سعد الحريري نفسه ليس متأكداً إن كان سيكلّف نهار الخميس المقبل لتشكيل الحكومة، فالرجل قبل ساعات من تأجيل الاستشارات قبل أسبوع (الخميس الفائت) كان متأكداً من إجرائها وتسميته. وحال سيّد بيت الوسط تشبه حال الكثير، إن لم يكن معظم، الأفرقاء السياسيين. وهي حالة تؤشّر على فقدان الثقة ما بين الجميع حتى بين الحلفاء أنفسهم.
بعيداً عن أجواء التشكيل وفقدان الثقة، إن لم تحصل مفاجأة كبرى سيكون الرئيس سعد الحريري نهار الخميس المقبل رئيساً مكلّفاً للحكومة بدعم من الثنائي الشيعي وحلفائه باستثناء التيار الوطني الحرّ. هي مرحلة لم يكن الحريري ليصل إليها لولا الدعم غير المتردّد الذي قدّمه له الرئيس نبيه بري طوال هذه الفترة إضافة إلى “حاجة في نفس يعقوب” عند قيادة حزب الله، ومن خلفها إيران، في تمرير هذه المرحلة بأقل قدر من الخسائر.
إقرأ أيضاً: تمهّل يا سعد
إلا أنّ حصول الحريري على التكليف لا يعني بالضرورة وصوله إلى التشكيل وفق المواصفات الفرنسية والدولية التي وُضعت لتشكيل الحكومة والتي تقوم على ثلاث نقاط:
1- حكومة غير موسّعة من 18 الى 20 وزيراً فقط.
2- حكومة اختصاصيين مستقلين لا ينتمون إلى الأحزاب السياسية.
3- لا وجود لحزب الله في الحكومة لا مباشرة ولا مواربة.
في المقابل، يضع حزب الله ومعه حلفاؤه شروطاً للتشكيل وهي تتعارض بشكل واضح مع البنود الإصلاحية:
1- حكومة يتمثّل فيها الحزب، ولا جدال في ذلك.
2- تسمية الوزراء الشيعة كلّهم من قبل “الثنائي”، ولو في عتمة الليل مع حصة مؤكدة للرئيس عون في تسمية وزراء مسيحييين مختلف عددهم حتى الآن.
3- لا ضرائب جديدة تفرض على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
4- لا عمليات صرف جماعية للموظفين في القطاع العام.
5- لا تحرير لسعر الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، خصوصاً في قطاع الخدمات التي تقدّمها الدولة للمواطنين.
6- التأكيد على ثلاثية (الجيش – الشعب – المقاومة) في البيان الوزاري.
7- القرار النهائي في عملية الترسيم مع إسرائيل يخضع للتشاور بين رئيس الجمهورية وحزب الله والجيش اللبناني، ولا علاقة للحكومة به، التي ستكون مهمتها إنقاذية على صعيد الوضعين الاقتصادي والنقدي فقط.
8- عدم مقاربة الحكومة لملفّ الانتخابات النيابية إن على صعيد تقريب موعدها أو إقرار قانون جديد لها.
كما العادة في كلّ المرات، لا الرئيس الحريري، ولا الدائرة المحيطة به تملك إجابة على سؤال واحد يقول: “ماذا لو فشلت حسابات التأليف مجدّداً هذه المرة؟!
على خلفية كلّ ذلك يخوض الرئيس سعد الحريري هذا الاستحقاق على قاعدة أنّ الجميع مضطر للتعاون، ومن ثمّ للتنازل. وهي قاعدة، وإن لم تصل الأمور عبرها إلى الحلّ الجذري، إلا أنها لا شكّ ستمنع الانهيار الكامل.
الرئيس الحريري يضع خارطة للقوى المؤثرة كالتالي:
– الإدارة الأميركية: تسعى لإنجاح مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وترى أنّ وجود حكومة يساعد على إنجاح هذه المفاو ضات.والدليل كلام وزير الخارجية الأميركية في اتصاله مع الرئيس عون بالأمس والذي يعد بمساعدات في الإعمار للمرة الأولى منذ انفجار المرفأ.
– الإدارة الفرنسية: هناك حرص على حفظ ماء وجه الرئيس إيمانويل ماكرون عبر إنجاح مبادرته حتى لو جزئياً أو صورياً.
– حزب الله: يريد تجاوز المرحلة الحالية بأقلّ قدر من الخسائر، وتجربته مع حسان دياب ومن ثمّ مع تكليف مصطفى أديب، أكدت أنّ خيار سعد الحريري هو الأضمن والأسهل بالنسبة له.
– الرئيس ميشال عون: غير قادر على الذهاب بعيداً مع صهره، وستجري الاستشارات وإن كان ممتعضاً منها.
حسابات الرئيس سعد الحريري، وإن لم تصب إلا نادراً في السياسة أو في الانتخابات، إلا أنّه واثق، كما الدائرة المحيطة به، من نجاحها هذه المرة. لكنّه وكما العادة في كلّ المرات، لا الرئيس الحريري، ولا الدائرة المحيطة به تملك إجابة على سؤال واحد يقول: “ماذا لو فشلت حسابات التأليف مجدّداً هذه المرة؟!..”.