في حين كان اللبنانيون قد بدأوا في العودة التدريجية إلى حياتهم الطبيعية، السابقة على انتشار فيروس كورونا، حين أعلن وزير الصحّة أنّنا تجاوزنا مرحلة الخطر، وأوحى بأنّنا انتصرنا على الوباء، فجأة خرج تصريح له أمس مهدّداً بـ”إقفال البلد 48 ساعة”، وأتبعه بتصريح أكثر خطورة اليوم، مهدّداً بأنّه خلال 48 إلى 72 ساعة، سيتّخذ قراراً بالإقفال التام لمدّة محدّدة”، وذلك بعد “أخذ عيّنات من 200 شخص من المناطق”.
لكن السؤال الذي يلحّ هنا: لماذا قرّرت وزارة الصحّة أنّه ليس هناك حاجة ليصل عدد الفحوصات إلى 75 ألفاً، واكتفت بالمشارفة على 50 ألف فحص فقط؟ رغم أنّ وزير الصحّة كان أعلن في البرلمان، أمام عدد من النواب، أنّ لبنان يحتاج إلى 75 ألف فحص، ينتهي العمل بها في 10 أيّار؟
لكن لم يشرح لنا وزير الصحّة من قرّر أنّ عدد الفحوصات كافية. مصادر الوزارة تؤكّد لـ”أساس” أن “لا علاقة بين انخفاض عدد الفحوصات وبين الإصابات الجديدة خلال الأيام الماضية، لأنّ إصابات أمس الأول وأمس لم يتسبّب بها فتح البلاد مجدّدا، بل إنّ كلّها مرتبطة بعدم التزام أحد المسافرين بالإجراءات الضرورية”.
وتضيف مصادر الوزارة أنّ “خطورة المسافرين على المقيمين وتسبّبها بانتشار الفيروس في لبنان، لا علاقة لها بتشديد الإجراءات أو تخفيفها، فكلّ المصابين الجدد هم من المخالطين لوافدين أتوا من خارج لبنان”. ويدلّل المصدر على صحّة كلامه بالتذكير بأن “لا قرارات جديدة، ولا إجراءات استجدّت، غير التأكيد على البقاء في المنازل بعد الساعة السابعة مساءً، بهدف منع الزيارات العائلية بعد انتهاء دوام العمل، لأنّها كانت السبب في ما جرى من انتشار في جديدة القيطع”.
وإذ يؤكّد مباركة وزارة الصحةّ للتعميم الجديد من وزير الداخلية، يذكّر بأنّ “البيان أكّد على ضرورة لبس الكمامة والتباعد الاجتماعي وعدم التجمّع وليس على وقف الفتح التدريجي للبلاد”. ويضيف: “سنراقب الوضع العام يومي الإثنين والثلاثاء، لكن لا يوجد سبب للعودة إلى الوراء”، ويختم: “الجيش عزل جديدة القيطع، وهذا جيّد، لكنّ الإصابات سببها مخالطة وافد من خارج لبنان في البلدة، وليس انتشاراً بين المقيمين”.
إقرأ أيضاً: هجمة كورونية مرتدّة: لماذا تسرّع لبنان بتخفيض التعبئة؟ وبتخفيض الفحوصات العشوائية؟
الرئيس السابق للجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية الدكتور زاهي الحلو يدقّ ناقوس الخطر مجدّداً، وهو الذي كان على الدوام رأيه أنّ عودة المغتربين ستأتي بموجة ثانية، مشدّداً على أنّ “الإصابات في صفوف المغتربين تشكّل خطراً كبيراً، في ظلّ عدم إمكانية ضبط العزل المنزلي”. ويكشف لموقعنا أنّ “بعض الوافدين كانوا على علم بإصابتهم بفيروس الكورونا قبل عودتهم إلى لبنان”، معتبرأً أنّ “هذا تصرف غير مسؤول، ومطالباً بوقف الرحلات”.
