بورات 2: الفيلم الذي قد يتسبّب بخسارة ترامب

مدة القراءة 5 د


عرضت منصة “أمازون برايم” الرقمية مؤخراً عشية الانتخابات الأميركية فيلماً من إخراج جيسون وولينير وبطولة نجم الكوميديا ساشا بارون كوهين، يمكن اعتباره بمثابة حملة نوعية ضد إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري دونالد ترمب لولاية ثانية.

إقرأ أيضاً: رؤساء الولايات المتحدة: تنافس تاريخي وفضائح وإجراءات عزل

التأثير الكبير الذي حقّقه الفيلم أجبر ترامب على الردّ. صرّح مهاجماً الممثل: “لا أجده مضحكاً، هو بالنسبة لي غريب الأطوار وشخص زاحف”.

كوهين ردّ بعنف على تصريح ترامب وشكره على الدعاية المجانية لفيلمه، واعترف أنه يبادله الشعور نفسه ولا يجده طريفاً، قبل أن يعمد إلى التأكيد أنّ “العالم كله يضحك عليك، وأنا دائماً أحتاج إلى ناس يلعبون دور المعاتيه العنصريين”. ختم الممثّل ردّه بالسخرية من ترامب وتوقّع خسارته في الانتخابات قائلاً: “سوف تحتاج إلى عمل بعد 20 كانون الثاني. دعنا نتكلّم حينها”.

الاستياء الجمهوري طال كذلك محامي ترامب رودي جولياني الذي ظهر في الفيلم في وضع محرج في غرفة فندق مع ممثّلة أوهمته أنّها صحافية تريد إجراء مقابلة معه حول مدى استجابة إدارة ترامب لظاهرة تفشّي فيروس الكورونا.

بعد عرض الفيلم نشر جولياني تغريدة جاء فيها: “لم أتصرّف في أيّ وقت، لا قبل المقابلة ولا بعدها، بعدم لياقة على الإطلاق. إذا كان ساشا بارون يشير إلى شيء خلاف ذلك، فهو كذّاب تماماً”.

التأثير الكبير الذي حقّقه الفيلم أجبر ترامب على الردّ. صرّح مهاجماً الممثل: “لا أجده مضحكاً، هو بالنسبة لي غريب الأطوار وشخص زاحف”

كوهين كان قد حقّق شهرة كبيرة حين قدّم عام 2006 في فيلم “بورات” شخصية الصحافي الكازاخستاني التقليدي بورات ساجدييف الذي يزور أميركا لتقديم تقرير صحافي عن الحياة فيها.

تعود شخصية “بورات” للظهر في الفيلم الجديد الذي يحمل عنواناً مطوّلاً هو “بورات الفيلم اللاحق: إيصال رشوة كبيرة إلى النظام الأميركي بهدف إفادة أمة كازاخستان العظيمة”.

يٌستدعى الصحافي الذي كان يقضي عقوبة الأشغال الشاقة في معتقلات الغولاغ بعد أن تسبّبت رحلته إلى أميركا بالعار إثر إطلاق موجة سخرية من الشعب الكازاخستاني. يُطلب منه تنفيذ مهمة جديدة في أميركا تقتصر على تقديم رشوة كبيرة لرجل النساء الأكثر شهرة في أميركا، أي نائب الرئيس مايكل بنس.

الرشوة المقصودة ليست سوى قرد هو نجم الأفلام الإباحية الأوّل في كازاخستان، لكنّ المهمة تفشل حين تدخل ابنة بورات في الصندوق المعدّ لنقل القرد إلى أميركا. يموت القرد فيجد الصحافي نفسه أمام خيار العودة إلى بلده وتلقّي عقاب القتل، قبل أن تعرض عليه ابنته خياراً بديلاً تقبل به السلطات، ويقضي بأن تقدّم نفسها كرشوة لمحامي ترامب رودي جولياني.

