50 ألف “نمرة حمرا”: عائلات على حافة الجوع

مدة القراءة 5 د


زاد فيروس كورونا من شراسة الأزمة المعيشية ونغّص على اللبنانيين ما تبقّى لهم من عيشٍ كريم، ودسّ العوَز والحاجة في لقمة كلّ من لا راتب له ولا مُعين، وتمثلت الأزمة بأبشع صورها مع أصحاب الدخل اليومي الذين “إذا اشتغلوا بياكلوا… وإذا ما اشتغلوا ما بياكلوا”!

سليم خدّوج كان أول المبادرين للصراخ من بين هؤلاء، عندما أحرق سيارته في محلة المدينة الرياضية بعد تسطير محضر ضبطٍ بحقّه لمخالفته إجراءات التعبئة العامة. لكن هناك عشرات ومئات الآلاف مثل سليم. بينهم أكثر من 33 ألف و500 سائق سيارة أجرة، و14 ألف سائق فان، و2000 بوسطة، علّقوا مدخولهم اليومي على يوميات كورونا وعلى سلّة حكومة خالية إلاّ من الأزمات. إضافة إلى 15 ألف شاحنة لديهم وضع آخر.

إقرأ أيضاً: كورونا ينحسر آخر نيسان إذا التزمتم المنازل

إستبشر السائقون العموميون خيراً بقرارات جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، بعد الموافقة على “تقديم مساهمة نقدية بقيمة 400 ألف ليرة لبنانية تدفع للأسر الأكثر حاجة، وتوزّع في وقت قريب عبر الجيش اللبناني” فهل هذا القرار يشمل فئة السائقين أم لا؟

يؤكد مصدر معنيّ لـ”أساس” إنّ “القرار لا يزال غير واضح، لكنّ السائقين العموميين حكماً مشمولون بهذا القرار، فالحكومة سارت بمطالب الاتحادات ونقابات النقل البري بتأمين مبلغ مالي مقطوع للسائقين”.

ويلفت المصدر إلى أنّ “الاتصالات أفضت إلى أنّ القرار مبدئي وسيتمّ تفصيل وتفنيد الفئات المستهدفة في جلسة مجلس الوزراء اليوم الخميس، وشدّد على ضرورة عدم مساواة السائق الذي تعطّل عمله بسبب أزمة كورونا بمن هم عاطلون عن العمل بالأساس. فعنوان “العائلات المحتاجة” هو عنوان فضفاض، وثلاثة أرباع اللبنانيين هم بأمسّ الحاجة اليوم للمساعدة، ولذلك لا بدّ من تفصيل القرار ونتمنى ألّا تكمن الشياطين في تفاصيله”.

السائقون العموميون نوعان: مالك لوحة وسائقها في الوقت نفسه، ومالك لوحة لكنّه يؤجّرها بموجب وكالة لسائق آخر. وهنا لا بدّ من الاتفاق على آلية تضمن حقّ المالك والمستأجر في الوقت نفسه: “كأن يتمّ تقاسم التعويض بين الشخصين، لا سيما أنّ المستأجر اليوم لا يستطيع دفع بدل الإيجار للمالك، وبالتالي يمكن أن يدفع له جزءاً من مستحقاته ويحتفظ بالقسم الآخر لتدبير أموره”. ويدعو المصدر إلى مساعدة الحكومة في إرساء تفاصيل هذه الآلية أيضاً كي لا نصل إلى مشاكل بين مالك النمرة الحمراء ومستأجرها.

رئيس اتحادات ونقابات النقل البري بسام طليس لا يريد التسرّع بالحكم على القرار الذي يعتبره “بمثابة استجابة مبدئية لمطالبنا”، ويفضّل الانتظار لمعرفة التفاصيل التي ستخرج عن مجلس الوزراء لتقييم نسبة الإيجابية في هذا القرار.

ويؤكد لـ”اساس” أنّ عدد النمر الحمراء “من سيارات أجرة إلى فانات وبوسطات هو 47 ألفاً”. هؤلاء لا معيل لهم غير “اليومية” التي يحصّلونها خلال النهار، وأوضاعهم أسوأ من ألفي سائق شاحنة قد لا تتوقف أعمال الشحن والنقل التي يعملون بها، خلال هذه الأزمة.

