خالد الهبر بصوت جارح هذه المرّة: “بدي إحكي”!

مدة القراءة 4 د


خالد الهبر “جاهز”، ويقول: “بدي إحكي”. يظهر في فيديو صغير نشره على صفحته على فايسبوك، من داخل الأستوديو، وهو يسجّل الأغنية: “قالولي ممنوع تحكي وتتخطّى الحدود في عشاير في طوايف في الله موجود”. هذه المرة الأولى منذ 12 عاماً يدخل فيها خالد الهبر إلى الاستوديو لتسجيل أغنية. منذ عام 2008، وخالد يغنّي في الحفلات، وفي الشوارع بين الناس. يغنّي ويؤجّل التسجيل في الاستوديو إلى وقت يصير فيه جاهزاً لقول ما يريد بلغته التي نحتها على مرّ السنين في أغنيات كثيرة عرفها الناس وأحبوها، وعادت وانتشرت أكثر وأكثر مع حضورها في ثورة 17 تشرين، ومع حضور خالد على الأرض مع غيتاره إلى جانب الناس في مواجهة السلطة. 

لم يتردّد خالد لحظة واحدة. اتّبع قلبه، وقلبه هو الناس. نبضهم في الشارع جعله ينزل ليرافقهم بالوتر والحنجرة وبالكلام الذي يعبّر عنهم، ذات اليمين وذات اليسار. فخالد منذ انتهاء الحرب اكتشف جمهوراً كبيراً له بين فئات كانت تصنّف بمنطق الحرب الأهلية اللبنانية في “الجهة المقابلة”، أو “في المناطق الشرقية”. حتّى بعض جمهور “القوات اللبنانية” يحضر حفلاته ويغنّي معه “خذني معك عشارع الحمرا”، و”تضحكنا عليك يا بشارة”، و”أغنية إلى رنا”، وغيرها من أغنيات يعرفها اليساريون ويحفظونها عن ظهر قلب، لكنها لم تعد حكراً على جهة أو طرف. تحرّرت وعادت إلى بطنها الأول: الإنسان. خالد الذي يتحدّر من عائلة مسيحية، لبس يساريته وأمميته ثوباً إنسانياً، يتخطّى الحواجز والحدود. لم يقف عند ماضٍ ولا عند حسابات سياسية ضيقة. يعرف خالد أنّ الناس، في كلّ مكان، هم أنفسهم، على ما يقول صديقه زياد الرحباني: “المعتّر بكلّ الأرض دايماً هو ذاته”.

لم يتردّد خالد لحظة واحدة. اتّبع قلبه، وقلبه هو الناس. نبضهم في الشارع جعله ينزل ليرافقهم بالوتر والحنجرة وبالكلام الذي يعبّر عنهم، ذات اليمين وذات اليسار

الأغنية الجديدة محاولة تلخيص لحال البلاد: “عنّا ممنوع الفقير عالمستشفى يفوت / عنا بهالبلد القدير الكرامة بشروط”. وهذا كلام سابق لـ17 تشرين، ولم يتغير حتّى اليوم. بل تأزّم الوضع أكثر مع الطبقة السياسية التي لا تسمع صراخ الناس ولا أنينهم، ولا حتّى تسمع الموسيقى والأغنيات. “وعنّا البحر بينشرى/ سرقة ونصب وسمسرة”، تتابع الأغنية كما لو أنها توثّق مكامن الفساد وتضعها في الأذن “حلقة” لكي لا تُنسى، ولكي تبقى تتكرّر حتّى بلوغ المحاسبة: “وبدك ياني ابقى ساكت اتكيّف مع الموجود؟!

لا يريد خالد أن يتكيّف مع الموجود. يريد كما معظم اللبنانيين وطناً أفضل، وتغييراً جذرياً يعيد بعض الأمل للناس بمستقبل أفضل لأبنائهم بدل أن يودّعونهم في المطار، كما فعل خالد مع ابنه الملحّن ريان (موزّع الأغنية) الذي ترك إلى دبي للعمل هناك بعدما ضاقت سبل العيش هنا. خالد “بدو يحكي”، لأنّ “منسوب الإجرام يتجاوز الحدود”، فضلاً عن الإرهاب، ومصادرة قرار الناس وأموالهم بوقاحة موصوفة: “بدي إحكي بدي غنّي فضّي كلام، صوتي جارح خلقي طافح شربان وتمام”.

إقرأ أيضاً: الأغنيات لا تكذب: تنكة تنكة.. حبّة حبّة.. بيضة بيضة

لا يغيب عن خالد الهبر في الأغنية ذكر العنف الأسري الذي يمارس بحقّ النساء، ولا قضية العمالة الأجنبية والذلّ الذي يلحق بالعاملات والعاملين في المنازل، لأنّ “المراجل بتكون عالضعيف وعالمظلوم”. والقانون؟ “ع قياسهم محفور”، على قياس المرتكبين والظالمين في الطبقة السياسية الحاكمة. وأبعد من ذلك، بما يشبه البانوراما لكل ما تتعرّض له الحريات من انتهاكات في بلادنا، يحكي الهبر عن منع الحفلات: “يمكن كاس وحفلة يضرّوا السلم الأهلي والدستور”.

هي أبعد من أغنية. هي نوع من ثورة سابقة لتاريخ ثورة اللبنانيين، ومواكبة لها، عبر تعزيز الخطاب ضدّ السلطة، وضدّ الفساد، وضدّ التطرّف والإرهاب، وضدّ المنع، وضدّ التكيّف مع الموجود. خالد الهبر “بدو يحكي.

فلنسمع…

 

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…