هبوط أناشيد “حزب الله” من “الشعب استيقظ يا عباس” إلى “كلنا حدك يا حسان”!

مدة القراءة 5 د


أناشيد قليلة أنتجها “حزب الله” أو المنظومة “الثقافية” اللصيقه به استطاعت الصمود والعيش والاستمرار. غالباً فشلت أناشيد مقاومة كثيرة في مقاومة موتها. لم تصمد طويلاً قبل أن يطويها النسيان. وربما كان أشهر نشيدين صمدا إلى الآن في الذاكرة الشعبية القريبة من بيئة الحزب، هما نشيده الرسمي “ألا إن حزب الله هم الغالبون” ونشيد “الشعب استيقظ يا عباس” الذي أنتجته فرقة “الولاية” بعد اغتيال الأمين العام للحزب السيد عباس الموسوي بغارة اسرائيلية في شباط من العام 1992. وفرقة “الولاية” تأسست في أثناء ولاية الموسوي، ودعم فكرة تأسيسها و”أطلق عملها في احتفال الإمداد في العام 1988″، بحسب ما جاء في مقالة تفصيلية عن “قصة نشيد: “الشعب استيقظ يا عباس” على موقع “العهد الإخباري”.

إقرأ أيضاً: عنف.. تعذيب وذبح في أغاني الأطفال!

وقد استعانت الفرقة الموسيقية التابعة للحزب آنذاك بـ”فريش ماني” وقدره 3500 دولار أميركي اقترضه الموسوي من “القرض الحسن”، لشراء آلتين موسيقيتين، هما الكلارينيت والساكسوفون، من النمسا. ويروي أحد مؤسّسي الفرقة (وكاتب نشيد “الشعب استيقظ…”) أنور نجم في مقابلة مع مجلة “بقية الله”، حكاية طلبهما من النمسا، وتوصيلهما إلى لبنان “بعد أيام من استشهاد السيد”. فقرّرت الفرقة، تكريماً للأمين العام، الإجتماع “لإنتاج عمل فني راقٍ يليق بالسيد”. فكان النشيد الشهير، الذي عُزف باستخدام الآلتين المستوردتين من النمسا. والمفارقة التي لم ينتبه إليها كثيرون هو وجود خطأين لغويين فادحين في النشيد يمكن ببساطة لأي مدقّق لغوي أو عارف باللغة العربية أن يضبطهما: “تسكنه، الدمعةَ في العينين/ تعلوه، البسمةَ في الشفتين” (بالفتحة على آخر الكلمة)، والصحيح “الدمعةُ” و”البسمةُ” (بالضمّة على آخر الكلمة)، والمفارقة أنّ فرقة الولاية اعادت بعد أكثر من عشرين عاماً إنتاج الأغنية بتوزيع جديد وبتسجيل حديث، وأبقت على هذين الخطأين ولم ينتبه إليهما أحد من الحزب الحريص على استخدام اللغة العربية الفصحى والصحيحة في أدبياته.

أشهر نشيدين صمدا إلى الآن في الذاكرة الشعبية القريبة من بيئة الحزب، هما نشيده الرسمي “ألا إن حزب الله هم الغالبون” ونشيد “الشعب استيقظ يا عباس

لكنّ النشيد عاش، على الرغم من هذين الخطأين، “وإلى يومنا هذا، ما زال نشيد السيّد عبّاس الموسويّ، هو الأوّل في تاريخ الأناشيد، والأكثر مبيعاً قطعاً، على الرغم من أنّه قد تمّ إصدار مئات، وربّما آلاف الأناشيد من الـ1992 حتّى الآن”، كما يؤكد نجم في المقابلة التي نشرت في العام 2018.

مناسبة الحديث عن هذا النشيد، وعن فرقة الولاية، هو الحضور القوي هذه الأيام لـ”تراند” المنشد علي بركات الذي يحتل الحيّز الأكبر في فضاء جمهور الحزب لجهة “النجومية”. وهو منشد “غزير” ينتج أناشيد مما هبّ ودب، ولم يترك شخصية إلا وكتب ولحّن لها نشيداً وجميع أناشيده قائمة على اللحن نفسه والأسلوب نفسه في التوزيع، وطبعاً الكلام متملّق وسطحي ومجرد “صف حكي”. وآخر إنتاجات بركات كانت نشيدين، واحد لرئيس الحكومة حسان دياب وآخر لوزير الصحة حمد حسن، وقد نالت صورته مع الرئيس دياب، من زيارته الأخيرة إلى السرايا الحكومية، قدراً كبيراً من السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي. وهذه السخرية طبعاً طالت “حزب الله” الذي يربط كثيرون بينه وبين بركات. والحزب طبعاً لا ينفي بشكل رسمي هذه العلاقة مع هذا المنشد “الهابط”، الذي أنزل مستوى الإنشاد لدى الحزب من “الشعب استيقظ يا عباس” إلى “تا يرجع أحلى لبنان/ كلنا حدّك يا حسان/ يا ريس الله وإيدك”!

الخوف أن يصبح دياب “ملحّن” الأناشيد المقبلة

وكان هذا “الهبوط” التدريجي قد مرّ بمراحل مضحكة في فترة حصار السرايا الحكومية في نهاية العام 2006 لأكثر من عام من أجل إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وحينها أنتج “حزب الله” وحلفاؤه أناشيد سقطت قبل سقوط حكومة السنيورة، وربما لم يعش في الأذهان من تلك الفترة سوى نشيد “نصرك هز الدني” الذي أنتجته فرقة “الولاية” بعد حرب تموز. فيما بقيت الآلة الدعائية للحزب مضطرة للجوء إلى أغاني واناشيد اليسار اللبناني لبثّ الحماسة “الوطنية”. فلا تغيب “أناديكم”، التي لحّنها وغناها أحمد قعبور، عن أدبيات الحزب، كما تحضر بعض أناشيد زياد الرحباني الذي حلّ غير مرّة ضيفاً على قناة “المنار”. ولا تغيب بالطبع أغاني جوليا بطرس (التي غنّت خطاباً للسيد من ألحان شقيقها زياد) وفيروز، على الرغم من “عورة” الأصوات النسائية في الأغاني، بالنسبة إلى حزب الله وثقافته وبيئته. والمفارقة أنّ الفرق الموسيقية التي تدور في فلك الحزب لم تتوانَ عن غناء أناشيد مصرية، مثل “خلَي السلاح صاحي” لعبد الحليم حافظ (ألحان كمال الطويل) وقد غنّاها المنشد علي العطار مع فرقة موسيقية كبيرة في مهرجان وادي الحجير الفني.

وطبعاً، ترافق انحدار المستوى الفني للأناشيد مع ازدياد الإمكانيات الفنية لفرقة “الولاية”. فلم تقتصر آلاتها على الكلارينت والساكسوفون، بل أصحبت تضم آلات موسيقية كثيرة، طبعاً مستوردة من الغرب وبالدولار الأميركي الفريش، وحضر في “تخت” الفرقة الدرامز. وقد كتب مراسل الـ”دايلي بيست” آدم راونسلي على تويتر، في الذكرى العاشرة على حرب تموز، تعليقاً ساخراً على صورة لعازف الدرامز في فرقة الولاية في الإحتفال: “- ماذا تعمل؟ – أنا درامر لحزب الله”!

الخوف أن يصبح دياب “ملحّن” الأناشيد المقبلة .

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…