فاض السرور والبهجة في قلبي، حينما أخبرتني أم زهير يوم الخميس الفائت، بوجود يوم عالمي للرجل. قالت لي إنّها كانت تحتسي فنجان قهوتها الصباحي وتنفخ في أرجيلتها العجمية، حينما سمعت المذيعات في أحد البرامج الصباحية على التلفزيون يتحدّثن بمناسبة هذا اليوم الجلل، ويُطلقن المعايدات يمنةً ويسرى لأزواجهنّ وإخوانهنّ وآبائهنّ، ويرسمنَ ابتسامات عريضة ويقهقهنَ فرحاً وانبساطاً وتهييصاً.
والله “ما كذّبت خبر”، دخلتُ الشبكة العنكبوتية بواسطة هاتفي الحذق الذي ابتاعه لي ابني زهير من السعودية (الله يرضى عليه) وهو ماركة “هواوي” التي تذكّرني بالمخابرات السورية السبّاقة في مجال الحداثة والتكنولوجيا، يوم كانت تصرخ لنا باسمه على الحواجز قبل عقود غابرة: “هواوي ولَك”.
دخلت البراوزر، والعياذ بالله، لأتششّى (من شاشة) تفاصيل هذا اليوم العظيم، وأقرأ عن أسباب نشأته والحجّة التي أقامها القيّمون عليه ليكرّموننا بعد أن “أكلت الجوّ” كله، أيام وأعياد النساء مثل “اليوم العالمي للمرأة” وكذلك “عيد الأم” الذي يتسبّب في البلاد بأزمة زهور وورود وقوالب حلوى و”بيتي فور”، وبالكاد نُستفكر، نحن معشر الرجال، ببدعة “عيد الأب” المستحدثة من باب المجاملة والضحك على اللحى ولزوم سحب الأموال من الجيوب.
هالني أكثر حينما عرفت أنّ هذا اليوم أطلقته الأمم المتحدة لتحفيز الشعوب في الدول الفقيرة والنامية، على بناء المراحيض
التششّي من صفحة لصفحة (أي التصفّح عبر الشاشة)، قادني إلى معرفة الدور الإيجابي العظيم للرجال ومساهمتهم التي يقدّرها العالم بأسره في استمرار الحياة على كوكب الأرض (يا وعدي)، وكذلك في تعزيز المساواة بين الجنسين. لكنّ السبب الذي كان خلف هذه المناسبة لم يرُق لي. فقد قرأت أنّ الإرهاصات (شو يعني إرهاصات بالمناسبة؟) التي دعّمت بروز هذا اليوم واستمراره، تُختصر بأنّ الرجال هم الأكثر إقداماً على الانتحار، خصوصاً لمن هم دون سنّ 45 عاماً، يعني من هم دون سن “جهلة الأربعين”… زهر البساتين. خرجت بقناعة تقول إنّ أعداد المنتحرين المرتفعة في صفوفنا، أسبابها تتعلّق بنساء لا شكّ، فهنّ سبب ويلاتنا “يوم إي، يوم إي”.
أكثر من ذلك، فقد هالتني حقيقة أخرى، ولا أعلم إن كانت عن قصد وترصّد، أم أنّها محض صدفة بريئة. اكتشفت أنّ اليوم نفسه يُصادف “اليوم العالمي للمراحيض” (يا ولاد اللئيمة!)، ما يعني أنّ “أعداء الله” يحتفلون بعيدنا وبعيد كرسي الحمام في الوقت نفسه… How come؟ حاولت البحث عن رابط لتزامن هاتين المناسبتين مع بعضهما البعض ولم أجد، لكننّي من باب التخمين، قدّرت أن يكون للأمر علاقة بالمدّة الطويلة التي نقضيها، نحن معشر الرجال، في المراحيض.
هالني أكثر حينما عرفت أنّ هذا اليوم أطلقته الأمم المتحدة لتحفيز الشعوب في الدول الفقيرة والنامية، على بناء المراحيض. إذ تُظهر آخر الاحصاءات أنّ أعداد الذين يقضون حوائجهم في العراء (وبالكتمان أيضاً) يصل إلى نحو 600 مليون شخص، خصوصاً في الهند، وهذا يخلّف ضحايا كثيرة نتيجة نُدرة النظافة خصوصاً في صفوف الأطفال، كما تُسجّل أعداد هائلة في محاولات التحرّش بالنساء والفتيات اللواتي يُضطررن لقضاء الحاجة ليلاً فقط، تجنّباً لمضايقات المتحرّشين. وهذا الرقم ارتفع إلى نحو 890 مليون شخص حول العالم، بعد انتشار فيروس كورونا الذي قضى بإقفال الحمّامات العامة، والمرافق العامة في كثير من الدول.
إقرأ أيضاً: الحكومة وإجراءات الـ Lockdown
المصادفة الكبرى. توقّفت كثيراً عند هذه المعلومات المهمة، وشكرت الباري على نِعَمٍ ننعم بها من دون علمنا بها برغم المآسي والأزمات التي نمرّ بها، التي تبدو متواضعة أمام مآسٍ كتلك. تنهّدت الصعداء. نظرت إلى الجانب الإيجابي للأمر برغم “وضاعة” الجمع بين المناسبتين، وقرّرت ألاّ آبَه وأن أحتفل…
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب