من يدخل مكتب الحاج عبد الغني كبارة في طرابلس لا بدّ أنّه سيلحظ صوره مع الشهيد رفيق الحريري تملأ المكان. فالرجل بينه وبين الشهيد عقوداً من الزمن، هو الذي التقاه لأوّل مرة في العام 1992 بعد انتخاب شقيقه محمد كبارة نائباً عن طرابلس، ليؤسّس هذا اللقاء علاقة متينة، قربّته من الدائرة الحريرية وفكرها. لا يمكن المقارنة بين علاقة “الحاج” مع رفيق وعلاقته مع الرئيس سعد الحريري، فهناك مرحلة ثانية، سادها “مدّ وجزر”، لتكسر الجرّة بعد ثورة 17 تشرين الأوّل 2019.
إقرأ أيضاً: الحريري في طوره العوني
“بداية حلم”، بهذه العبارة يصف الحاج عبد الغني كبارة الشهيد رفيق الحريري. الرجل الذي جاء إلى لبنان في مرحلة كانت تفتقد فيها الطائفة السنية الكيانات المميزة، إذ لم يكن من زعامات باستثناء الرئيسين رشيد كرامي وصائب سلام. يميّز عبد الغني بين الشهيدين كرامي والحريري، فالأول كان تقليدياً، أما الثاني أيّ الحريري، فقد كانت لديه حداثة في التعاطي السياسي وطموح لا محدودة إضافة إلى الرؤية الاقتصادية والإنمائية.
في حوار مطوّل مع “أساس”، يحدّثنا “الحاج”، كما يناديه المحطيون به، عن الحياد، فالشهيد رفيق الحريري كان أوّل من سعى إليه من خلال خلق وطن التعايش الذي يكون بعيد إلى حد ما عن الخضات والخلافات الدولية والإقليمية. وفيما يستذكر كبارة مشروع “سينودوس لبنان”، الذي توّج بزيارة تاريخية للبابا بولس الثاني إلى لبنان، يؤكد بالتالي أنّ هدف الشهيد من هذه الزيارة لم يكن صورة فولكلورية إسلامية – مسيحية، وإنّما تنفيذ أجندة حقيقية تحقق التعايش الإسلامي – المسيحي، وتصنع وطن لا مخاطر تهدده من دول الجوار، ولا يتأثر بالخلافات الإقليمية.
رفيق الحريري هو “فِكرٌ”، يقول كبارة، فهو لم يفكر فقط بالإنماء والإعمار، بل سبق كل ذلك التعليم، لأنّ هدفه الحقيقي هو مشروع الدولة. كما كان هاجسه الأساسي الاستقرار، إذ لا يمكن لأي بلد أن يزدهر اقتصادياً وأن ينتفع من العلم والأفكار والرؤية إن لم يكن لديه استقرار. ووفق كبارة “من لم يعرف رفيق الحريري لا يعرف كيف يؤمن الاستقرار”، متأسفاً أنّ مشروع الشهيد لم يستكمل ولم يتابع بعد اغتياله، إذ لم يكن هناك إعادة هيكلة بالشكل الاقتصادي المطلوب فيما عقدت المؤتمرات في وقت متأخر.
بداية حلم، بهذه العبارة يصف الحاج عبد الغني كبارة الشهيد رفيق الحريري. الرجل الذي جاء إلى لبنان في مرحلة كانت تفتقد فيها الطائفة السنية الكيانات المميزة، إذ لم يكن من زعامات باستثناء الرئيسين رشيد كرامي وصائب سلام
لا ينسى “الحاج” أن يشدد على أنّ الاستقرار الذي سعى إليه الشهيد لا يعني المساومة أو التنازل، وخاصة التنازل لـ”حزب الله”، الذي يريد وضع يده عى لبنان لاستكمال مشروعه بالمنطقة الذي تجسد في العراق وسوريا واليمن، وذهبوا لأجله إلى البحرين وحاربوا في شبه الجزيرة العربية، فهذا مخطط لا يواجه لا بالتساهل ولا بالتعاطي الإيجابي.
الشهيد الذي كان لديه طروحات لمشاريع كبرى، لم يهمل حتى التفاصيل الصغيرة، هو إن وعد وفى، يقول كبارة، مضيفاً “حينما كنا نطرح عليه ملفاً ما كان يتابعه، وكان يفي بوعوده للبنانيين ولأهل طرابلس خصوصاً المدينة التي كانت تعاني في تلك المرحلة”.
