تعرّض التحالف الاستراتيجي بين حركة أمل وحزب الله إلى اهتزاز خطير في الأسبوع الماضي بعد حادثة إطلاق النار في بلدة اللوبية الجنوبية، الذي أدّى لمقتل أحد عناصر حركة أمل. وقد اتُّهِم أحد كوادر حزب الله بارتكاب الجريمة بسبب الخلاف على تعليق لافتات عاشورائية. لكنّ التحقيقات لم تنتهِ، وانتشرت روايات عديدة حول من أطلق النار، وهل هو الكادر من الحزب أو غيره. لكنّ الأخطر من الحادثة هي الشعارات التي أطلقت خلال تشييع الضحية من الحركة ضد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وهذا يحدث للمرة الأولى منذ انتهاء الخلافات بين الطرفين في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وعقد التحالف الاستراتيجي بينهما برعاية سورية وإيرانية.
إقرأ أيضاً: لماذا سلّم شارل رزق المحكمة الدولية إلى نصر الله؟
حزب الله حرص على عدم التعليق على ما جرى، واكتفى بتسليم المتهمين بإطلاق النار إلى الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية، وترك القرار لهذه الأجهزة. أما قيادة حركة أمل، فسارعت الى إصدار بيان ندّد بالشعارات المسيئة لنصر الله، واعتبر ما جرى “تصرّفات فردية ومدانة بكلّ المقاييس، ولا تعبّر عن عمق العلاقة، والموقع الذي يحتله السيد نصر الله في وجدان الحركة وقيادتها ومجاهديها”، وأنّ “نشر الفيديوهات المسيئة للسيد هو رهان على سراب خائب لن يبدّل في ثوابت الحركة والوحدة والتلاحم مع أبناء المقاومة الواحدة والصف الواحد”.
عمدت قيادتا الطرفين لإنشاء منصة إلكترونية مشتركة تتولّى نشر البيانات والمواقف، وتردّ على أيّ حملة إعلامية تهدف لإثارة الخلافات بينهما
الخلاف بين عناصر وكوادر الحركة والحزب خلال الثلاثين عاماً الماضية ليس الأول، فقد شهدت هذه السنوات الكثير من التباينات والخلافات السياسية والإعلامية، وعلى صعيد الانتخابات البلدية بين الطرفين. لكنّ قيادتي الطرفين نجحتا دائماً في استيعاب هذه الخلافات، وحماية التحالف الاستراتيجي بينهما رغم تغيّر الظروف الداخلية والخارجية، وتراجع دور الراعي السوري للحركة، وبروز بعض التنافسات الشعبية والانتخابية، والتراجع الشعبي للحركة أمام قوة الحزب وتقدّمه.
وفي المرحلة الأخيرة، وبعد انتقال الخلافات إلى مواقع التواصل الاجتماعي تحت عناوين مختلفة سواء حول تاريخ المقاومة أو محاربة الفساد أو التنافس في بعض القرى، عمدت قيادتا الطرفين لإنشاء منصة إلكترونية مشتركة تتولّى نشر البيانات والمواقف، وتردّ على أيّ حملة إعلامية تهدف لإثارة الخلافات بينهما. كما أنّ الاجتماعات الدورية بين قيادتي الطرفين سواء على الصعيد المركزي أو في المناطق أو على صعيد القطاعات المهنية والبلدية، تتولّى معالجة الاختلافات، وتؤكّد التعاون والتنسيق المشترك على الصعيد الميداني.
كلّ ذلك يقتضي حسب مصادر قيادية في حركة أمل، ضرورة مراجعة تجربة التعاون والتنسيق طيلة الثلاثين سنة الماضية، وتحديد نقاط الخلل، وكيفية معالجة هذه الإشكالات
لكن رغم كلّ هذه الجهود المبذولة من قيادتي الطرفين، فإنّ التنافس المناطقي والشعبي والحزبي يبرز بين فترة وأخرى. ولعلّ حادثة قرية اللوبية الجنوبية تعتبر أخطر هذه الحوادث، والأخطر من الحادثة، الشعارات التي أطلقت ضد السيد حسن نصر الله، والتي جرى تصويرها وتعميمها عبر وسائل الإعلام.
كلّ ذلك يقتضي حسب مصادر قيادية في حركة أمل، “ضرورة مراجعة تجربة التعاون والتنسيق طيلة الثلاثين سنة الماضية، وتحديد نقاط الخلل، وكيفية معالجة هذه الإشكالات، لأنّه من غير الصحيح الاكتفاء بالتعاون المركزي والسياسي وعلى صعيد القيادات. بل نحن بحاجة إلى عمل أفقي يمتدّ إلى كلّ القواعد الشعبية، ومن خلال الهيئات الثقافية والدينية والتربوية، والعمل لإزالة كلّ التباسات الخلاف القديم، وبناء ثقافة مشتركة لمواجهة التحدّيات المختلفة”.
وفي الخلاصة، فإنّ ما جرى في بلدة اللوبية لن يغيّر في التحالف الاستراتيجي بين حزب الله وحركة أمل خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة، لكنه يشكّل جرس إنذار خطير لقيادتي الطرفين ينبغي أخذه بعين الاعتبار في ظلّ ظروف صعبة وتحدّيات خطيرة داخلياً وخارجياً.