التعبئة أم مناعة القطيع؟
سؤال طرحه كلّ لبناني وهو يرى عدّاد كورونا يتصاعد بجنون في نهاية الأسبوع. فبين ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا، ومشهد الازدحام في الشوارع، وفيديو وزير الصحة حمد حسن مكرّماً في بعلبك محمولاً على الأكتاف بين مئات المتلاصقين، دون مسافة تباعد ولا من يحزنون، كان لا بدّ من التساؤل عن مستقبل لبنان في ظلّ فيروس كورونا.
إقرأ أيضاً: كورونا: 51 إصابة في يوم واحد… هل أخطأنا بفتح البلاد؟
مصادر متابعة للملف الصحي أكّدت لـ”أساس” أنّ “مناعة المجتمع الناعم” التي تحدّث عنها وزير الصحّة حمد حسن هي التي نتوّجه إليها حالياً، لا سيّما وأنّ “الفيروس بات أضعف في لبنان. ربما هو تغيّر، وربما عامل الطقس والحرارة المرتفعة هي التي ساهمت بذلك”.
لكن ما هي “مناعة المجتمع الناعم” التي يطبّقها لبنان؟
رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى رفيق الحريري الدكتور محمود حسون، يوضح لـ”أساس”، أنّ “لبنان لا يتجه إلى الذهاب باتجاه مناعة القطيع كبريطانيا مثلاً، حيث أدّت هذه الخطّة إلى تسجيل عدد كبير من الوفيات، إذ لم تقترن بفحوصات للحالات المشتبه بها ولا بمتابعة لانتقال العدوى ولا بالحجر”، مضيفاً: “في لبنان يتمّ اعتماد المناعة المجتمعية بطريقة بطيئة، نبقي على الفحوصات، ونتتبّع الحالات، ونقوم بحجر وعزل عندما يقتضي الأمر”.
هذه الخطّة الجاري اتبّاعها ستؤدي بحسب الدكتور حسون، إلى اكتساب عدد كبير من اللبنانيين المناعة خلال 3 أو 4 أشهر.
لكن هل سنعود إلى التعبئة بعد ارتفاع عدّاد الإصابات؟
“كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ لا عودة للتعبئة”، يقول الدكتور حسون، إذ “لا يمكن الإبقاء على الناس في بيوتها. ونحن كمستشفيات وكقطاع صحي، قادرون على القيام بواجباتنا والاهتمام بالمرضى. في وقت سابق كان خوفنا من عدم القدرة على تجاوب القطاع الصحي مع عدد الإصابات بالكورونا. اليوم، اختلف الوضع، فأغلب المستشفيات الحكومية وبعض المستشفيات الخاصة حاضرة ومجهّزة لهذا الموضوع”، مضيفاً: “جميع المصابين الذين لديهم عوارض يتمّ إدخالهم إلى المستشفى ومتابعة حالتهم حتّى وإن كانت خفيفة ومتوسطة”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ نسبة الوفيات في لبنان “لا تتخطّى الـ2% وهذه نسبة مقبولة، وتدل على كفاءة القطاع الصحي”.
خلال التعبئة كان هناك تجاوزات. المواطن بحاجة ليعمل، والقطاعات والنشاطات لا بدّ أن تستأنف
“التعبئة لزوم ما لا يلزم”، بهذه العبارة يعلّق عضو “اللجنة الوطنية للأمراض السارية والمعدية” والاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري عند سؤاله عن العودة إليها، مضيفاً في حديث لـ”أساس”: “حتى خلال التعبئة كان هناك تجاوزات. المواطن بحاجة ليعمل، والقطاعات والنشاطات لا بدّ أن تستأنف. ولكن في المقابل على المواطن أن يتحمّل مسؤوليته، وعلى الدولة أن تراقب وتعاقب المخالفين”.
يتوقف الدكتور البزري عند إعادة فتح المطار المرتقبة في الأوّل من تموز، معلقاً: “المطلوب من الدولة اللبنانية التشدّد بتطبيق القانون المتعلّق بالتزام المواطن بالإجراءات. فهناك بعض المواطنين يعتبرون تحدّي الإجراءات مرتبطاً بمكانتهم الاجتماعية. وهذا يقوم به أيضاً بعض المسؤولين والسياسيين الذين يدعون إلى تجمّعات يتمّ خلالها تجاوز التوصيات”.
وكما الدكتور البزري لا يرى الدكتور حسون مانعاً من إعادة فتح المطار في الموعد المقرّر: “كلّ دول العالم فتحت مطاراتها. ولكن لا بدّ من وضع بروتوكول يضبط دخول المسافر، ويحدّد الاجراءات التي يجب اتباعها”.
“مشكلة كورونا ستبقى موجودة وعلينا أن نعتاد عليها”، يؤكد البزري على هذه العبارة في ختام الحوار، موضحاً أنّ الاحتياطات لا بدّ منها، وهذا ما لا يلتزم بها لبنان واللبنانيون حتى اليوم.
الاحتياطات نفسها يشدّد عليها الدكتور حسون، قائلاً: “نحن لا نستطيع إبقاء المواطنين في بيوتهم. لا بدّ للحياة أن تستأنف ضمن الاحتياطات والإجراءات اللازمة. فالكورونا فيروس لن يذهب لا في يوم ولا في يومين، وحتى الآن لم يتمّ اكتشاف أيّ لقاح له”.