ويدعو حلو إلى مراقبة الذين رافقوا المصابين على متن الطائرة نفسها وأن يُحجر على كلّ منهم 14 يوماً”، ويضيف: “من دون الوافدين هناك خوف من موجة ثانية من الكورونا أكبر من الأولى. فكيف الوضع مع ارتفاع أعداد المصابين في صفوفهم؟”.
ويحذّر الحلو من تخفيف الإجراءات، فـ”المناطق بدأت تشهد اكتظاظاً في الشوارع ولا التزام لا بالتباعد الاجتماعي ولا بأساليب الوقاية. يجب عدم الركون وإلاّ سنصطدم بموجة ثانية من الفيروس وهي ستكون أخطر”. ويدعو إلى “التروّي قبل فتح المدارس والعودة إلى التدريس في الجامعات”، لأنّ “الدول التي خفّفت الإجراءات في الخارج، اكتشفت تسرّعها وهي اليوم نادمة على هذه الخطوة”.
وفي عودة إلى الأرقام الجديدة، فقد سجّلت 53 إصابة في صفوف الوافدين، وأدّت إلى 7 إصابات يوم الجمعة، و11 إصابة يوم السبت، و23 أمس الأحد. وهي أعداد ما عدنا سمعنا بها منذ شهر تقريباً، ما يعني أنّ الموجة الثانية قد بدأت بالفعل، وهي التي توقّع أطباء أن تكون أكثر شراسة.
ارتفاع الإصابات بين الوافدين وتزامنه مع ارتفاع مفاجئ للمنحنى الوبائي للمقيمين، أثار حالة من الخوف والهلع بين اللبنانيين، من إعادة تفشّي الوباء مجدداً. وبعيداً عن الجدل الحاصل حول صوابية إرجاع اللبنانيين من البلدان الموبوءة دون إجراء فحوصات في بلدان الاغتراب أولاً، فقد طُرحت مؤخّراً تساؤلات حول مصير باقي المسافرين الذي اختلطوا بهذه الحالات على الطائرة نفسها، ومصير العوائل التي ستحتكّ بدورها معهم. كذلك صوّبت الأنظار حول الحجر المنزلي، والجهة الموكلة إليها مراقبته، لاسيما وأنّ معلومات ترددت عن إصابات مستجدّة بين المقيمين سببها المغتربين. وهذا ما أكّده وزير الصحّة حمد حسن الذي نشر عبر “تويتر”: “مغترب بمنزله يستقبل المهنئين بدل الحجر، ويسبّب عدوى أسرته ومحيطه”.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها “أساس” من وزارة الصحة، فإنّ ارتفاع عدد الإصابات المفاجئ سببه أحد المغتربين الذي لم يلتزم الحجر المنزلي في جديدة القطيع – عكار. المغترب، بحسب الوزارة، نقل العدوى إلى محيطه العائلي أولاً، وثانياً إلى والد العسكري في المحكمة العسكرية الذي تجمعه به قرابة.
الوالد بدوره نقل العدوى إلى العسكري، والأخير ونظراً لعدم ظهور أيّ عوارض عليه، لم يعلم بإصابته، وأخفى كذلك إصابة والده، ما تسبب بتسجيل إصابات عدّة في صفوف زملائه.
خلية الأزمة في بلدية جديدة القيطع نفت من جهتها أن تكون الحالات المسجّلة قد انتقلت عبر وافد من نيجيريا، موضحة أنّ “هذا المغترب قام بإجراء فحص pcr سلبي وحجر في بيروت 24 ساعة ولم يختلط أو يزر أيّاً من المصابين”.