من المدخل الهزلي للعلاقة بين الرشوة واستعادة مجد الأمة، يراكم الفيلم طبقات من السخرية الشرسة للحزب الجمهوري وعهد ترامب. يسلّط الضوء على سلسلة من التحوّلات العميقة التي طالت أنماط التفكير وردود الأفعال تجاه القضايا الكبرى، وكيف باتت أميركا ترامب عبارة عن كتلة من التعصّب، والإيمان الأعمى بالخرافات، فقدان الحساسية الإنسانية، وتغليب منطق الاستعراض وروحه على كلّ شيء.

أميركا ترامب لا يمكن مخاطبتها إلا من خلال رشوة تتناغم مع بنية السلطة فيها وتُغريها. اختيارات الرشوة كما يعرضها الفيلم تحمل دلالة مركّبة

أميركا ترامب لا يمكن مخاطبتها إلا من خلال رشوة تتناغم مع بنية السلطة فيها وتُغريها. اختيارات الرشوة كما يعرضها الفيلم تحمل دلالة مركّبة. القرد الذي يحمل صفة النجم الإباحي يشير إلى أنّ طبيعة السلطة في عهد ترامب تنسجم مع التصوّر الإباحي، لأنّها ليست سوى فضيحة مستمرة، وحالة تتعرّى من القيم والمبادئ والسياسة والعقل والمشروع، وتلجأ إلى الخرافات والإشاعات لتعبّر عن ذاتها كما هو حال الأفلام الإباحية القائمة على المبالغات.

تحوّل الرشوة إلى فتاة يفتح الانتقاد على بُعد أشد خطورة وراديكالية. ما كان يمكن تفسيره مع فكرة القرد الإباحي كدلالة على تفشّي الاستعراض والبهرجة والتسخيف بات في هذه الحالة مصيرياً، إذ إنه يرتبط بموضوع الاتجار بالبشر، ويعتبر أنّ النظام الجمهوري القائم حالياً، الذي تتلاءم طبيعته مع رشوة من هذا النوع، إنما يعزّز منطق كراهية المرأة واحتقارها والنظر إليها كدمية جنسية.

يعرض الفيلم لانعدام الحساسية الإنسانية وغياب ردود الفعل تجاه القضايا العامة من قبيل التنمّر والعنصرية وتسليع المرأة، موحياً أنّ أميركا باتت عبارة عن تجمّع لناس يعجزون عن التفاعل والتعامل مع أيّ موضوع خارج إطار وظائفهم ومؤسساتهم الضيقة والمحدودة. ويصوّر الأفراد على أنّهم باتوا مسجونين في صفات محدّدة، ولا يستطيعون النظر إلى أيّ قضية خارج خطابها الأيديولوجي والتعميمات التي تفرضها.

الحجر مع مجموعة من الجمهوريين يكشف عن خطاب بالغ الدلالة على أنّ أميركا تحت ظلال الدعاية الجمهورية تمثّل حنيناً واضحاً إلى زمن العبودية والتفاوت في الحقوق.

الاحتجاج يأتي من طرف الفئة الأكثر تعرّضاً للاضطهاد عبر شخصية مربية سوداء البشرة يطلب منها الاعتناء بابنته لمدّة، ويخبرها عن طريقة العناية التي يجب أن تلتزم بها معها، والمتطابقة مع طريقة التعامل مع الحيوانات. ترفض، وتضع الفتاة أمام حقائق تعدّها ثقافتها مستحيلة مثل قيادة المرأة للسيارة.

ينهي الفيلم خطابه بدعوة ساخرة للتصويت تحت طائلة التعرّض للإعدام، ليوجّه رسالة مفادها أنّ التصويت لترامب يعني نهاية الديمقراطية، وتحوّل أميركا إلى بؤرة للإرهاب والتخلّف.

لم تنجح المؤسسة السياسية الديمقراطية في تقديم خطاب ينتقد عهد ترامب بمثل هذه القوة والمتانة المدعومة بطبقات كثيفة من السخرية الشرسة والراديكالية، فهل سيدخل هذا الفيلم التاريخ بوصفه الفيلم الذي أدّى إلى خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية؟

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…