طليس يدعو إلى “آلية توزيع للتعويضات بين مالك النمرة الجمراء وبين مستأجرها”، في حال كان السائق ليس هو نفسه المالك. كما يطالب “باستمرار دفع التعويض طالما أزمة كورونا مستمرّة”، رغم اعتراضه على ضآلة المبلغ: “الكحل أحلى من العما”، يختم.

رئيس اتحاد السائقين العموميين عبد الأمير نجدة بدوره يرحّب بالقرار، ويؤكد لـ”أساس” أنّه “بعد بحث تفاصيله الخميس، قابلاً للتطبيق بدءاً من الاثنين المقبل”. ويكشف: “طالبنا أن يكون المبلغ 800 ألف ليرة، لكن وافقوا على 400 فقط. والأهمّ ألا تكون دفعة لمرّة واحدة”.

رامي عدنان قطيش ابن الغازية – الجنوب، وهو واحد من 35 ألف سائق يعملون باليومية، يلتزم الحجر المنزلي منذ 18 يوماً. كان في جيبه 500 ألف ليرة قبل الحجر، اليوم كل ما تبقّى له ولعائلته المؤلفة من 4 أشخاص هو 140 ألفاً فقط لا غير. وأكثر ما يزعجه اليوم أنّه بات غير قادر على تنفيذ متطلّبات ولدَيه.

يتمنّى قطيش أن تصدق الدولة بالتعويض على السائقين: “حتىّ الـ100 ألف ليرة تساوي أكثر من مليون ليرة في هذه الأزمة”

يندب قطيش حظّه، وينعت نفسه بـ”قليل الحظّ”، كونه دفع قبل يوم واحد من الحجر المنزلي أكثر من مليون ونصف المليون ليرة، مستحقّات ثلاثة أشهر لصندوق الضمان الاجتماعي. وهي المستحقات التي استدانها من أحد أصدقائه.

لكن ماذا بعد نفاذ ما تبقى من مال؟ يقول قطيش في حديثه لـ”أساس”: نحاول طرق باب الجمعيات والأحزاب لكسب بعض المساعدات لكن لا حياة لمن تنادي. العالم رح تموت الجوع ولسّا بقولولك عم  نفرز الإعاشات”.

يتمنّى قطيش أن تصدق الدولة بالتعويض على السائقين: “حتىّ الـ100 ألف ليرة تساوي أكثر من مليون ليرة في هذه الأزمة” ويختم بغضب: “صرلي 15 سنة بسوق تاكسي طول عمري ديّن العالم اليوم قلب دولابي”.

لا يختلف حال جورج عوض عن زميله في الشقاء رامي بطيش، وهو الذي توقف عن العمل منذ 10 آذار الماضي، وبالتالي لم يدخل أي مردود إلى عائلته منذ ذلك الوقت. عوض اضطر لمغادرة منزله في بيروت، واللجوء إلى منزل أهله في البقاع قبل أيام، كونه لم يتمكن من دفع بدل الإيجار لصاحب الملك هذا الشهر. وعند سؤاله عن كيفية تدبير أمور عائلته يردّ: “كحال غيري من العائلات التي تعتمد على راتب أو نصف راتب أحد افراد العائلة، ممن لا زالوا يعملون من منازلهم أو في إحدى مؤسسات الدولة” ويضيف: “بس العَترة على من لا أشقاء وأحباء يساعدونه في هذه المحنة”.

ويرحب بالتعويض المادي من الحكومة “في حال صدقت” ويؤكد أنّ هذا “المبلغ الزهيد لا يمكنه تعويض خساراتنا، فبدي إيجار منزلي فقط في بيروت هو 950 ألف ليرة، لكن يبقى أفضل من عدمه”  ويسأل: “لماذا لا يعيدون لنا جزءاً من اشتراكاتنا في صندوق الضمان بدل من تشحيدنا مساهمة هي بالأساس من كيسنا؟”.

هناك مشكلة أكبر، في كيفية تحديد العائلات الفقيرة، غير السائقين العموميين المسجّلين، وغير العائلات المسجّلة لدى الوزارات والجمعيات المعنية. وهذه ستفتح على مشكلات أكبر في الآتي من الأيام.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…