الضاحية استمعت إلى الحكم: نظر إليّ مصطفى بدر الدين وابتسم

مدة القراءة 4 د


الداخل إلى ضاحية بيروت الجنوبية، من ناحية شارع هادي نصرالله، تستقبله صورة عملاقة معلّقة إلى يمين الشارع، لمصطفى بدر الدين، المتهم الأوّل باغتيال الشهيد رفيق الحريري.

سيارة الأجرة التي تنقلني، وفيما تعبر حاجز الجيش اللبناني، معلنة دخولنا أراضي الضاحية رسمياً، تعبر تحت الصورة، وتحت ظلالها، وبالمصادفة التي هي خير من ألف ميعاد، يخرج في الوقت نفسه اسم بدر الدين من راديو السيارة، في سياق الحديث عن حكم المحكمة الدولية.

إقرأ أيضاً: العدالة للبنان (5): الشيعة لم يقتلوا رفيق الحريري

تكمل السيارة مسيرها نحو أحشاء الضاحية. قبل قليل من النطق بالحكم. والشارع نفسه مليء بصور “شهداء” حزب الله، ممن سقط بعضهم في سوريا بمواجهة أهلها، وسقط بعضهم الآخر جنوب لبنان بمواجهة إسرائيل.

هذه المرة كانت وجهتي المريجة، التي كلما اقتربت منها، كلما لحظت المظاهر العاشورائية أكثر، حتى كدت أنسى أخبار المحكمة الدولية

نصل إلى قلب الضاحية، حيث مطعم “الآغا”. صالة المطعم فارغة. هدوء لا يخترقه إلاّ التلفاز الذي يبثّ وقائع النطق بحكم المحكمة الدولية من خلال شاشة الـ LBC، التي كان جمهور حزب الله قد دعا إلى مقاطعتها، بعدما قاطعت بدورها خطابات أمينه العام حسن نصرالله. وفيما كانت همسات الموظفين تدور حول المحكمة، يدخل شاب وفتاة، يجلسان في الزاوية ويديران ظهرهما للتلفاز. الحياة هنا في مكان آخر.

بعد حوالي نصف ساعة، وبعدما أنهيت كوب العصير، غادرت المطعم، لأكمل الجولة في محيطه وأنا أراقب المطاعم المجاورة التي فرغت صالاتها أيضاً في وقت الغداء.

الشارع بدأ يمتلىء بلافتات عاشورائية. عدت إلى السيارة مجدّداً، وهذه المرة كانت وجهتي المريجة، التي كلما اقتربت منها، كلما لحظت المظاهر العاشورائية أكثر، حتى كدت أنسى أخبار المحكمة الدولية لولا أن ارتفع صوت ذلك الشاب الواقف أمام متجر لا يوجد في واجهته إلاّ الثياب السوداء، وهو يقول لجاره متهكماً: “شو صار بالمحكمة؟”.

تابعت طريقي إلى شارع معوّض، وهو سوق تجاري: الطريق شبه فارغة من السيارات، والمحالّ خالية من حركة البيع والشراء، وبعضها أقفل أبوابه. في هذا الشارع، لا محكمة دولية ولا حتى عاشوراء. هنا نعاين “الطفر” والإفلاس الذي يضرب كلّ لبنان.

الضاحية كانت هادئة جدّاً أمس. تماماً مثل غضب مكتوم، أو مثل خوف. لكن بعد صدور الحكم، اشتعلت فرحاً، بالمفرقعات

بعد معوض اتجهت إلى الغبيري، ولمن لا يعرف هذا الشارع، فهناك أكبر سوق لبيع قطع غيار السيارات في بيروت، وربما في لبنان. المرور من هناك في الأيام العادية يحتاج إلى نصف ساعة تقريباً، فيما لم يستغرق معنا أكثر من دقائق قليلة. هذا الشارع الذي اتهمّه يوماً وليد جنبلاط بأنّه مصدّر السيارة التي استخدمت في محاولة اغتيال النائب المستقيل مروان حمادة. الحركة كانت خجولة. سيارات تعدّ على أصابع اليد الواحدة. وحدها عاشوراء هي الحاضرة هنا.

من الغبيري انتقلت إلى أوتستراد طريق المطار. الطريق الذي كان شبه فارغ دفعني لسؤال السائق: “أين السيارات؟”. وكان هو مثلي مستغرباً. تابعت طريقي بعدما جُلت في معظم أجزاء الضاحية الجنوبية في أقل من ساعة. وهناك، على أتوستراد المطار، وحده هدير الطائرات التي ربما تحمل الهاربين من لبنان، كان يشغّل بعض الموسيقى في خلفية المشهد. وهناك سؤال واحد لم يتوقف عن الهدير في رأسي: أين هو مصنع الصواريخ الذي يهدّد اللبنانيين؟ وأين هم أهل الضاحية؟ هل غيّبتهم الكورونا عن الشوارع؟ أم المحكمة الدولية؟ أم تراهم قرّروا عدم النزول إلى الشارع بناءً على ما انتشر أمس عبر الواتساب، من دعوات حزبية غير رسمية لعدم التجوّل في هذا اليوم؟

الضاحية كانت هادئة جدّاً أمس. تماماً مثل غضب مكتوم، أو مثل خوف. لكن بعد صدور الحكم، اشتعلت فرحاً، بالمفرقعات، والشماتة بالمحكمة، والسخرية على مواقع التواصل ممن كانوا ينتظرون أن تدين حزب الله.

كأن صورة بدر الدين ابتسمت قليلاً، لنا، ونحن في طريق الخروج من الضاحية، من تحت ظلالها.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…