكون قد “جعل عبء التسعيرة الجديدة على المصارف أقلّ وأسهل”.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…