حتى العام 2008، كان من أبزر الوجوه والقيادات التي تمثّل “التيار الوطني الحر”، وتتحدّث باسمه وتعمل على ترسيخ مبادئه. هو الذي آمن بفكر ميشال عون، فانتسب طوعاً إلى هذا الخط في العام 1989، غير آبه بويلات حرب التحرير، ولا بالقمع والتنكيل جرّاء الهيمنة السورية على لبنان.
هو المحامي أنطوان نصرالله، “التياري” منذ أن كان التيار، والذي سُجن دفاعاً عن هذا النهج في السابع من آب 2001، فلم يتلكأ، ولم يتراجع، بل لم يزده القمع إلا إصراراً.
إقرأ أيضاً: هشام حدّاد: نادمٌ لأنّني بكيت على ميشال عون مرّتين
نضاله في التيار ونشاطه دفعا لانتخابه كأوّل رئيس هيئة سياسية في مرحلة ما بعد الحرب، للطلاب، في كلية الحقوق والعلوم السياسية – الفرع الثالث. ثمّ انتخب بعد ذلك مسؤولاً عن الطلاب أكثر من مرّة. وحينما تخرّج وبدأ بمزاولة مهنة المحاماة، انتخب مسؤولاً عن المحامين في التيار، لينتقل بعدها للعمل الإعلامي، فكان مسؤول لجنة الإعلام في التيار الوطني الحر، واستمر في مركزه هذا حتى العام 2008. ومن هنا بدأت نهاية المسيرة مع التيار، الذي أخذ بالتحوّل من النهج العوني إلى الباسيلي.
في العام 2019، وبعدما رسخت الهيمنة الباسيلية على التيار الوطني الحر، توسّعت رقعة الاعتراض، فعقد معارضوه لقاءً في فندق الحبتور، ضمّ في ذلك الوقت 80 شخصاً
باسيل الذي سعى إلى مدّ نفوذه في التيار، تحسّباً لليوم الذي يعتلي فيه هذا التنظيم بالتزكية، حيث لا حظوظ له بأيّ انتخابات داخلية قد تجري، كان لديه هاجس القيادات العونية وتأثيرها لاسيما المعارضة له أو البعيدة عن التبعية له، من الذين شاركوا في تأسيس هذا التيار. فآثر ترويض البعض وإغراء البعض الآخر بالمناصب، كمُديرين ومستشارين أو حتى وزراء ونواب. ومع أنّ باسيل نجح إلى حدّ ما في استمالة الطامعين بالمناصب، غير أنّ أصوات عدةّ رفضت الخضوع والركون تحت جناحه، فكان مصيرها الفصل. هذا القرار أبلغ لهذه القيادات في اتصال هاتفي في تموز العام 2016. وكان في طليعة هؤلاء المعارضين، المحامي أنطوان نصرالله، إضافة إلى نعيم عون (ابن شقيق الرئيس عون)، وزياد عبس، وبول أبي حيدر.
في العام 2019، وبعدما رسخت الهيمنة الباسيلية على التيار الوطني الحر، توسّعت رقعة الاعتراض، فعقد معارضوه لقاءً في فندق الحبتور، ضمّ في ذلك الوقت 80 شخصاً، وتركّز النقاش حول إطلاق حركة أسميت “التيار”، غير أنّ المعنيين أكدّوا حينها أنّ هذه الحركة ليست سياسية ولا هي بحزب، وإنّما هي نواة لأيّ مشروع مستقبلي.
الرئيس عون كان لديه قول مشهور، وهو “انتخبوني بتعب أنا وبترتاحوا أنتوا. لا تنتخبوني برتاح أنا وبتتعبوا أنتو”، بهذا الاقتباس الذي كان دائماً يسمعه، يبدأ القيادي السابق في التيار، المحامي نصرالله، كلامه لـ”أساس”، معلّقاً بغصّة: “انتخبناه. تعبنا نحن أكتر من قبل”.
مشاكل المعارضين في التيار أخذت تطفو إلى السطح بعد عام على عودة العماد ميشال عون إلى لبنان، أي في العام 2006، فسجّلت الاعتراضات التي يضعها نصرالله في سياق “التصحيح وإنقاذ التيار لا البحث عن مراكز”.
ما وصل إليه التيار الوطني الحرّ اليوم ليس مستغرباً على القيادي السابق، فيردّدها بصراحة: “كنا نرى التيار ذاهباً في هذا الاتجاه”، معتبراً أنّ الـ20 عاماً التي قضاها في هذا التنظيم هي من أهم المراحل التي نضج خلالها واكتسب الخبرة والمعرفة. غير أنّ تيار اليوم ليس كتيار الأمس، إذ غابت “روح النضال”. فالتيار الذي تحوّل اليوم إلى مؤسسة شخصية يديرها جبران باسيل، لا يلاقي طموحات نصر الله ورفاقه من المؤسسين والمناضلين الميدانيين. وهذا ما نستنتجه من كلام نصرالله حين يحدّثنا عن المرحلة السابقة: “خلال مسؤوليتي في إعلام التيار، حرصتُ على رفض تسمية التيار العوني، وكنتُ أشدّد دوماً على تسمية التيار الوطني الحر. فنحن نتبع فكراً لا أشخاصاً. ولو كنا نتبع الأشخاص، للحقنا الأحزاب التقليدية والزعامات التقليدية”.