يتوقف كبارة عند الفرق الكبير بين الأداء السياسي في زمن الشهيد والأداء اليوم، وعند سؤاله عمّا يتردد في طرابلس عن محاولات البعض عرقلة عمل الشهيد ومنعه من العمل في المدينة، يؤكد “رفيق الحريري لم يكن يسمح أن تصل الأمور إلى العرقلة. هو لم يكن سلبياً. وكان يتخطى كل شيء لأجل مصلحة الناس ويذلل العراقيل”.
رفيق الحريري هو “فِكرٌ”، يقول كبارة، فهو لم يفكر فقط بالإنماء والإعمار، بل سبق كل ذلك التعليم، لأنّ هدفه الحقيقي هو مشروع الدولة. كما كان هاجسه الأساسي الاستقرار
بين رفيق الحريري وسعد الحريري:
بالعودة إلى المرحلة الحالية، أيّ مرحلة سعد الحريري، والفرق بينه وبين الشهيد، يرى كبارة أنّه من الظلم المقارنة، ولكن هذا لا يمنع من أنّه كان على سعد أن يستنير بفكر وذهنية ومخطط رفيق الحريري، إذ لا يمكن بناء هيكل سياسي إن لم يكن الأمناء عليه بالفعل حافظين للأمانة.
وفق كبارة كان على سعد الحريري أن يحافظ على إرث الشهيد من خلال اختيار العاملين في هذا الهيكل من خيرة المفكرين والعاملين والنشطاء القادرين على التماشي مع تغيرات المجتمع والتغيرات السياسية والإقتصادية والانمائية.
“لبنان منذ اغتيال الحريري وحتى اليوم. لم يحدث أيّ تقدم على كافة الصعد”، يؤكد كبارة، معتبراً أنّه “لا يوجد رئيس سوبرمان ولكن هناك رئيس مثل رفيق الحريري كان يعطي من يومه 18 ساعة لخدمة مشروعه. هو الرجل العصامي الذي بنى نفسه من الصفر. نحن لم نكن ننتظر أن يكون أحداً مثل الشهيد. ولكن انتظرنا المحافظة على إرث الشهيد، وعلى المجموعة التي كانت محيطة بالشهيد. والتي كانت فعلياً تعمل معه وقادرة على المساعدة في استمرار ونجاح مشروعه”.
السعودية تعاطت مع سعد الحريري بشكل مختلف عن تعاطيها مع رفيق الحريري، هم انتظروا من سعد أن يستكمل رفيق الحريري وهذا مستحيل فسعد ليس رفيق
وفيما يعتبر كبارة أنّه كان على سعد الحريري أن يحيط نفسه بمجموعة من الطاقم القديم الذي عاصر رفيق الحريري، لا ينفِ بالمقابل أنّ هناك عوامل إقليمية لعبت دوراً، فـ “السعودية تعاطت مع سعد الحريري بشكل مختلف عن تعاطيها مع رفيق الحريري، هم انتظروا من سعد أن يستكمل رفيق الحريري وهذا مستحيل فسعد ليس رفيق، وهذا أضر بمشروع رفيق الحريري، فالشهيد كان ملتصقاً بالسعودية. وواقع لبنان مع السعودية لم يكن ولا مرة في زمن الشهيد بهذا السوء الذي نتلمسه في المرحلة الأخيرة”.
لا يتردد في الإشارة إلى أنّ سعد الحريري قد تعثّر في ملفات عدّة، بينها قراءة الواقع الدولي والإقليمي والمحلي قبل الثورة، إذ كان عليه التعاطي بشكل أفضل وأن يتم استيعاب الشبان الذي ينادوا بالمشروع نفسه الذي نادى به رفيق الحريري، معلّقاً: “حين سمعت هؤلاء الشبان شعرت أنّ الحلم قد عاد، وأنّ هناك جيل يطالب بما كان يطالب به رفيق الحريري. ولكن للأسف لم يكن من مجال لاستقطاب هؤلاء الشبان، كما لم يكن أيضاً من مجال من قبولهم بمشروع سعد الحريري، لما حول سعد من قيادات تشوّه الصورة والواقع”.
أما فيما يتعلق بالحريرية السياسية، فيشدد كبارة على أنّها مشروع له روح، وأنّ هذه الروح تعتمد بشكل أساسي على الاستقرار والعيش المشترك ولبنان الحديث الذي نحلم فيه، مشيراً إلى أنّ هذا المشروع كان يمكن استكماله بأشخاص يستوعبون المسيرة ويحافظون عليها، غير أنّ اليوم لا يوجد من يكمل الحريرية السياسية.