نائب رئيس بلدية جديدة القيطع الشيخ مصطفى الجعم، أكّد من جهته لـ”أساس” أنّ مصدر العدوى ليس المغترب كما يتردّد، وإنّما مؤهل أوّل متقاعد يعمل في تخليص المعاملات وقد نقل الفيروس إلى 13 شخصاً من عائلته من بينهم ابنه الذي يعمل في المحكمة العسكرية، مشيراً إلى أنّ عدد الفحوصات التي تمّ إجراؤها حتّى اليوم هو 180. وبحسب العجم فإنّ اجتماعاً سيعقد غداً مع المحافظ والأجهزة الأمنية، وهناك توّجه لعزل البلدة.
تؤكّد المصادر أنّ جميع من ثبتت إصابتهم نقلوا إلى المستشفى، ولا مجال لخروجهم قبل الشفاء. ولكن هناك حالات لا تظهر عليها الإصابة وتأتي نتيجة الفحص سلبية، لكن بعد أيام عدّة تبدأ العوارض بالظهور
مصادر الوزارة من جهتها تصف ما حدث بالـ”الجريمة”، دون أن تستبعد الاتجاه إلى القضاء لمحاسبة كلّ من يستهتر بأرواح الآخرين، فهذا الموضوع بات مطروحاً على الطاولة.
المصادر نفسها تؤكد أنّ الوزارة تقوم بواجبها، فـ”الأشخاص الذين يستقلّون طائرات مع حالات اكتشف أنّها مصابة، يخضعون للإجراءات نفسها التي طبّقت في جميع الرحلات السابقة، وهي الحجر المنزلي لمدة 14 يوماً، والتشدّد في عدم التواصل مع عوائلهم أو أيّ شخص آخر”، موضحة أنّ الوزارة والبلديات المعنية تؤمّن لهؤلاء كلّ ما يلزم كي لا يضطروا إلى الاحتكاك مع أيّ شخص.
أما فيما يتعلّق بالإصابات التي سجّلت بين الوافدين، فتؤكّد المصادر أنّ جميع من ثبتت إصابتهم نقلوا إلى المستشفى، ولا مجال لخروجهم قبل الشفاء. ولكن هناك حالات لا تظهر عليها الإصابة وتأتي نتيجة الفحص سلبية، لكن بعد أيام عدّة تبدأ العوارض بالظهور: “لذلك نتشدّد في مطالبة هؤلاء بالتزام الحجر”.
تتوقّف الوزارة عند الإجراءات الاحترازية التي يتمّ إجبار المسافرين على اتّخاذها: “في كثير من الحالات لا نكتفي بالفحص الأوّل. فنُخضع بعض الحالات المشكوك بها للحجر داخل فندق، ثم نعيد إجراء الفحص في اليوم التالي مجدّداً. وهذا ما حصل مع الطائرة القطرية، فبعد الحجز على 6 أشخاص تبيّنت إصابة 5 منهم”. وتشدّد على أنّ “البلدية هي التي تقوم بالرقابة بالدرجة الأولى”، عند سؤالها عن التزام الوافدين بالحجر، لافتة إلى رقابة مجتمعية تؤازر الرقابة البلدية.
ولكن كما يبدو، فإنّ الرقابة البلدية والمجتمعية سقطت في جديدة القيطع، ما أدّى إلى خلق بؤرة جديدة للوباء، وهذا ما دفع “اللجنة الوزارية لعودة اللبنانيين” إلى اتخاذ قرار بخفض عدد الرحلات الآتية من الخارج بشكل جزئي، حتى يتم ضبط الوضع وإعادة التقييم.
وزارة الصحة لا تبالغ في التهويل وتبتعد كذلك عن المبالغة في الطمأنة، وتطالب المواطنين بالحذر والالتزام بالتباعد الاجتماعي، وتتوقف عند كلام الوزير الذي اعتبر أنّنا “قد نعود إلى نقطة الصفر في موضوع كورونا بسبب أعداد الاصابات الكبيرة ضمن الوافدين من الاغتراب”، والذي أعلن أمس أنّه قد يطالب بإغلاق البلد 48 ساعة.