لا ينزّه نصرالله ميشال عون، ولا يعفيه من المسؤولية: “هو مسؤول، ومسؤوليته كبيرة”
محاولة المعارضين التصحيح من الداخل لم ترُق للوزير باسيل، الذي أسّس محكمة حزبية يصفها نصرالله بـ”اللاشرعية”. وقرّرت هذه المحكمة طردهم في العام 2016. هذا المسار الذي ذهب إليه التيار يدفع نصرالله للندم على عدم مغادرته في العام 2006. لكنّه بالطبع لا يندم على قرار انتسابه إلى التيار في التسعينات. هو ببساطة لا يجد تيار الأمس في تيار اليوم.
لكن ما الفرق بين ميشال عون التسعينات وميشال عون الذي تعارضه اليوم؟
لا يتردّد نصرالله في الإجابة على هذا السؤال، فيقول تلقائياً: “المشكلة في تطبيق الأفكار”، موضحاً أنّ الرئيس عون بدأ باكراً يفكّر بالوراثة، وهذا ما استغله جبران باسيل الذي تصرّف تبعاً للمصلحة، وأحاط نفسه بـ”الزقيفة”، وبأشخاص يؤيدونه بشكل أعمى كي يسيطر على التيار.
لا ينزّه نصرالله ميشال عون، ولا يعفيه من المسؤولية: “هو مسؤول، ومسؤوليته كبيرة”، وأكثر ما يتوقّف عنده من باب العتب واللوم، هو الفكر السيادي والحرّ والمستقلّ الذي كان ينادي به عون، والحديث عن الإصلاحات والفكر المدني اللاطائفي وتطوير القانون، مؤكداً أنّ كلّ هذا “لا يتحقّق، وإن كان عون لا يتحمّل وحده المسؤولية بهذا التدهور، غير أنّه يتحمّل الجزء الأكبر منها لكونه قبطان السفينة”.
يتحفّظ نصرالله على كلمة “الأمل” بما تبقّى من سنوات العهد، فالعبرة وفق ما يقول بالتنفيذ. “وعون إن أراد التنفيذ عليه إبعاد أولاً الأشخاص الذين لا ثقة للشعب بهم، وتشكيل حكومة مصغّرة تقوم بإصلاحات حقيقية على مختلف الصعد وحماية استقلالية القضاء، أو سنذهب إلى الكارثة. ومع أنّ هذه الفرصة ما زالت ممكنة إلا أنّ النيات حتّى الآن غائبة”.
النيات المغيَّبة، تدفع القيادي السابق إلى توجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية ومضمونها: “أيها الرئيس. لديك عامان كي تكون زعيماً تاريخياً. أيام السوريين، كنا ندخل إلى كلّ مكان. وحتى من يختلف معنا في السياسة، يحبنا ويحترمنا. اليوم نوابك يخشون النزول إلى الشارع. نصحيتي لك، طهّر محيطك، اصنع حكومة. المحاسبة التي تحصل اليوم في جريمة المرفأ كذبة كبيرة، وهذا ليس مقبولاً. لبنان منحك الكثير. امنحه شيئاً”. وفيما يرفض نصرالله توجيه نصيحة لجبران باسيل لكونه لا يسمع، يكتفي بالقول له: “الله يسامحك، أنت تتحمّل مسؤولية تحطيم أمل اللبنانيين”.
حزب الله وشامل روكز
لا ينفي نصرالله أنّه كان من المؤيدين لورقة التفاهم التي جمعت التيار الوطني الحر بحزب الله، معلّقاً: “ما لا أؤمن به، هو الدفاع الأعمى عن حزب الله. وكذلك الأمر بالنسبة للتفاهم مع تيار المستقبل وسعد الحريري. يجب التمييز بين التفاهم والذوبان”، معتبراً أنّ الحزب وسلاحه هو جزء من المشاكل الكبرى التي يعاني منها لبنان.
أما الهاجس الأساسي للقيادي السابق فهو لبنان: “وأن يبقى هذا الوطن”، مشدّداً على أنّ آخر همومه أن يظلّ هناك تيار وطني حر أو أيّ من الأحزاب: “المهم أن يبقى البلد واقفاً”. وينتقد نصرالله في الوقت نفسه كلام التيار الذي محوره: “ما خلونا نشتغل”.
هل هناك تواصل مع العميد شامل روكز؟
يردّ نصرالله بالإيجاب، فروكز مثله، اتّخذ خيار المعارضة ليس حبّاً بالمعارضة، وإنّما لكون التيار ذاهب باتجاه لم يعد يشبهه أيضاً. أما عن الاتجاه لتأسيس حركة سياسية منظّمة، فهو أمر لا ينفيه القيادي السابق، ولكن “لسنا مستعجلين”، مع احتمال مشاركة أسماء من بينهم في الترشّح إلى الانتخابات الفرعية.
نصرالله الذي يتحدّث عن لحظتين وجدانيتين في مسيرته، الأولى عندما سجن في 7 آب وتعاطي التيار في حينها بين أعضائه كعائلة، والثانية يوم التقى العماد عون. يؤكد أنّ خيار الهجرة ليس مطروحاً بالنسبة إليه: “رح يفلوا هنّي ورح ضلّ أنا وابني”.